الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الحراك الشعبي والحوار السلطوي

موريس نهرا
A+ A-

الظاهرة الجديدة البارزة في الحياة السياسية والعامة للبلاد، تتمثل بالتقابل بين المحور السلطوي الذي يجتمع حول طاولة الحوار، وبين الحراك الشعبي الهادر في ساحات بيروت وشوارعها، وفي المناطق. لكن اللبنانيين اعتادوا حوارات كهذه، لذلك لا يعلّقون آمالاً عليها، لأنها تُصدر ضجيجاً ولا تُنتج طحيناً. ورغم بعض التمايز بين المتحاورين، فإن حوارهم يشبه من يتحاور مع نفسه. فهم في حكومة واحدة وبرلمان واحد، وأطر سلطوية واحدة. وفوق ذلك، فإن التناقضات بينهم، التي تنبع أساساً من طبيعة نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية، تغرق البلاد ومعها السلطة نفسها، في حال من الشلل والعجز الفاضح، في ظروف تحتاج فيها البلاد الى تعزيز منعة لبنان وتحصينه في وجه الخطر الاسرائيلي والإرهاب الداعشي، ومعالجة التدهور المريع في معيشة الشعب وشروط حياته.
أدى تراكم المشكلات والأزمات وتفاقمها وصولاً الى مشكلة النفايات التي لم تكن مفاجئة" للمسؤولين، الى انفجار النقمة على الطبقة السلطوية ودور الحكومة، ودفع الناس والشبيبة وقوى التغيير وجميع الحرصاء على لبنان الشعب والوطن الى الاعتصام والتظاهر، معبّرين عن غضبهم ومطالبتهم بحلول فعلية. وارتباطاً بذلك أقدم المسؤولون على الحوار في ما بينهم.. وليس خافياً أن هذا الحوار الفوقي، يجري تحت ضغط الحراك الشعبي. ولا يقتصر البحث فيه على مشكلة النفايات التي تشكل أحد مظاهر أزمة السلطة ونظامها القائم على التحاصص الطائفي والمذهبي. مما يبّين ان الحلول التنفيسية الموقتة أو الجزئية، لم تعد كافية.... فالمشكلات متعدّدة، من التحاصص والفساد، الى مسألة فرص العمل للشباب، الى قضية الغلاء وتكاليف المعيشة والأجور، الى الضمانات الصحية والاجتماعية... الخ، إضافة الى الكهرباء والمياه وغيرها.
لذلك فإن مواجهة الحراك الشعبي والنقمة المتسعة على الطبقة السلطوية، بأساليب التشويه والتحايل او القمع لم تعد مجدية، واذا كان من هُم في السلطة يرون أن نظامهم المتعدد الزعامة والرأس قويا" ويصعب سقوطه، فإن ما أظهره الحراك الشعبي بالحشود الجماهيرية الضخمة، والاعتصامات والتظاهرات المتكاثرة في مختلف المناطق، يكشف ان ظاهرة جديدة أخذت بالإتساع والتصاعد، تشمل شرائح شعبية وفقيرة، تتفلت من البقاء تحت سقف 14 و8 آذار، وتشارك في التظاهرات الشعبية، لأنها تعاني الأزمات نفسها و تشعر بالوجع نفسه.
وهذا أكثر ما يخيف هذه الأطراف المتمسكة بمواقعها، والتي كان سلاحها المعروف تأجيج العصبيات المذهبية والطائفية، واستخدام السلطة والدولة وسيلة للتنفيعات الخاصة والزبائنية، لإبقاء جمهور كل مذهب أو طائفة في حظيرة التبعية لزعيمها.
وفيما الحوار السلطوي لا جدوى فيه لانتاج حلول حقيقية للأزمات، ولا أفق له، فإنّ الحراك الشعبي والجرأة والمثابرة التي تميز بها، وتنامي الوعي لدى الشبيبة والناس، يضفي أملاً حقيقياً بصعود حركة شعبية تشكل عامل ضغط وإقلاق للطبقة السلطوية، وتهز ركائز نظامها التحاصصي الفاسد، وتشير الى امكان إحداث تغيير ديموقراطي، بدءاً بفرض قانون انتخاب على قاعدة النسبية والدائرة الوطنية وخارج القيد الطائفي، وصولا" الى إقامة الدولة المدنية الديموقراطية دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، وإن تطلب تحقيق ذلك نوعاً" من التدرّج، فما كان مستحيلاً في ظرف معين لا يبقى مستحيلاً في كل الظروف.
ومن نافل القول، أن الحوار الحقيقي هو الذي يجري في إطار مؤتمر وطني شامل تشارك فيه جميع قوى المجتمع، وبخاصة قوى الحراك الشعبي النقابية والشبابية والسياسية والهيئات الثقافية والمهنية والنسائية... الخ. وإلاّ يبقى الحوار شكلياً ولتقطيع الوقت.


موريس نهرا

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم