الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

العالم العربي تحوّل حمام دمٍ وفراغاً

عبد الحميد الأحدب- محامٍ
العالم العربي تحوّل حمام دمٍ وفراغاً
العالم العربي تحوّل حمام دمٍ وفراغاً
A+ A-

#اللاجئون_السوريون بعشرات الألوف اليوم، ومئات الألوف غداً، الذين يزحفون من سوريا "التي كانت قلب العروبة النابض" الى ألمانيا وفرنسا والنمسا والسويد وغيرها. آباء هؤلاء كلهم كانوا سنة 1958 يقفون أياماً وأياماً بالملايين امام قصر الضيافة في دمشق لسماع خطابات عبد الناصر التي كان يُعدّها محمد حسنين هيكل، فيهزّ بها عبد الناصر مشاعر الناس في دمشق والإسكندرية وكل المدن العربية، ويقول إن "الديموقراطية المزيفة لم تكن تمثل الا ديموقراطية الرجعية التي لم تقطع صلتها بالاستعمار، وهذه الديموقراطية ليست الا دكتاتورية الرجعية، وضاعت حرية النقد بضياع حرية الصحافة، كذا...". هكذا تحدث عبد الناصر ثم صار العالم العربي يردّد من بعده نفس المفاهيم.


وسارت الجحافل خلف عبد الناصر معتقدة انه استعاد لها كرامتها، وهي لا تعرف ماذا كان ينتظرها.
ومات عبد الناصر وبقيت هذه المفاهيم سائدة فولدت دكتاتوريات. كان عبد الناصر نظيف الكفّ وصاحب كاريزما سياسية هائلة، ولكن الدكتاتوريات التي توالت بعده، والتي تطبّق افكاره وكلامه عن الديموقراطية والرجعية والاستعمار والحرية، كانت بدون اي كاريزما ولم تكن نظيفة الكفّ، ويمكن القول إنه بعد سقوط الاستقلاليين وبرلماناتهم في البلاد العربية، جاء عبد الناصر وثقافته السياسية ثم بعد عبد الناصر قطيع من الدكتاتوريات: صدام حسين، آل الأسد، حسني مبارك، عبدالله صالح، معمر القذافي، زين العابدين، الخ... الى ان تساقطت الديكتاتوريات العربية بالتسونامي الذي عصف بالمنطقة فأطاح بالدكتاتوريات وخلّف اضطراباً مخيفاً لأن ثقافة عبد الناصر حول الديموقراطية المزيفة والاستعمار والرجعية سقطت مع تساقط الدكتاتوريات. وتحوّل العالم العربي الى حمام دم والى الفراغ، وبدأت هجرة ابناء البلاد العربية الى خارج اوطانها، ففي سوريا هاجر نصف الشعب السوري على سبيل المثال! ولكن العرب هذه الأيام الذين لم يعد عندهم كبرياء، صاروا يشعرون بأنهم منفيون في عالم اليوم، وغرباء في كل مكان، غرباء حتى في بلدانهم، ويحسّون بأنهم مقهورون، مهانون...


منذ بداية مسيرة الثقافة الناصرية الى انهيارها وانهيار الدكتاتوريات العربية، لم تُحَلّ مشكلة الديموقراطية والحرية وكرامة الإنسان، لهذا ساد شعور عند العرب بأنهم فقدوا مكانتهم بين الأمم وشعروا بعدم القدرة على استعادتها! من هنا ظهرت "داعش" وكل اخواتها.



هذا المناخ هو الذي يولّد كره الذات، من هنا كثرة الإنتحاريين والذي يفضي الى قيام عالم تضطر فيه جماعات عمرها آلاف السنين، وحافظة لأقدم الحضارات الإنسانية ان ترحل تاركة وراءها ارضاً ورثتها عن أقدم الأسلاف طالبة اللجوء تحت سقف جديد. ذلك ان نُخَب هذه الجماعات لم تتمكن خلال قرن كامل من الحصول على تطور ولا حصلت على تحرّر وطني ولا على ديموقراطية ولا على حداثة اجتماعية، بل حصلت على ستالينية قومية.
هذه الهجرة التاريخية من شعوب "عروبة" ايام زمان الى فتح اوروبا حدودها لها! تذكّرنا بتمثال الحرية في نيويورك يتوجّه ببصره الى العالم العربي وقد كُتِب تحته: "اعطوني كل ما عندكم من المضطهدين في الأرض والمظلومين والمتعبين".



نحن في مرحلة انعطاف تاريخي، يسجَّل فيه تساقط حضارات إنسانية في الشرق وزحفها الى حضارة الغرب، الغرب الذي لم يعد يحمل اسم اوروبا واميركا، بل امسى عالم الغرب هو عالم الحرية وعالم العلم وكفى! وأمسى طبّه هو الطب، وفلسفته هي الفلسفة!
العالم العربي أمضى قرناً يشتم الغرب ويعيش عالة عليه في كل شيء.
عالم عربي ظلّ قرناً كاملاً لا يصنع فرشاة اسنان، ومع ذلك يتشدّق بحضارته البائدة. عالم عربي ورد في كتابه المقدس كلمة "اقرأ"، ومع ذلك يعدّ من أقل أمم الارض قراءة للكتب، او بالأصح لا يقرأ!
مجرى ومسيرة التاريخ الذي لم يفهمه ورفضه #العالم_العربي وما زال يرفضه، يؤكّد انه خلال القرون القادمة ستكون المعارك علمية واخلاقية وسَتُحْصَر مسيرة التاريخ في هذا المجال وحده.
قرن كامل،  قبائل بطرت فلا فكر ولا آداب! وغاب المثقفون وصارت الثقافة ارتزاقاً ومرتزقة.
هكذا وصلنا الى ما نحن عليه، وكل الشعوب العربية تستعد للهجرة الى عالم جديد.
سقطت حضارة الشرق بكاملها، والشواهد ليست حمّامات الدم وحدها، بل هجرة مئات الألوف الى عالم فيه عيش وحرية وكرامة الإنسان، يموت نصفهم على الطريق والذين يعيشون قرروا ان يعيشوا حياة اخرى.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم