الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حين تتحوّل السينما الى "بيت دعارة"... أماني لم تتجرّأ على زيارتها

المصدر: "النهار"
حين تتحوّل السينما الى "بيت دعارة"... أماني لم تتجرّأ على زيارتها
حين تتحوّل السينما الى "بيت دعارة"... أماني لم تتجرّأ على زيارتها
A+ A-

"الدخول اليها ممنوع سوى برفقة شقيقٍ او زوج. #السينما فيها من التفلّت الاخلاقي مظاهر مقلقة، منها الانوار التي تطفأ عند بدأ "الفيلم"، والذي يحجب الرؤية. المقاعد المتلاصقة تثير الريبة ايضاً. لمَ كلّ هذا الزحام؟ قصة الفيلم نفسه قد تشوبها مشاهد غرامية محرّضة على المشاعر، او عناقٌ أخّاذ يحرّك دقات القلب عاطفياً". سرد هذه النظرية ليس وهماً، او رأياً مستغرباً ومثيراً للضحك. هي حقيقة ما وصل الى اذهان اصحاب العقلية التقليدية عن مفهوم السينما في لبنان. لكن المفارقة ان للشاب امتيازاً: "راح عالسينما هالازعر". اما الفتاة فوضعها مختلف.



الانفتاح والثقافة: وجها عملة
تختلف نظرة شرائح #المجتمع_اللبناني حول السينما باختلاف معايير عدّة منها مستوى الانفتاح والتقدّم العلمي والثقافي. استطلاع الرأي يظهر التناقض في وجهات نظر الاهل. يارا مثلاً، تصنّفها في خانة الفن. تقول: "لطالما نظرت عائلتي الى السينما كفنٍ سابع عظيم، فنحن عائلة منفتحة وراقية تحبّذ مشاهدة الافلام دائماً. لا مشكلة في الذهاب بمفردي او برفقة اصدقائي، الا أنني لا احبّذ الذهاب الى السينما اليوم لاسباب شخصية تتعلّق بعدم تقبلي لنوعية الافلام المعروضة وجودتها، والتي أعتبرها مضيعة للوقت".


نظرة عائلة حنين الى الموضوع جاءت مختلفة. تقول: "عمري 25 سنة، اصبحت راشدة، عملي وخبرتي الحياتية ساهما في نضجي. لذلك فأنا حرّة اليوم، استطيع الذهاب حيث اريد واتمتع بثقة كاملة من اهلي. الا ان الوضع اختلف قبل سنوات، فكنت امنع من دخول السينما دون مرافقتهم لي. لا اعتبر ذلك مشكلة، بل على العكس هو جزءٌ من الحماية نظراً لضرورة التحلّي بالخبرة الحياتية قبل الغوص في غمار الحياة".
اما اماني فوضعها مختلفٌ تماماً. عائلتها تصور السينما كأنها شيطانٌ احمر ممنوعٌ التحدّث به. تروي: "نظراً لعدم توافر دور السينما في المناطق الريفية البعيدة، ما زال وقع هذه الكلمة على الاهالي مثيراً للمشاكل. السينما بالنسبة اليهم اشبه بمكان محرّم كبيت الدعارة الذي يجتمع فيه الراغبون في الفساد والعلاقات العابرة. رغم انني اعلم ان ذلك غير صحيح لكنني لم اتجرأ على زيارتها خوفاً من ردّة فعلهم السلبية، ولا زلت حين اتلقى دعوة من صديقاتي لحضور فيلم، ارفض العرض رغم رغبتي في مشاهدة الافلام البوليسية، الا ان مشاهدته عبر يوتيوب او من خلال شراء اقراص الكترونية فكرةٌ اكثر سلاماً".


اسباب رادعة
ترجّح الدكتورة في علم النفس التربوي مي مارون أسباب عدم تقبّل بعض اللبنانيين فكرة ارتياد اولادهم دور السينما "الى التقاليد الاجتماعية التي لا تزال تنظر الى هذا الفن كأنه نوعٌ من التفلّت من القيم والعادات، الا انه في الواقع حضارة. كما ساهمت الحرب الاهلية اللبنانية في تحجيم صورة الفن في لبنان والتأثير سلباً على استمراريته، في حين كان قد شهد نهضة مع الاحزاب اليسارية في بداية السبعينات. اضافةً الى ارتباط ذهنيّة الاجيال السابقة بمفهوم الافلام الاباحية التي كانت تعرض في اكثر من دار للسينما، الا انها باتت ممنوعة اليوم". وتلفت الى ان "الجهل يدخل عنصراً اساسياً في تبني كل هذه العوامل المذكورة، لان عدداً كبيراً من الاهالي اليوم لا يعلمون المنحى الذي اتخذته السينما والذي يختلف عن وجهها العتيق، فهم لا يمتلكون الفكرة، بل يسيرون وفق نظرة خاطئة ناهيك باعتبارها خصماً قد تؤثّر في سلوكيات الاولاد تجاه اهلهم نظراً إلى نشأتها في فرنسا عام 1968 كثورة شبابية القت بانعكاساتها على العالم بأسره".
وفي سياقٍ يدخل في تركيبة السينما كمكان تطفأ خلاله الانوار وتتقارب فيه المقاعد ترى ان "هذا العامل يربطه الاهل عادةً بالنظرة الدونية للمرأة التي يتوجب عليها مرافقة محرمها في هكذا اماكن لانها كائنٌ ضعيف قد تتعرّض لخطرٍ ما اثناء جلوسها في مكانٍ معتم، اضافةً الى حمايتها من نفسها كي لا تتأثّر بأهواء محرّمة قد تخطر في بالها". وتضيف: "بعض الاخبار الذي يتناقل عن إمكان تبادل القبل ومظاهر الاحتضان، والتي لها من الصحّة مفترق، تلقي بثقلها ايضاً على افكار الاهل التقليدية، فهو يبقى برأيهم مكاناً للهروب من الاضواء للاختلاء والتعبير عن العاطفة".


موعد غرامي؟
يرى الدكتور في علم النفس الاجتماعي هاشم الحسيني ان "ظاهرة ارتياد دور السينما لم تعد بالفكرة الهاجس التي تعتري الاهالي، الا في حال كانت النزهة سبيلاً للقاء مع الجنس الآخر او موعد غرامي وليس لحضور الفيلم. السينما بحد ذاتها صارت بمتناول الجميع عبر تقنية الانترنت التي قد تسرّب للأطفال اخطر ما قد تسرّبه الشاشة العملاقة". وحول إمكان سيطرة الاهل على قرارات اولادهم يعتبر ان "سلطة الاهل على الاولاد قد فقدت وانحسرت نوعاً ما في لبنان لاسباب عدة تتمحور بين الظروف المعيشية الصعبة ومضي الاولاد في البحث عن سبل العيش في عمرٍ صغير مما ضيّق سبل تعاطي الاب في امور ابنائه، وجعله يرضى بالامر الواقع ويحترم وجهة نظر جميع افراد العائلة مهما كان شرقي الطباع".
السينما ليست بيت دعارة. هي فنٌ سابع. العقلية الرجعية التقليدية هي من تبني بيوتاً كهذه في باطنها الدماغي. النقطة السلبية الوحيدة التي تعتري هذه الدور هي تطرّفها لصالح ذوي الدخل المرتفع. الفقراء لا يستطيعون ارتيادها في لبنان. شراء البطاقات و"البوشار" يثقل فاتورة جيابهم. على السينما ان تعلم ان عشاقها بغالبيتهم لا يستطيعون اللقاء بها، سوى في دور ممثلٍ اميركي يجسّد حكاية قهر احدهم في قالبٍ درامي. الاضواء خفتت... العرض بدأ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم