الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

قوى الأمن ما بين المحافظة على الحرّيات وحماية الأشخاص والممتلكات

المصدر: "النهار"
أنور يحيى- عميد متقاعد
قوى الأمن ما بين المحافظة على الحرّيات وحماية الأشخاص والممتلكات
قوى الأمن ما بين المحافظة على الحرّيات وحماية الأشخاص والممتلكات
A+ A-

قوى الأمن الداخلي هي قوى عامة مسلحة، تشمل صلاحياتها جميع الأراضي اللبنانية وتخضع لسلطة وزير الداخلية، وتطبق في شأنها احكام القوانين والانظمة العسكرية.


حدّدت المادة الاولى من تنظيم قوى الأمن الداخلي مهامها، ومنها في حقل الضابطة الادارية، حماية الاشخاص والممتلكات:
- حماية الحريات في اطار القانون، - تأمين الراحة العامة، - حفظ النظام وتوطيد الأمن. ومن هذه الحريات التي كفلها #الدستور_اللبناني، إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع: المادة 13 . ان موضوع حماية الاشخاص والممتلكات سبقَ مهام حماية الحرّيات في اطار القانون، حيث ان قوى الأمن الداخلي تحفظ الأمن والنظام وتحمي الحرّيات العامة بإطار القانون وبتنظيم دقيق وليس بغوغائية وشغب.



شدد تنظيم قوى الأمن الداخلي على وجوب محافظة القوى على الممتلكات العامة والخاصة، لا سيما في الكوارث والحوادث الخطيرة مع ضرورة اجتناب العنف الذي لا تقتضيه الضرورة، عند ممارسة مهامها وصلاحياتها الاكراهية (المادة 225 من تنظيم قوى الأمن الداخلي)، كما ان المادة 194 شدّدت على أن الضابطة الادارية، ركيزة المهام الأمنية، تعمل لمنع حصول الجرائم باستخدام الوسائل الرادعة التي يُجيزها القانون لحفظ النظام وتوطيد الأمن، وتأمين الراحة العامة وحماية الاشخاص والممتلكات، ومنع ارتكاب الجرائم.
تتّجه الانظمة السياسية نحو الديمقراطية والحرّيات العامة، وها الدستور اللبناني الصادر عام 1926 والذي أدخلت عليه عدة تعديلات عبر عقود كثيرة، لم يتبنّ الاعلان العالمي لحقوق الانسان الا مع التعديلات التي ادخلت بنتيجة اتفاق الطائف عام 1989، فاشتملت المقدمة على اعتماد هذا الاعلان صراحة، علما انه صادر عن #الامم_المتحدة عام 1948.



تتّجه الانظمة الى مزيد من الحريات للمواطنين، فبعد ان حدد وزير الداخلية، الاستاذ كمال جنبلاط، بمذكرة منه بتاريخ 22-1-1970 "تنظيم حرية التظاهر"، واشترط ان يتقدّم منظّمو التظاهرة بطلب خطّي الى المحافظ ضمن مهلة لا تقلّ عن ثلاثة ايام من تاريخ التظاهرة يحدّد فيه: اسماء المنظّمين وعناوينهم والغاية منها مع تحديد المسلك وتوقيت المسيرة وكفالة مادية كضمانة لعدم وقوع أضرار بالنتيجة في مرافق ومنشآت الدولة، واذا لم يصدر الترخيص تعتبر التظاهرة غير مرخّصة، وتكلَّف القوى الأمنية بفضّها فورًا، كما حصل في تظاهرة 23 نيسان 1969 التي انطلقت في بيروت تأييدًا للمقاومة الفلسطينية وسقط بنتيجة تصدي القوى الأمنية لها عدة قتلى وجرحى، وأدّت الى أزمة وزارية خانقة وانتهت باتفاق القاهرة المشؤوم. ثم جاء التعديل الذي ادخله وزير الداخلية والبلديات في العام 2006 ، الذي قضى بإعلام وزارة الداخلية والبلديات قبل 3 ايام على الاقل من المسيرة او الاعتصام، ويكون ذلك بمثابة العلم والخبر فقط للوزارة، وقد استند في حينها الوزير حسن السبع الى المادة 13 من الدستور اللبناني التي تبيح حرية الرأي بكافة الاساليب. ان العلم والخبر يجب ان يتضمّن: سبب الدعوة واسم وصفة الجهة المستدعية والعنوان، مع اشتراط ان يكون المنظمون لبنانيين، مع تقدير العدد المشارك وتفاصيل المسيرة وتعهّد بالتقيد بأوامر الشرطة والسلطة الادارية المختصة وعدم إلحاق الأذى بأية منشآت خاصة او عامّة.



تتولى قوى الأمن الداخلي بحكم مهامها المكلفة بها قانونا مسؤولية المحافظة على أمن وسلامة التظاهرة او الاعتصام، وفقًا لطلب العلم والخبر، باعتبار انها سلمية. يعتبر الاعتصام او التظاهرة مسلحة بحال وجود احد الاشخاص ينقل سلاحا ظاهراً او مستتراً، وهذه القوى التى جهّزت وسائلها من عدة وعديد قبل ايام من المهمة الأمنية، ورغم الاستقصاءات والتحريات السرّية والعلنية التي تُجريها، تتعاطى مع التظاهرة وفقا للعلم والخبر. تستقدم الحواجز والكونسرتينا ووسائل خفظ الأمن والنظام المحدد، وهي مكلفة حماية المؤسسات والادارات العامة لتأمين خدمات المرفق العام. وقد حدد وزير الداخلية والبلديات الاستاذ نهاد الشنوق بمؤتمره الصحافي بتاريخ 2-9-2015 بأن اي احتلال او اعتصام او اعتداء على مؤسسة عامة سيتم حسمه في اللحظة الاولى تحت سقف القانون وبالقوة اذا لم يستجب المحتلون لنداء القوى الأمنية المختصة، علماً ان المادة السادسة من تنظيم قوى الأمن الداخلي نصّت على تولي وحدة جهاز أمن السفارات مهام حراسة دور البعثات الدبلوماسية في لبنان والمؤسسات التابعة لها وكذلك الادارات والمؤسسات العامة.


مطالب متعددة
شاهدنا مطالب متعددة ومتناقضة اثناء تظاهرة يوم 29 آب المنصرم وسط بيروت وإقدام بعض المشاغبين على رمي القوى الأمنية بزجاجات حارقة واستخدام العنف معهم ومحاولاتهم اجتياز الحواجز المنصوبة وفقا لتفاهم سابق مع المنظمين، مما تسبّب بوقوع جرحى لدى القوى الأمنية والمتظاهرين، كما أقدم بعض المشاغبين الذين لا يخافون القانون ولا يحترمون هيبة الدولة على احراق بعض المؤسسات وتحطيم اشارات السير وغيرها، فاستوجب تدخل القوى لتوقيفهم والسيطرة على الوضع ميدانياً. كانت وسائل الاعلام المرئية تنقل مباشرة الى كافة ارجاء الكون الاحداث المؤلمة بدون شعور وطني انما ضمن سباق إعلامي، وشاهد الجميع ضعف هيبة الدولة التي تواجه أبناءها وليس عدوا غاشما، وقد فاق عدد جرحى القوى الأمنية عدد جرحى المدنيين.
اذا كان التظاهر احدى الوسائل العملية التي تمكن الفرد او المجموعة من التعبير عن الآراء والتي كفلها الدستور شرط ان تبقى سلمية وبإطار النظام العام الذي يحفظ الحريات وحقوق الجميع وليس مجموعة معينة فقط. وان قوى الأمن الداخلي مولجة التحقق من انضباط التظاهرة وفقا للشروط المتفق عليها، وإقدام البعض على القيام باعمال التخريب لو كان مندساً كما يقال، لا يعفي المسؤولية عن الجماعة المنظمة للتظاهرة، فشاهدنا العنف تجاه القوى الأمنية والتخريب في الاملاك الخاصة وعتاد الدولة، هذه التجاوزات لأفراد التظاهرة تشكل جرائم يعاقب عليها القانون بشدة لا سيما معاملة رجال الأمن بالعنف وعدم الانصياع الى توجيهاتهم.


واجبان
ان قوى الأمن امام واجبين: المحافظة على الحريات وواجب حماية الاشخاص والممتلكات العامة والخاصة. كيف توفق بينهما؟
يجب ألا يتصادم هذان الواجبان: اي حق التظاهر ومفهوم النظام العام الذي يشكل مجموعة مبادىء عامة معترف بها تشريعاً واجتهاداً وفقها"، وهذا النظام غير جامد، يتغيّر ويواكب تطور التشريعات والمفاهيم الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة التي يستخدمها المتظاهرون بتقنية عالية، لاظهار مطالبهم وخدمة مخططاتهم، ويهدف الى حماية المصلحة العامة التي لا تمسّ مصالح الافراد.
اذا كان على الدولة وأجهزتها الأمنية تقديس واحترام ضمانات منحها الدستور للمواطنين ومنها حرية التعبير عن الرأي. بالمقابل على المواطنين احترام قوانين سنّها ممثلوه في البرلمان وإدارات الدولة التي نالت ثقة المجلس النيابي. هل يحقّ لقوى الأمن الداخلي استخدام العنف بوجه المواطنين؟ هذا العنف الذي يتدرّج من: خراطيم المياه، إلى القذائف المسيلة للدموع، إلى الهروات، إلى القذائف المطاطية ثم إلى الرصاص الحي؟ لقد حدّدت المادة 221 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي شروط استخدام الرصاص الحيّ من قبل هذه القوى ومنها:



1- بناء على تكليف من السلطة الادارية (المحافظ والقائمقام) اثناء عمليات توطيد الأمن، وهذا ما ينطبق بحالة الترخيص لتظاهرة قانونية بموافقة السلطة الادارية الصالحة.
2- في حالة الدفاع المشروع عن النفس.
3- لمنع تجريدهم من اسلحتهم او الاستيلاء على الأعتدة الموجودة بعهدتهم.
4- للدفاع عن مراكزهم وعن الأماكن المولجين حراستها: وهذه الحالة تنطبق عند تنفيذ تدابير أمنية لحماية المقرات الحكومية او التشريعية اثناء قيام اعتصامات او تظاهرات سلمية مرخصة من السلطات.
5- للاحتفاظ بالاشخاص الموضوعين بعهدتهم او لتأمين سلامتهم.


 


الاجتهاد الفرنسي
أقرّ الاجتهاد الفرنسي انه لا يمكن حرمان المتظاهرين من ممارسة نشاطهم الا اذا تعذّر الحفاظ على الانتظام العام بوسيلة اخرى. اي عندما يرفض المتظاهرون الالتزام بما تعهّدوا به من المحافظة على السلامة العامة والحريات وحماية الاشخاص والممتلكات العامة والخاصة، ويرافق ذلك اعمال عنف من قبلهم، فيصبح استخدام القوى الأمنية للعنف المتدرج والمتوازن والمتناسب مع خطورة تصرفات المتظاهرين الغير المشروعة وتستهدف هذه القوى او املاك الدولة او المواطنين مشروعا. لكن لجوء القوى الأمنية لاستخدام العنف حتى اطلاق النار سيكون عليه تبعات تأديبة وعدلية تصيب عنصر الأمن للتحقق من استخدامه للعنف كان مبررا ودفعا لتعدٍّ استهدفه او المال العام. هذه الملاحقات التأديبية تطال رجل الأمن الداخلي وهي تتدرج من الحبس العادي الى الطرد من قوى الأمن لغير الضباط، او الوضع في الانقطاع النهائي او المؤقت للضباط وهي عقوبات قاسية تطال تعويضاته وتقاعده التي ربما تحتاج اليه العائلة. أما الملاحقات العدلية فتصدر بموجب احكام جزائية تتراوح من الحبس العادي إلى الاعدام.


استنفاد الوسائل
يجب على القوى الأمنية استنفاد كافة الوسائل المتاحة للدفاع عن نفسها بوجه غاضبين على السلطة المتمثلة امامهم برجل الأمن، وعليهم حماية المقرّات والمراكز الرسمية والخاصة وان تعمل بضمير وطني وصبر طويل تتعلمه فرق مكافحة الشغب المزودة بالوسائل الحديثة والتدريب المناسب لمواجهة هكذا حالات، وان تتعاطى مع المواطنين المتظاهرين المطالبين بالاصلاح ومكافحة الفساد المستشري بأنهم مواطنون وليسو اعداء يجب التصدّي لهم بقسوة، وعلى هذه القوى ان تعتمد اسلوب الاستعلام الصحيح عن المشاركين وأهدافهم والوسائل المتاحة لديهم. بذا يتعرّفون الى امكانيات المتظاهرين ويستعدون للمحافظة على سلامتهم طالما هم يتقيدون بما وعدوا به قبل الانطلاق.


الطريق الصحيحة
أخيراً اذا كان تطور الديموقراطية ومفاهيم الحريات العامة يرتبان حقوقاً أقوى لمصلحة المواطن تجاه دولته، الا ان تنفيذ القوى الأمنية للمهام المحددة لها بالمحافظة على أمن وسلامة الاشخاص والممتلكات وحماية الحريات العامة، كل الحريات، وحماية النظام العام. يجب ان تبقى باشراف السلطة الادارية: المحافظ او القائمقام المسؤولان عن السلامة العامة بنطاق العمل والتي يجب ان تواكب على الارض أحيانا كثيرة تطور الموقف لإعطاء التوجيهات المناسبة لهذه القوى التي تعمل الى جانبها، وغالبا ما تتعرض هذه القوى للانتقاد والمحاسبة التأديبة والعدلية نتيجة التجاوز او الافراط باستخدام القوة، ويتمّ التشهير بمحاسبة المسؤولين الأمنيين دون مطالبة السلطات الادراية التي تصدر التكليف الى هذه القوى وتترك لها المتابعة العملانية.
ان الوفاق السياسي بين افراد الحكومة ونشر الوعي بأن رجل الأمن هو من الشعب، يعيش المعاناة والفساد وهو في خدمة الأمن الوطني لكل الناس، وضرورة التزام المتظاهرين بما اتفق عليه مع القوى الأمنية والسلطات الادارية يحصّن القوى الأمنية ويسهّل عمليات حفظ الأمن والنظام من قبل وحدات مكافحة الشغب وحفظ الأمن والنظام المدربة افضل تدريب والمزوّدة بالتقنيات المناسبة وعلى كافة القوى دعم هذه القوى الأمنية التي قدمت أهم الانجازات الأمنية بكشف اخطر المؤامرات الارهابية وتوقيف اخطر المجرمين وبذلت أذكى الدماء في سبيل الواجب والدفاع عن الأمن الاجتماعي، بذلك تبقى الحريات العامة مصانة وتحمي الاشخاص والممتلكات. 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم