الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"فشة الخلق" لا تصنع "ثورة"

مصطفى العويك
A+ A-

الحراك الشعبي الذي تشهده شوارع بيروت أعطى صورة أولية عن مدى اخفاق الطبقة السياسية الحاكمة مجتمعة في محاكاة طموح الشباب اللبناني، وتصميمها على المضي في النهج الاستغلالي والاستبدادي نفسه، ذاك أن خروج آلاف اللبنانيين من تحت عباءة أحزابهم، وربما طوائفهم، والتظاهر وسط العاصمة حاملين شعارات تدين الأحزاب السياسية والسلطة القائمة ومنادين بأبسط الحقوق الطبيعية التي من المفترض أن تكون في حوزتهم منذ الولادة لو أن هناك دولة حقيقية في لبنان، يؤشر الى وصول حالة القرف لدى المواطن اللبناني الى أعلى مستوياتها.
قد يقول البعض أن تحرك هذه الفئة من الناس ليس بريئاً، وهو يأتي في توقيت سياسي مناسب لبعض الأحزاب التي يبدو انها تحركهم، كما تشاء، ضد أحزاب أخرى تبيّن للجميع أنها متضررة بشكل فعلي من التظاهر، وقد يقول البعض الآخر أن المحرك الرئيسي للتظاهرة هو مال خارجي وغرف سفارات أجنبية وغير أجنبية، وعلى افتراض صحة الأمرين معاً، إلا أنّ الثابت والأكيد أن الشعب اللبناني كفر بكل الطاقم السياسي الذي "طلعت ريحتو"، لكن ليس في مقدوره التصريح عن كفره حتى لا يخرج عن ملة التبعية الدينية والحزبية، ولذلك كان كلام رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في غاية الدقة، حيث قال: "لولا الطائفية لكنّا الآن في بيوتنا"، وهو كلام يدل على مدى الاحباط الذي يعيشه المواطن اللبناني العادي الذي لولا انتماؤه الديني والطائفي لكان أنجز ثورة كاملة على هذه الطبقة الحاكمة بحكم النظام الطائفي، ولم يكتف بـ"فشة خلق" اعتبرها البعض أكبر من انتفاضة وأقل من ثورة.
لذلك تبقى العقبة الكبرى أمام أي تقدم شعبي طبيعة النظام الطائفي التي تمنع أي تغيير ممكن في لبنان، ولذلك أتت دعوة المتظاهرين الى اسقاط النظام، ربما من باب الجهل بطبيعة الحياة السياسية في لبنان او من باب الطموح الذي لا سقف له.
لا شك في أن التظاهرة كسرت الانقسام الحاد بين جمهوري ما يعرف بـ8 و 14 آذار، ووحدت الاثنين معاً في مطالب حياتية ضرورية واولوية كالكهرباء والمياه، ومعالجة ازمة النفايات، ولا شك أيضاً في أن النظر باستخفاف الى التظاهرة بصرف النظر عن الموقف منها سيرتد سلبا على المستهزء بها، ذاك أنّ تجرّأ البعض من الحزبيين وخروجهم في تظاهرة تنادي باسقاط أحزابهم خطوة تصعيدية وسابقة لم يشهدها لبنان من قبل، وهي مؤشر فادح وفاضح على اخفاق الأحزاب في استيعاب حتى مناصريها وتحقيق مشروعها الورقي الذي ينادي بشعارات سياسية مثالية، لكنه على أرض الواقع يغرق في وحول الفساد السياسي والمالي والاداري، ويقدم مصلحة الشخص على مصلحة الحزب والدولة والخط السياسي، بل يجعل الوراثة السياسية مصيراً لا بد منه في زمن غابت فيه الديموقراطية عن كل تفصيل قد تطاله ابتداء من احترام الرأي الآخر مروراً باجراء انتخابات نيابية ديموقراطية لا يمنع فيها المنافس من انتخاب نفسه أو حتى من التعبير عن رأيه، وصولاً الى اعتماد ثقافة الركوع أمام رئيس الحزب، مع مدح لشدة الافراط فيه يتضح انه يتواءم مع التدجيل، ولغة استعطافية ركيكة يتقصدها قائلها بهدف الوصول الى كرسي النعم اللامتناهي.
لذلك فإنّ الافراط في التعويل على قادة الحراك الشعبي الذين لم يخرجوا على الرأي العام حتى الآن بخريطة طريق لحملتهم، خريطة تشكل عامل جذب لعشرات الالاف من اللبنانيين "القرفانين" من الوضع الحالي وقادرة على استمالتهم وجعلها خشبة خلاصهم، بعد أن خبروا كل المشاريع والخرائط الأخرى التي لم تزدهم إلاّ فقراً واحباطاً، وعرضت ثقتهم بدولتهم ولبنانيتهم الى كثير من الاهتزاز، هو افراط غير مبني على مرتكزات حقيقية تساهم في تدعيمه، فالعشوائية في الخطاب والاكثار من الحركات والتسميات هي باب لهدم العزيمة على المضي قدماً في الحراك، ونافذة يطل من خلالها بعض المتضررين من الحراك الشعبي لضربه وقسمه وجعله حركات شعبية عدة يغني كل منها على ليلاه.
فالمطلوب اليوم عقلنة الشعارات والتواضع في الطموح وتوحيد الصف والمطالب ورسم اطارات عدة للتحرك المدروس، ومن ثم التوجه الى الرأي العام اللبناني ومخاطبة عقله لا غريزته، مستقبله لا ماضيه، وبالتالي مخاطبة فئة تكاد تكون نادرة من اللبنانيين هي الفئة التي تؤمن بربها وبدينها أو لا تؤمن، لكنها في كلا الحالين تؤمن بنفسها وبحقها في حياة أفضل في وطن صادرته المافيات وسرقته الصفقات، وكل ذلك تم على مائدة الطوائف أو من تحتها. فئة قليلة ونادرة نعم، لكنها متى وجدت وحدها تستطيع التغيير.


مصطفى العويك

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم