الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كريم ابن الحادية عشرة عاماً: نام في سريره مطمئناً، واستفاق في مقبرة

المصدر: " النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
كريم ابن الحادية عشرة عاماً: نام في سريره مطمئناً، واستفاق في مقبرة
كريم ابن الحادية عشرة عاماً: نام في سريره مطمئناً، واستفاق في مقبرة
A+ A-

يعتقدون أنها حالة عادية لا تثير القلق او الخوف. البعض يعتبرها موضوعاً مثيراً للضحك ومحفّزاً لتبادل الاخبار المرحة الباعثة للتشويق. لبنانياً يسمونها "الروبصة" أو السرنمة أي المشي أثناء النوم. قد لا يثير الموضوع إحساساً بالخطر للوهلة الاولى. الاّ ان ابعاد هذه الحالة قد تصل الى حدود الجريمة. صراع الوعي واللاوعي يدخل في السيناريو. الشخص ليس واعياً لكنه واعٍ. كيف يجتمع التناقض في حركة؟ الريبة تحكم تصرفاتٍ كهذه. اين تكمن الحقيقة في ظل هذه الضوضاء؟



كأن في العقل خبايا
قصص كثيرة تتراود الى الاذهان عندما نتكلم عن "الروبصة". هذا ما يمكن ان يدلّ على كثرة حالاتٍ مماثلة كهذه. الا ان لبعضها وقعاً يتخطى حدود المعقول. حكاية كريم إحداها. الصبي المجتهد في مدرسته، ابن الحادية عشرة عاماً نام في سريره دافئاً واستفاق صباحاً على الرصيف في حيٍّ مزدحم بالسيارات والمارة وامام باب مقبرة.
يروي نبيل، والد الفتى ما حصل مع ابنه ليلة الحادثة: "لجأ الى النوم كعادته، بعدما انهى واجباته المدرسية. يقول: "استفقنا صباحاً ولم نجده واذا به عائداً بعد ساعات مبلل الملابس، ليخبرنا انه استيقظ امام باب مقبرة في المقلب الثاني من مكان سكننا في بيروت. لم يعلم ما حصل معه وكيف استفاق ومشى الى هناك، وسأل اذا ما كان احدٌ خطفه ورماه امام باب المدفن". ويلفت الى "انه كان يستيقظ احياناً في الليل ويمشي في الغرفة مدة معينة، الا اننا لم نكن نتوقع ان يفتح باب المنزل ويسير كل هذه المسافة ليصل الى هناك. منذ ذلك اليوم حرصنا على اقفال الابواب والنوافذ خوفاً من تكرار ما حصل، خصوصاً ان تلك الليلة المشؤومة لا زالت ترمي بثقلها عليه وتشعره بالاحباط، حتى انه يرفض المرور امام اماكن معينة او رؤية مشاهد عنفية ومخيفة على التلفاز". وفيما يخص امكانية عرض حال ابنه على الطبيب يعتبر: "انني لم اجد الضرورة في ذلك لان هذه الحالات معروفة انها اعتيادية وليست بخطيرة والاهم هو اتخاذ الحيطة واقفال الابواب. والجدير ذكره ان ظاهرة الروبصة لديه قلّت مع الوقت واعتقد انها في طريقها الى الزوال".
رغم ارتياح الاب الى وضع ابنه، واطمئنانه ان ما حصل لن يتكرّر من جديد، الا ان للطب حديثاً آخر.



اضطراب دماغي ام اهتزاز نفسي؟
يشير جرّاح الدماغ ومؤسس مركز اضطرابات النوم في الشرق الاوسط الدكتور الياس باشا، الى ان "الانسان يعيش ضمن 3 حالات بيولوجية مختلفة وهي حالة الوعي التي تتسم بالحركة والانتاج والنوم، اي الراحة والتجدّد، اما الحالة الثالثة فهي الحلم. ما حصل مع كريم هو نوع من الاحلام الفاقدة الشلل والذي نسميه بالروبصة. تتعدّد اسباب هذه الحالة بين اضطراب في كهرباء الدماغ والاهتزاز النفسي حيث يتعمّد الشخص المبالغة والتمثيل على اهله بسبب الغيرة او لفت الانظار لعدم الاهتمام به"".



قتل "الحمى"، القيادة لساعات و"الشوبينغ"
يلفت الدكتور باشا الى ان "حالات الروبصة تتعدّد،وهي تبدأ بالسير في الغرفة لمدّة معينة ثم العودة والنوم في السرير، الا انها قد تأخذ منحىً اكثر خطورة في حال وصل الشخص الى سيارته وقادها مسرعاً لساعات، او قرع باب الجيران وحاول التحرّش بجارته. قد يذهب الى المتجر للتبضع ويعود محملاً بالاكياس من دون دفع الفاتورة. هذا اضافةً الى قصص اكثر تراجيدية كالذهاب الى منزل اهل زوجته والتصميم على قتل (الحمى)، او ارتكاب جرائم معيّنة يأخذ فيها المذنب ذريعة عدم الوعي اثناء تنفيذه الجرم". ويضيف:" هذه النماذج التي أسردها ليست وهمية، بل واقعية وحصلت في اكثر من مرة. لكن المفارقة ان الروبصة هي حالة من حالات الوعي فهو ليس بنائمٍ، بل هي حياة لها مقاديرها وميزاتها الخاصة التي تختلف من شخصٍ لآخر بحسب حالته. هو لا يعيش وعي النهار الا انه يقظٌ باطنياً، ما يطرح هنا عدّة اسئلة عن العلّة التي يشكوها".
مسؤولية الاهل
ينبّه الدكتور باشا "الاهل الى ضرورة اتخاذ اجراءات وقائية في المنزل في حال كان احد افراد اسرتهم يعاني الروبصة، لانه قد يشكّل خطراً عليهم وعلى نفسه. الحلّ هنا يكمن في عدم التعرّض اليه او لمسه وايقاظه والتكلّم معه، بل يتوجّب عليهم اقفال النوافذ والابواب كي ينحسر نطاق تجوّله. وضع كاميرا داخل المنزل هو حلٌّ جذريٌّ ايضاً". ويوصي "بضرورة اخفاء الادوات الحادة التي قد يستقدمها لتنفيذ جريمة ما واعية باسلوبٍ خاص كالتعرّض للشقيق بالقتل او الضرب المبرح".



طرق العلاج
يختصر الدكتور باشا المراحل التي على الاهل اتباعها "بضرورة زيارة طبيب مختص بعلم النوم او طبيب اعصاب كخطوة اولى حيث العلاج يعتمد على عناصر عدة بدءاً من التشخيص الدقيق للحالة والدخول في المكامن التي انتجت الروبصة. الكبد، الرئة والمرارة، جميعها عناصر تدخل في تشخيص حالة الفرد، اضافةً الى فحص يخضع له الجهاز العصبي". ويعتبر ان "اللجوء الى طبيب صحة عامة لن يأتي بنتيجة كما ان زيارة الطبيب النفسي ممكنة لكن ليس كمرحلة اولى لان ذلك قد يؤدي الى تفاقم الوضع سوءاً خصوصاً في حال استخدام العقاقير المهدئة، لان المشكلة قد لا تكون نفسية بل دماغية".
المجتمع يتحمل بدوره مسؤولية في حال اعتباره مشكلة الروبصة نفسياً. عدم الشعور بالامان والارتياح العاطفي يولّد نماذج مثيرة للاستغراب. يقال ان ما تختزنه النفس من خبايا يظهر في اطارٍ لا واعٍ. الا ان للروبصة مفرقاً خبيثاً عنوانه "التحايل". هنا تضيع الترجيحات في اختيار الحالة الاكثر صعوبة. المتفق عليه ان الاقاويل الشعبية التي تطلق صراح "الروبصة" كحال عادية ليست محقّة. الاصدق، تشبيهها بافلام الرعب الهوليوودية المنشأ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم