السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لماذا استعجل البريطانيّون اعادة فتح سفارتهم في إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
لماذا استعجل البريطانيّون اعادة فتح سفارتهم في إيران؟
لماذا استعجل البريطانيّون اعادة فتح سفارتهم في إيران؟
A+ A-

نظراً الى السكّة السياسيّة التي سلكها قطار الاحداث الدوليّة بعد الاتفاق النووي الذي وقّعته #الجمهورية_الاسلامية_في_إيران مع مجموعة #الدول_الست، لا يمكن أن يشكّل خبر إعادة وزير خارجيّة #بريطانيا #فيليب_هاموند فتح سفارة بلاده في #طهران، الاحد المقبل، خبراً مفاجئاً جدّاً. لكنّه مع ذلك لن يكون خبراً بنكهة عاديّة.


تاريخيّاً لم تتّسم العلاقات بين الدولتين بالاستقرار. ففي اواسط القرن التاسع عشر شنّت بريطانيا حرباً على الحكم القاجاري لعلاقاته الطيّبة مع روسيا، فاستطاعت أن تأخذ بموجبها امتيازات عدّة على الأراضي الايرانيّة. وخلال الحرب العالميّة الثانية، احتلّت #بريطانيا مع #الاتحاد السوفياتي #إيران لتورّط رضا شاه في علاقات تجاريّة وسياسيّة مع النازيّين قبل أن تعاودا الانسحاب منها عام 1946. وبعد ذلك بسبع سنوات ساهمت الاستخبارات البريطانيّة والاميركيّة بانقلاب ضد محمّد مصدّق لمحاولته تأميم شركة "بريتيش بيرتروليوم".


وهكذا، استمرّ ميزان العلاقات بين الطرفين راجحاً لمصلحة الاقوى، الى أن قدّمت بريطانيا "هديّة" الى الايرانيّين سنة 1980 عندما خلّصت السفارة الايرانيّة في كينسينغتون من هجوم لستة مسلّحين من انفصاليي الاهواز.


لكنّ ما حصل عام 2011 اعتبر مفترق طرق خطير للعلاقات بين البلدين. فقد قامت مجموعة من المتظاهرين باختراق السفارة البريطانيّة في شارع فردوسي داخل#طهران وبعثرة محتوياتها وحرق بعض وثائقها قبل تفريقهم من قبل عناصر الشرطة. وقد بيعت بعض ممتلكات السفارة في السوق السوداء كما تقول صحيفة "الغارديان" البريطانيّة. جاء ذلك ردّاً على العقوبات التي فرضتها #بريطانيا على #الجمهوريّة_الاسلامية بسبب مشروعها النووي. أمّا لندن فردّت بالطلب من جميع الديبلوماسيّين الايرانيّين مغادرة البلاد خلال ثمان وأربعين ساعة.


كان لا بدّ للتوتّر من أن تنخفض تجلّياته مع استلام #محمّد روحاني مقاليد الحكم الرئاسي في #إيران. منذ ذلك الحين، تحسّنت العلاقات بين البلدين لكنّها ظلّت على مستوى قائمين بالاعمال يتولّون شؤون رعاياهم أسبوعاً واحداً في الشهر في عاصمتي الدولتين، مع وجود صعوبة كبيرة في حصول مواطنيهما على تأشيرات المرور.


هاموند سيزور طهران لاعادة افتتاح سفارة بلاده هناك الاحد المقبل، بعد مرور أربع سنوات على إغلاقها، يرافقه عدد من رجال الاعمال على أعلى المستويات.


في الواقع، يتمتّع الانكليز والبريطانيّون بمرونة في التعاطي السياسي. المشاكل التي اعترضت حسن العلاقات بين الدولتين لم تكن عسكريّة أو ديبلوماسيّة فحسب بل تخطّتها الى تلك الثقافيّة.


في غالب الاحيان، احتلّت بريطانيا، في ادبيّات الحكم الايرانيّ، رتبة الشيطان الاصغر بعدما احتفظت #الولايات_المتّحدة بالرتبة الشيطانيّة الاولى، دائماً بحسب الادبيّات نفسها. شارع تشرشل في طهران، المقابل لشارع السفارة البريطانيّة، أعيدت تسميته باسم بوبي ساندز الناشط في الجيش الجمهوري الايرلندي الذي توفّي بعد إضراب عن الطعام داخل أحد سجون بلفاست في إيرلندا. وكتاب "عمّي نابليون" الذي كتبه الايراني إيرج بيزيشكزاد والذي كان موضوعاً لفيلم إيرانيّ، يتّهم بطريقة غير مباشرة الانكليز في كل الاحداث التي تدور رحاها في إيران بحسب "الغارديان".


من جهة أخرى، لم يكن سهلاً أيضاً قيام الجانب البريطاني بتخطّي فتوى مؤسس الجمهورية الاسلامية السيّد روح الله الخميني بقتل البريطاني من أصل هندي #سلمان_رشدي صاحب رواية "الآيات الشيطانيّة" والتي لاتزال سارية المفعول بعدما أعادت وسائل إعلاميّة إيرانيّة عدّة، في شباط الماضي، التذكير بتلك الفتوى بمناسبة مرور اثنين وعشرين عاماً على إصدارها.


وفي ستّينات وسبعينات القرن الماضي، كانت إيران شرطيّ الخليج وسوقاً جذّابة بالنسبة الى البريطانيّين. وربّما لا تزال تلك الدولة تملك نفس الاهمية بالنسبة الى لندن على رغم مرور الدولتين في مطبّات سياسيّة لا يستهان بارتداداتها. فالمعطيات الاستراتيجيّة التي يجسّدها بعض الدول لحلفائها – أكانوا مستعمرين أم منتدبين سابقين - قلّما تتغيّر. ولذلك، حتى في قمّة التوتّر والعداء اللذين يجمعان بعض الدول، يجد المرء أنّ ثغرة صغيرة في جدار الازمات كافية ليعبر من خلالها أحد الطرفين الى الآخر من أجل فتح قنواته الديبلوماسيّة بسرعة ولترميم ما تهدّم من علاقات تاريخيّة وسياسيّة وثّقت روابط كثيرة بينهما .


وفي هذا المعنى، كان اتفاق فيينّا الثغرة التي انتظرها البريطانيّون للعبور نحو أحضان تاريخ جذّاب، بناه ما تتمتّع به بلاد فارس من عمق استراتيجي بالنسبة لامبراطوريّة، لم تغب الشمس يوماً عن ديارها الواسعة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم