السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الشاعر والسياسي: نيرودا والليندي الحكاية الكاملة

رلى راشد
الشاعر والسياسي: نيرودا والليندي الحكاية الكاملة
الشاعر والسياسي: نيرودا والليندي الحكاية الكاملة
A+ A-

الشاعر بابلو نيرودا والرئيس سالفادور الليندي. إسمان تلازمان طويلا لجميع الأسباب الصائبة. كان الأول صوت الجموع الغفيرة في حين حمل الثاني فكرة التغيير إلى سدّة الرئاسة. جمعهما همّ تبديل السائد وفرّقهما موت مُبكر وملتبس، في الحادي عشر من أيلول 1973، على منصّة انقلاب مدوٍ.


لم تكن العلاقة التي جمعت بابلو نيرودا بمواطنه الرئيس التشيلياني سلفادور الليندي سراً، كانت على نقيض ذلك مثالا يُحتذى في سياق الصلات الإستثنائية بين رجل الآداب ورجل السلطة، نموذجا لكيفية اقتراب الأول من الثاني من دون أن يجازف بحرق مصداقيته كورقة إلتقطَت فتيل النار لتصير رمادا في ثوانٍ. أما المفارقة فأن لا تجد الحكاية من يرويها في اكتمالها قبل اليوم، ليبدّل صدور "بابلو نيرودا وسالفادور الليندي. صداقة وحكاية" (منشورات ر. ي. ل. التشيليانية وبالقشتالية) أخيراً هذا الواقع، علما انه كناية عن بحث يأتي بمثابة الإستنطاق الأول لصداقة دامت نحو أربعين عاما وشغلت الأوساط الأدبية والسياسية على السواء.


في حين كان يمكن الإلتزام اليساري أن يفسّر صداقة الرجلين، كان في وسع الإنتماء الإجتماعي لكل منهما في الموازاة، أن يشرح استحالة اللقاء. لم يكن بديهيا أن يصير سليل البورجوازية الليندي رفيق نيرودا ابن الطبقة الوسطى، غير انه قُدّر للسبيلين التقاطع.
في الرابع عشر من أيلول 1973، أي بعد ثلاثة أيام على الإنقلاب الذي قاده بينوشيه ليطيح بالليندي، كتب نيرودا عن "حركة تحرّر بمقاييس كبيرة أوصلَت إلى رئاسة تشيلي رجلا بهوية سالفادور الليندي بغية تحقيق الإصلاحات والتدابير القانونية الطارئة ولكي يُنقذ ثرواتنا الوطنية من الأيادي الغريبة".
في النص لا يتأخّر نيرودا في الإشارة إلى تلك الهوّة الإجتماعية الظاهرة بين الليندي وبين الشعب التشيلياني والتي لم يلبث أن ردَمها: "كان الليندي زعيما إجتماعيا، لم ينبثق الرجل من الطبقات الشعبية غير انه كان خلاصة كفاح هذه الطبقات ضد الشلل وفساد المستغلّين".
يشير نيرودا إلى كتابة النصّ بسرعة في أعقاب الحوادث التي يصعب تصنيفها وأدت إلى وفاة "رفيقي الكبير الرئيس الليندي". رجل اغتيل بصمت على ما يضيف، ودفن على نحو سرّي ولم يسمح سوى لأرملته بمرافقة "جثته الخالدة".
يُعدّ هذا النص من ضمن القرائن المكتوبة القليلة على الصداقة غير المرتقبة بين الرجلين وهذا ما يجعل البحث الصادر حديثا والذي أتمّه الدبلوماسي التشيلياني ابراهام كيزادا، يسدّ فراغا في دراسة نيرودا، شاعر المنفى والحبّ والشغف الكتابي خصوصا.
نعثر بين دفّتي الكتاب على خمس عشرة رسالة غير منشورة قبل اليوم في معظمها، تبادلها نيرودا والليندي بين عامي 1969 و1973 وتجتازها لحظات مفصليّة في تاريخ تشيلي، بدءا من تهنئة الشاعر للرئيس المنتخب حديثا وتصل إلى تسلّم نيرودا منصب سفير بلاده في فرنسا.
في أعقاب فوز الليندي بالإنتخابات الرئاسية يكتب له نيرودا بدءا من منزله في إيسلا نيغرا رسالة مستخدماً الحبر الأخضر على عادته وحيث يرد "عزيزي سالفادور، لم أوجه لكَ التهنئة ذلك اني كُنت كمن يوجهها لنفسه"، ولا يلبث نيرودا أن يُسدي له بعض النصائح المنوطة باحتفال تسلّم الحكم "ينبغي لنا دعوة بعض المُثقفين الأجانب. لهذا السبب سيروقني أن أتحدّث معك في هذا الشأن، وأن اقترح عليك لائحة بالأسماء. غير انه يجب ارسال الدعوات الآن أو إرسال أحدهم لإبلاغهم بالحدث. أما أنا ففي وسعي أن أوجه الدعوات من طريق البرقيات".
لا يبخل البحث بالتفاصيل المثيرة للإهتمام في شأن العلاقة الثنائية، والحال ان كيزادا المشرف على اتمامه يعاين نفسه مؤرخا لحياة نيرودا، ويضيف بأنه وصل إلى الليندي بدءا من نيرودا. ولا بدّ ان الطريق اليه تراءت متعرّجة ومرصوفة بالقصائد واليوتوبيا. أسقط نيرودا الحدود الجغرافية بين البلدان وابتعد من مسقطه بحثاً عن كونيّة لا تقرّ بالجنسيات. يرد في احدى قصائد نيرودا بعنوان "أشرح بعض المسائل": "تسألون لماذا لا يتحدّث شعره عن الحلم والأوراق والبراكين العظيمة في مسقطه؟ تعالوا لرؤية الدمّ في الشوارع، تعالوا لرؤية الدمّ في الشوارع!".
كانت إسبانيا القابعة في قلبه والملقاة في أتون الحرب الأهلية حافزه إلى تلك السطور وسواها بَيّنت قدرته التصويرية وامتلاءه التعبيري وجعلت منه شاعر القوة والبهاء المُشتعل والفطنة والتسامي وصاحب القصيدة الأكيدة.


ناب مُنجز نيرودا، عن جميع القلقين الباحثين عن مرتبة أعلى، وهؤلاء وجدوا في القصيدة سلاحاً جرى شحذه بذخيرة المستقبل الأفضل.


[email protected]


Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم