الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

النفايات: الحاجة إلى إستراتيجية وطنية

المصدر: "النهار"
جاسم عجاقة- خبير اقتصادي
النفايات: الحاجة إلى إستراتيجية وطنية
النفايات: الحاجة إلى إستراتيجية وطنية
A+ A-

على الرغم من كثرة الإقتراحات النظرية لحلّ أزمة النفايات في لبنان، لم تستطع الحكومة اللبنانية حتى الساعة إيجاد مخرج عملي لإزالة النفايات المُتكدسّة في شوارع بيروت وجبل لبنان. وإذا كان الحلّ الآني هو بترحيل النفايات المكدّسة على الطرقات، إلا أن إنتاج الطاقة من المخزون الموجود يبقى عاملاً أساسياً لحل المُشكلة في الأمدين المتوسط والبعيد.


طغى ملف النفايات على المشهد اللبناني وذلك منذ إنتهاء العمل بمطمر #الناعمة وإنتهاء مدة عقد "#سوكلين". وإذا كان هناك من عوامل تتعلق بغياب إستراتيجية وطنية لإدارة النفايات كما وغياب إدارة رشيدة في جهاز الدولة الإداري أدّت إلى ما نحن عليه اليوم، إلا أن المرحلة القادمة هي مفصلية من ناحية تحديد إطار الإستراتيجية الوطنية للنفايات خصوصاً أن لبنان ليس البلد الأول في العالم الذي يواجه مثل هذه الأزمة.
بفضل أزمة النفايات الحالية، أصبح لدى المواطن معرفة شبه كاملة بآلية تلف النفايات. لكن السؤال المطروح هو التالي: هل يكفي تطبيق آلية تلف النفايات لكي يتخلص لبنان من أزمته؟ الجواب على هذا السؤال واسع جداً ويتطلب تحديد الإستراتيجية الوطنية التي ينوي لبنان إعتمادها في تطبيق أي حل قد يعتمده. لذا يتوجب تقسيم ملف النفايات في لبنان إلى شقين: الأول يتعلق بالـ 50 ألف طن من النفايات التي خلفتها الأزمة الحالية والثاني بالمخزون الهائل (15 مليون طن) من النفايات الموجودة في لبنان كما والنفايات التي سيتم إنتاجها في المُستقبل.


إن المشكلة التي حصلت نتيجة تراكم النفايات في الشوارع منذ وقف العمل بعقد "سوكلين" هي مشكلة آنية ولا يوجد أي بُعد إستراتيجي لحلّها، بل أن أي حل مُتوفر يجب العمل به سريعاً حتى ولو كانت كلفته أعلى من المعهود. وبحسب الحلول المطروحة والمُمكنة، هناك حلاّن جدّيان يجب أخذهما بعين الإعتبار: الأول ترحيل النفايات إلى بلدان أجنبية ليُصار إلى معالجتها هناك، والثاني إعادة فتح العمل بمطمر الناعمة إلى حين بدء العمل بحلّ تقني يخدم الإستراتيجية الوطنية.



 


الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات...
إن وضع إستراتيجية وطنية لإدارة النفايات يتطلّب الأخذ بعين الإعتبار القيود الموجودة على الصعيد الجغرافي كما والجدوى الإقتصادية الناتجة عن هذه الإستراتيجية. ومن القيود المفروضة :
أولاً: مساحة لبنان الصغيرة والتي تمنع عليه طمر النفايات بالشكل الذي إعتُمد حتى اليوم. فطمر 92% من النفايات يُنتجها لبنان ستؤدي إلى المشكلة التي نحن فيها اليوم – أي إيجاد مطامر. وحتى لو وجدنا بسحر ساحر مطامر، فالمُشكلة هي حجم هذه المطامر مع إنتاج يوازي 3800 طن يومياً دون الأخذ بعين الإعتبار كل النفايات التي تصدر عن النازحين السوريين.


ثانياً: طبيعة لبنان الغنية بالمياه الجوفية والتي تمنع طمر النفايات كما يتمّ طمرها حالياً والتي تؤدي إلى حرمان الكثير من المناطق من المياه الجوفية إن عبر الآبار الإرتوازية أو عبر الأنهر والينابيع.


ثالثاً: الواقع الحالي والذي ينص على أن الإنتاج اليومي للبناني يُقارب الـ 1.18 كغ من النفايات. أضف إلى ذلك النزوح السوري والذي إذا إعتبرنا أنه يوازي اللبناني بإنتاج النفايات، يوصلنا إلى 3800 طن من النفايات الناتجة عن اللبنانيين و1500 طن من النفايات الناتجة عن النازحين السوريين. هذا الإنتاج بمعظمه غير مُفرز وقسم منه يذهب إلى المطامر الشرعية (أهمها مطمر الناعمة الذي يستوعب مليون طن سنوياً ويرقد فيه حالياً 10 مليون طن) وقسم آخر يذهب إلى مكبات غير شرعية (يبلغ عددها 670، ومنها 504 مكبّات للنفايات المنزلية و166 نفايات ردميات).


رابعاً: الكلفة المباشرة العالية للطن والتي لا تحترم المعايير العالمية، ما ينتج عنها كلفة غير مباشرة تُقدّر بمليارات الدولارات لإزالة الأثر البيئي والصحي الذي خلفته هذه النفايات. فعلى سبيل المثال، يُعتبر جبل النفايات الموجود في برج حمّود بمثابة كارثة بيئية من ناحية أن الخليج الذي يُحيط فيه لا يحتوي على أية أسماك أو نباتات وبالطبع لا يُمكن نسيان الأثر الصحي على سكان المنطقة والتي تتمثل بأمراض سرطانية (لا يوجد دراسات تُثبت حالة لبنان، لكن هناك دراسات عالمية تُثبت هذا الأمر في المطلق).
إضافة إلى هذه القيود، يجب رصد الفرص التي من المُمكن أن تنتج عن خيارات معالجة النفايات. فهذا الأمر أساسي في تحديد #الإستراتيجية الوطنية من ناحية إعتماد معالجة النفايات. وفي لبنان، يرقد حالياً ما يزيد عن 12.4 مليون طن من النفايات في مطامر شرعية (الناعمة 10 مليون طن، صيدا 1.2، بصاليم 0.7، زحلة 0.5 وطرابلس – غير معروف). أضِف إلى ذلك ما يوازي الـ 3 مليون طن في المطامر غير الشرعية، بالإضافة إلى إنتاج يومي 3800+ 1500 طن من النفايات.
وبحساب بسيط، فإن الكمية الموجود من النفايات في لبنان تبلغ 15.4 مليون طن راقدة في مطامر شرعية وغير شرعية. هذه الكمية توازي 2.57 مليون طن فيول وقادرة على إنتاج 2310 ميغاوات بالساعة من الكهرباء، إضافة إلى 4620ميغاوات بالساعة من الطاقة للتدفئة. الجدير بالذكر أن حاجة لبنان من الكهرباء هي بحدود الـ 2600 #ميغاوات. وإذا ما إعتبرنا أن نسبة فرز هذه النفايات هي بحدود 25% أي أن الكمية التي ستذهب إلى الحرق هي بحدود 75% من الـ 15.4 مليون طن من هذه النفايات، وأن معمل لتوليد الطاقة قادر على معالجة 300 ألف طن سنوياً، فهذا يعني أن لبنان بحاجة إلى 40 سنة لإزالة نفاياته الموجودة.
أما على الصعيد اليومي، فنرى أن الإنتاج البالغ 3800 + 1500 طن من النفايات يؤمن 0.8 ميغاوات بالساعة من الكهرباء و1.59 ميغاوات بالساعة من التدفئة.
هل هذا الأمر كافٍ لإنشاء معامل إنتاج كهرباء من النفايات؟ الجواب يرتبط بالنفايات المنوي معالجتها: فمعالجة كل النفايات الموجودة تتطلب الكثير من الوقت وبالتالي نعم يجب إنشاء أربعة إلى ستة معامل على أن تكون هذه المعامل مُرفقة بمعامل فرز أتوماتيكي. أما إذا كان الأمر يتعلق بإنتاج الطاقة فقط من الإنتاج اليومي، فهذا الأمر يحتاج إلى دراسة جدوى إقتصادية معمّقة لمعرفة إذا ما كان هناك من منفعة. لكن وعلى كل الأحوال، يتوجب خلق معامل فرز مهما كان الخيار الذي يتمّ إعتماده، إن معالجة هذه النفايات محلياً عبر إنتاج الطاقة أو تصديرها بعد فرزها.


المبادئ التي تواكب الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات...
إن وضع الإستراتيجية يواكبه عددٌ من المبادئ التي يعتمدها العالم وتُعتبر من المعايير الأساسية وعلى رأسها: مبدأ الإنماء المُستدام، مبدأ الملوث هو الذي يدفع، مبدأ الإدارة الهيكلية للنفايات، مبدأ التوعية للمواطن، مبدأ القرب الجغرافي، مبدأ النوعية في إدارة النفايات، مبدأ المحافظة على البيئة، مبدأ العدالة في التعاطي مع منتجي النفايات، مبدأ التناغم والتنسيق بين السلطات. والجدير بالذكر أن هذا الأخير - مبدأ التناغم والتنسيق بين السلطات – غامض في حالة لبنان فبين وزارة البيئة، وزارة الداخلية والبلديات، مجلس الإنماء والإعمار، وزارة الصحة، وزارة المالية، وزارة الأشغال العامة وأخيراً البلديات تتشابك الصلاحيات لدرجة أن هذا الأمر يخلق عدم فعالية في الإجراءات التي تُتخذ. من هذا المنطلق، يتوجب أن تُترجم هذه المبادئ في إجراءات تطبيقية كالسياسة الضريبية مثلاً لمنتج النفايات، وحملات توعية للمواطن لإلزامه الفرز وإظهار الأضرار الناتجة عن النفايات...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم