الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"طالبان" الجديدة تستعيد خطاب التشدد والسلام أول الضحايا

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
"طالبان" الجديدة تستعيد خطاب التشدد والسلام أول الضحايا
"طالبان" الجديدة تستعيد خطاب التشدد والسلام أول الضحايا
A+ A-

مات، لم يمت. ليومين طُرح التساؤل عن مصير مؤسس "طالبان" وزعيمها الأول الملا محمد عمر قبل صدور الإجابة الحاسمة. الحيرة هذه المرة تتعلق بجلال الدين حقاني، أحد قدامى زعماء المجاهدين، إذ انتشرت شائعات عن وفاته بالتزامن مع تسمية نجله سراج الدين نائباً للزعيم الجديد لـ"طالبان". وبين تلك المصادفات الغريبة واتساع دائرة معارضي الملا الخلف أختر محمد منصور، الكثير من الغموض الذي يغلف السؤال الأهم، ما مستقبل "طالبان".


بداية لم يسبق اسم منصور لقب "الملا"، فالرجل صاحب خبرة قتالية وفي الاتجار بالأفيون، ولم يُعرف عنه بكل الأحوال أنه مرجع ديني، وهو ليس كذلك، ولا كان سلفه، وإن سُمي "أميراً للمؤمنين" في ذروة حكم "طالبان". فـ"الملا" لقب لخريج الثانوية الدينية أي أنه شخص لم يكمل دراساته الإسلامية.


وفي الشريط الصوتي الأول له زعيماً لـ"طالبان"، دعا منصور السبت إلى الوحدة، محذراً من محاولة "الأعداء" شق الحركة. قد يكون محقاً كقائد جديد في تحفيز أنصاره، لكن التوقيت يوحي بأن الرسالة تقصد خصوم البيت قبل المتربصين الخارجيين. فالدعوة صدرت غداة امتناع يعقوب، كبير أنجال الملا عمر، عن الاعتراف بزعامة خلفه. وهي خطوة لحقه إليها عمه الأحد.


واسترعى الانتباه أن الابن والشقيق اختارا وكالة "الأسوشيتد برس" الأميركية قبل سواها لإعلان المعارضة. وقد نقلت الأحد عن الملا عبدالمنان، عم يعقوب، دعوته إلى "لويا جيرغا" أو مجلس كبير "يتيح للجميع اختيار قائدهم". وأضاف :"لا أقبل بتسميته (منصور) لأن قلة فقط تولت المهمة"، ومن زكوه هم جميعاً موالون له.


وإذ فاتَه أن يذكر أن الزعيم الجديد كان نائباً لسلفه لثلاث سنوات، وأن الوراثة ليست بالضرورة شرطاً للقيادة، بدليل أن أياً من أنجال أسامة بن لادن لم يخلفه، فإن تساؤلاته الأخرى مشروعة، من قبيل لماذا التكتم على الوفاة سنتين، "وهل خدعونا بإصدار تصريحات مضللة باسمه خدمة لمصالحهم"؟


الاستعانة بحقاني
وردت "طالبان" ببيان منسوب إلى جلال الدين حقاني يعترف بشرعية منصور. وبصرف النظر عن قوة شبكة المقاتلين التي يديرها سراج الدين وتسميته قائداً للعمليات العسكرية، فإن مكانة جلال الدين لا تُنكر. هو مولوي، أي أنه خريج كليات الشريعة، إذ حاز إجازة في العلوم الدينية من باكستان، وهي رتبة لم يبلغها عُمر ومنصور. وقد بدأ مقاومة الغزو السوفياتي من باكستان بشبكة من المقاتلين الأشداء، وسرعان ما تعرف على بن لادن، ورفدته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" بالمال والسلاح. لكنه لم يرتبط بـ"طالبان" قبل عام 1995، وقد كُلف حتى سقوط نظامها عام 2001 وزارة الحدود والشؤون القبلية. وبعد ذلك عاد إلى باكستان منشئاً مدارس دينية ومعسكرات تدريب لأنصاره.


لكن بيان حقاني لم يُصب الغاية المرجوة وسط تقارير متضاربة عن صحته. فمن جهة نُسب إلى مصدر كبير في شبكته أنه توفي نتيجة اعتلال صحته في كانون الأول 2014، وحدد أحد أفراد الأسرة مكان الدفن في زدران بولاية خوست بشرق البلاد. ومن جهة أخرى أكد عدد من أحفاده أنه لا يزال حياً، وإن واهناً. ويُعتقد أنه يعاني مرض الذئبة الجلدي، وربما كان مصاباً بداء باركينسون.


في كل الأحوال، فإن حقاني اعتزل العمل الميداني منذ سنوات، وخَلَفه سراج الدين الذي يدير شبكة المقاتلين حاملة اسم العائلة. وهي تضم وفق التقديرات الغربية عشرة آلاف إلى 15 ألف رجل. ربما في الرقم مبالغة، لكن هؤلاء شديدو الالتزام ويفوقون عناصر "طالبان" تدريباً وقدرة على المناورة ذهاباً وإياباً عبر الحدود بين أفغانستان وباكستان التي يُعتقد أنها توفر للشبكة كل الدعم الذي قدمته لـ"طالبان" قبل عام 2001، الأمر الذي مكنها من تنفيذ عمليات كبيرة في كابول مستهدفة مصالح حكومية وأخرى أميركية.


وتصف واشنطن الشبكة بأنها العدو الأخطر على الأرض في أفغانستان، فهي ذات أذرع عدة، وإن يكن معقلها الأول في ولايات شرق البلاد، وخصوصاً بكتيا، مسقط جلال الدين. وترصد سبعة ملايين دولار ثمناً لمعلومات تؤدي إلى قتل سراج الدين أو اعتقاله.


ما بعد عُمر
والقيادة الجديدة لـ"طالبان" تُنذر بتشدد يفوق سابقتها، إذ سيكون في أُمرة حقاني الابن عدد إضافي من المقاتلين. وسراج الدين نفسه أكثر تطرفاً من والده، وقد أقام تحالفاً وثيقاً مع جماعة "عسكر الطيبة" الباكستانية المتطرفة التي نفذت هجمات مومباي عام 2008. أضف أن نقل الشبكة إلى حضن "طالبان" سيزيد الموارد المالية للأخيرة ويوسع رقعة المناطق الخاضعة لها. واسترعى الانتباه أن هجمات الحركة انتقلت أخيراً إلى الولايات الشمالية، بعدما تركزت في المعاقل التقليدية جنوباً وشرقاً.


أما منصور فاستعاد خطاب "الجهاد"، داعياً إلى إقامة "دولة إسلامية في أفغانستان". وهو بذلك يضع مصير محادثات السلام مع الحكومة الهشة للرئيس أشرف غاني، في موت سريري. وليس تعبير "دولة إسلامية" عرضياً، إذ يهدف إلى شد عصب الحركة مع صعود نجم تنظيم "الدولة الإسلامية". والأخير بقوته وحضوره العابر للقارات، استقطب منشقين عن "طالبان" أعلنوا الولاء لـ"ولاية خراسان" التي تضم تاريخياً شمال غرب أفغانستان إلى أجزاء من تركمانستان وخراسان الإيرانية. وأوردت "النيويوركر" أن "الحركة الإسلامية في أوزبكستان" التي كانت تعتبر عمر أميرها، لم تبايع خلفه بل نقلت الولاء إلى "الخليفة" أبوبكر البغدادي.


وفي كل الأحوال، فإن "طالبان" تواجه الاختبار الوجودي الأكبر. وما التعتيم لسنتين على وفاة عُمر إلا محاولة، من أطراف في داخلها وخارجها، للإفادة قدر الإمكان من هالته كرمز مُوحد. وثمة تفسيرات لإعلان موته الأسبوع الماضي، والأرجح أنه كان ضربة من الاستخبارات الأفغانية لإعادة الحركة إلى طاولة الحوار بموقع أضعف. ويبدو أن هذا التقدير جانبه الصواب. أضف أن الأمر برمته يطرح تساؤلات جدية بشأن تدهور القدرات الاستخباراتية الأميركية في أفغانستان وانحدارها إلى درك "آخر من يعلم".
وفي المرحلة المقبلة لم يتحدد الدور الذي سيضطلع به المكتب السياسي في الدوحة الذي كانت الحركة أعلنت في 9 تموز منحه "صلاحيات كاملة". لكن من يقف وراء ذلك، وعُمر كان ميتاً حينها؟ ومن أصدر الرسالة المنسوبة إليه في عيد الفطر التي تضفي تبريراً شرعياً على محادثات السلام؟ ولماذا أزيلت تلك الرسالة الأسبوع الماضي وأُبقي على البيان المتعلق بالمكتب السياسي؟ وهل يعني ذلك تمديداً لتلك الصلاحيات؟ وليس سراً أن أعضاءه لا يثقون بالاستخبارات الباكستانية ونفوذها التاريخي في "طالبان".


يبقى أن إسلام أباد لم تقل كلمتها الأخيرة، وفي يدها الكثير من الأوراق بينما لم يعد في الجعبة الأميركية وسائل ضغط. وقد قال غاني في واشنطن في آذار إن "المسألة ليست قضية السلام مع "طالبان"، بل السلام بين باكستان وأفغانستان". وهذا لا يزال هدفاً بعيد المنال، ولو تحقق، لتغير الكثير في أفغانستان.


[email protected]
twitter: @SawssanAbouZahr

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم