الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دونالد ترامب أمير الديماغوجية الأميركية

هشام ملحم
هشام ملحم
دونالد ترامب أمير الديماغوجية الأميركية
دونالد ترامب أمير الديماغوجية الأميركية
A+ A-

عام 2004، نشر الكاتب والمؤرخ توماس فرانك كتابا بعنوان "ما هي مشكلة كنساس؟ كيف كسب المحافظون قلب أميركا؟" عرض فيه وانتقد الاسباب التي تدفع الكثير من المواطنين العاديين الى التصويت ضد مصالحهم الاقتصادية والسياسية. طبعا ظاهرة "خيانة" بعض الافراد لطبقتهم الاجتماعية معروفة وموثقة وخصوصاً في أوساط المثقفين والناشطين اليساريين والماركسيين في القرن العشرين، الذين قادوا حركات سياسية لاسقاط الطبقات التي ولدوا وترعرعوا فيها.


كل انتخابات رئاسة تجلب معها مجموعة من المرشحين الطموحين، والديماغوجيين، والنرجسيين، من غرباء الاطوار والظرفاء، والساعين الى الاضواء الاعلامية وكذلك الاثرياء الذين يتصرفون وكأنهم يستحقون المنصب الرئاسي بفضل ثرواتهم، والذين يترشحون مع اعضاء في الكونغرس وحكام ولايات حاليين وسابقين، وشخصيات اخرى من خارج السياق السياسي التقليدي لهم سجلهم السياسي المعروف. وللحزب الديموقراطي حصته من هؤلاء ومن بينهم القس آل شاربتون الذي يحفل سجله ببعض المواقف الديماغوجية والتلويح بالورقة العنصرية.
ومع ان السباق الراهن للجمهوريين يشمل حكام ولايات معروفين أمثال سكوت ووكر وريك بيري، وحكاما سابقين مثل جيب بوش، واعضاء في مجلس الشيوخ أمثال ليندزي غراهام وماركو روبيو وغيرهم، فإن رجل الاعمال والمقاول الثري دونالد ترامب منذ لحظة دخوله الى الحلبة، واعلانه عن ترشحه في 16 حزيران الماضي، نجح في زعزعة السباق والهيمنة عليه بشكل طاغ على حساب الاخرين، متسلحاً بلسانه اللاذع وشراسته وفظاظته وديماغوجيته وعنصريته، وطبعا ثرائه ونرجسيته ونجوميته. ومثله مثل المصارعين القدامى في الكولوسيوم الروماني لا يرحم خصومه ولا يؤمن بأسرهم بل بالقضاء عليهم. هناك شبه اجماع بين المحللين السياسيين على ان ترامب لن يحصل على ترشيح حزبه، ولكن نتيجة نجوميته وثرائه، وشغف كثيرين في وسائل الاعلام، وخصوصا شبكات التلفزيون به، فانه قادر على البقاء في السباق حتى لو انحسرت شعبيته، او حتى البقاء في السباق كمرشح مستقل (مثل روس بيرو في انتخابات 1992) يترك وراءه طريقا طويلا من الدمار والركام يمكن ان يؤدي الى اسقاط المرشح الجمهوري، كما فعل بيرو الذي ساهم في اسقاط جورج بوش الاب في المواجهة مع المرشح الديموقراطي بيل كلينتون في 1992. ولهذا السبب يقول بول بيغالا، وهو من الاستراتيجيين الديموقراطيين المؤيدين لحملة هيلاري كلينتون، ان "ترامب هو هبة الله للحزب الديموقراطي".


البرابرة الجدد
ولدى اعلانه عن ترشحه تحدث ترامب بغطرسته المعهودة قائلا انه سوف يكون أهم رئيس في تاريخ البلاد، وانه سوف يهزم "داعش"، وسوف يحرم ايران برنامجها النووي، وسوف يتصدى للممارسات التجارية للصين، وسوف يواجه خصوم اميركا بذكاء يتناقض مع "غباوة" الزعماء الحاليين لاميركا، لكنه لم يكبد نفسه عناء شرح برنامجه لتحقيق هذه الاهداف. الا ان ما خرج من فم ترامب في ذلك اليوم ضد المهاجرين المكسيكيين الذين يعبرون الحدود الجنوبية للبلاد من دون ترخيص، كان من أبشع ما نطق به مرشح عن حزب رئيسي أو سياسي اميركي منتخب من حيث عنصريته واهاناته ليس فقط لسكان دولة جارة وصديقة للولايات المتحدة، بل لملايين الاميركيين ذوي الأصل اللاتيني. الفم غير المكبوح نطق بالاتي : "يبعثون إلينا مهاجرين يحملون معهم مشاكل كبيرة، هم يجلبون المخدرات، ويجلبون الجرائم، ويمارسون الاغتصاب...". وتعهد ترامب بناء جدار كبير على طول الحدود لابقاء من يمكن وصفهم بـ"البرابرة الجدد" وراء الجدران السميكة للوطن الاميركي.
وعندما هاجم ترامب وبصفاقة نافرة السناتور الجمهوري جون ماكين، ونزع عنه صفة البطولة، بسبب أسره وجرحه خلال حرب فيتنام وتعرضه للتعذيب خمس سنوات، مدعيا ان ماكين ليس بطلا لانه وقع في الاسر، تحلق حوله خصومه، لان المس ببطولة ماكين ممنوع، والدفاع عنه سهل وليس مثيرا للجدل كما هو الدفاع عن المهاجرين المكسيكيين. (اللافت هو ان بعض الذين انتقدوا هجوم ترامب على ماكين، كانوا من الذين هاجموا بطلاً ديموقراطياً حمل على جسده جروحه التي مني بها خلال حرب فيتنام، وهو السناتور السابق جون كيري، حين ترشح في 2004 ضد جورج بوش الابن، حين تعرض سجله في فيتنام للتهميش والالغاء من الجمهوريين) ولكن حتى مهاجمة ماكين، لم تنجح في تقليص شعبية ترامب.
الابن الشرعي للحزب الجمهوري
أسلوب ترامب التشهيري والاستفزازي هو الاسلوب الماكارثي القديم. ترامب هو نتاج ثقافة سياسية تمتد الى عقود وتتمحور على ميل المتشددين في الحزب الجمهوري الى "شيطنة" خصومهم، واعتبار الحكومة الفيديرالية عدوا لهم. وهذا الموقف كان وليد طروحات الرئيس الراحل رونالد ريغان الذي كان يدعي دوما ان واشنطن (الحكومة الفيديرالية) هي المشكلة، وليست الحل.
جنوح الحزب الجمهوري الى المواقف الغريبة والعدائية للعلم وحتى للعقل، باتت مصدر احراج للمحافظين المعتدلين. فهناك شريحة كبيرة من الجمهوريين ترفض نظرية التغير البيئي، ونظرية النشوء (نظرية داروين) بحيث صار الحزب يعرف احيانا بانه الحزب المعادي للعلم. وليس لغرابة بعض الجمهوريين حدود. فالبرنامج الانتخابي للحزب في 2012 حفل ببعض البنود المثيرة للاستغرب والسخرية، عكست ما جاء في كتاب توماس فرانك، منها بند ضد الاجهاض، وبند ضد الهجرة، وبند ضد وهم كبير ولا أساس له، أي امكان فرض الشريعة الاسلامية في بعض المناطق، وبند يطالب بتطبيق أقوى للقوانين ضد مشاهدة الراشدين لافلام الدعارة. وليس من المبالغة القول ان هاجس تلك الشريحة المتشددة والمحافظة في الحزب الجمهوري في القضايا المتعلقة بالجنس، مشابه الى حد بعيد، لهاجس بعض الفئات الاسلامية والسلفية بالجنس في طروحاتها وادبياتها. قد لا يؤمن ترامب ببعض هذه المواقف الغريبة، لكن مواقفه المناوئة للمهاجرين، وميله الى "شيطنة" من يختلف عنهم وعنصريته السافرة تبين بشكل واضح انه ابن هذه الثقافة المتعجرفة التي تستثني الاخر، والتي تهيمن على الحزب الجمهوري منذ عقود.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم