الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نحو الحوار المسيحي- الإمامي: بنَينا جدرانا ولم نبنِ جسورا

المصدر: "النهار"
رلى راشد
نحو الحوار المسيحي- الإمامي: بنَينا جدرانا ولم نبنِ جسورا
نحو الحوار المسيحي- الإمامي: بنَينا جدرانا ولم نبنِ جسورا
A+ A-

يبدو متعذّرا في زمن إستقطاب الطوائف سياسيّاً أن يقارب بحث للدكتور لويس صليبا (الأستاذ والباحث في التصوّف والأديان المقارنة في جامعة السوربون، في باريس) وموضوعه الحوار المسيحي والشيعية الإمامية، على نحو مستقل تماماً عن الإصطفافات ومن دون اندفاع البعض ليتصوّر خلفيات تناول هذه المسألة في هذا التوقيت دون سواه. لكن الإنزلاق صوب هذه الخلاصات المستعجلة لا يفي المسألة حقها بل يفيد بأننا نفضّل البُعد على اللقاء والخلاف على الإختلاف. أما القول بأن التطرّف من الجهتين - أو من الجهات كافة- لا يترك فسحة لأي تقارب فيوازي التسليم بالموقف الحدّ والراديكالي، على حساب آخر هادىء وبحثي وعلمي.


والحال ان كتاب "نحو الحوار المسيحي- الإمامي" الصادر لدى "دار ومكتبة بيبليون" حيث ثلة من البحوث قُدّمت في مؤتمرات عدة من بينها الحواري والأكاديمي العلمي، لا ينطلق من موقع مسيحيّ يحاور المسلم أو الإمامي تحديدا، على ما يوضح صليبا، منذ لحظة التوطئة. يفصُح البحث الشديد التوثيق عن مرماه مستبقياً العالم والمُفكّر نيوتن في قوله "اننا بنينا جدرانا بكثرة ولكننا لم نبنِ جسورا كفاية".


في الباب الأول، يعرض د. صليبا لما يعاينها مأثرة لم تتكرر في التاريخ الإسلامي بل وغيّبت عنه ويعدّها أول حوار مسيحي إسلامي، أي استقبال رسول الإسلام محمد في المسجد النبوي في المدينة، أي ثاني الحرمين، وفد مسيحيي نجران والسماح لهم عندما حان وقت صلاتهم وكان يوم الفصح، أن يصلّوا في ثاني الحرمين مستقبلين الشرق، القبلة المسيحية التقليدية. يرى صليبا ان "مأثرة نبي الإسلام هذه رغم اتفاق المسلمين على صحة حدوثها ليست بسنّة متبعة عندهم. إنها سابقة من شأنها أن تنسف كل ما أفرزته عبقرية فقهاء المسلمين سنة وشيعة، من فتاوى بشأن كفر النصارى وشركهم ونجاستهم".


يستعيد صليبا رواية لزيارة وفد نجران في سيرة ابن اسحاق (85- نحو 150 هـ) والتي اعتبرها صحيحة ابن قيم الجوزية في أحكام أهل الذمة أيضا، لافتا إلى ان اللقاء وعلى رغم أهميته ودلالاته، مغيب تماماً في الأدبيّات وفي الممارسات الإسلامية المعاصرة لا بل القديمة والحديثة على السواء. يضيف ان المصادر الإسلامية، بدءا من تاريخ الطبري، ذكرت نصوص عهود للرسول مع نصارى نجران التي "كانت النموذج لاتفاقات ومعاهدات وقّعها المسلمون مع مسيحيي المناطق التي احتلتها الجيوش الإسلامية في الفتوحات الكبرى".


يجد د. صليبا أن المسألة الكبرى التي لا تزال عالقة رغم ألوف لقاءات الحوار المسيحي- الإسلامي في القرن العشرين والتي لا يزال الطرف المسيحي يطرحها قبل أي حوار، هي من الذي يحاوره. فبحسب صليبا غالبا ما تطلق نعوت كتابي ومشرك وكافر على المسيحيين (واليهود أيضا) بينما ليس ثمة وجود لصفة المشركين أو الكفار في شأن النصارى واليهود في النص القرآني الحرفي وروحه معا، وإنما جاءت النعوت من باب تأويل النص وتفسيره وفي زمن متأخر، وكأنما الصراع مع البزنطيين وغيرهم إنعكس تشددا في تفسير النص.


يذهب الباحث الى المقارنة بين الحسين والمسيح ويلفت إلى نقاط تشابه عدة بينهما مُتوقفاً عند التداخل والتفاعل في الطقوس المكرّسة لشهادة كل منهما، أي بين مراسم عاشوراء من جهة وبين طقوس الجمعة العظيمة، من جهة ثانية. يستبقي في هذا الصدد كلام المُستشرق الألماني آدم متز في ان المحاكاة والتأثّر قديمة بين التقليدين وتعود إلى العصر العباسي وهو ذكر في إحدى دراساته عن العصر المذكور "وسرى كثير ممّا كان يقال لإثارة العواطف في يوم جمعة الآلام عند المسيحيين الى يوم عاشوراء". يجزم صليبا بأن الحسين بمعاناته وشهادته ورسالته الإنسانية يمكن أن يكون أساساً متينا للقاء بين المسيحية والإسلام لاسيما الإمامي.


يتضمّن الباب الثاني الفصل الثالث "العباس، باب الحسين وأخوه" بحثا قدّم إلى مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي العاشر (كربلاء العراقية في 2014) حيث يرى د. صليبا ان العباس يذكّرنا في منزلته من أخيه وفي سبقه له بالشهادة بالنبي يحيى أو يوحنا المعمدان، سابق المسيح. نقرأ "يقول يوحنا مقارنا ذاته بالمسيح "من له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس فيقف بجانبه يصغي فرحا لهتاف العريس" (يوحنا 3/29)، يوحنا صديق وقف إلى جانب العريس، وهكذا وقف العباس في حياته وعند مماته ولا سيما في عرس الشهادة في كربلاء، إلى جانب أخيه الحسين". لا يغفل الباحث أيضا رمزيّة المياه وارتباط الرجلين بهذا العنصر الأوليّ "المعطي للحياة والمسيّر نحو الشهادة". فبينما ارتبطت بشارة المعمدان ورسالته بنهر الأردن، قضى العباس نحبَه على ضفاف العلقمي. ويذهب الباحث إلى استنباط أوجه شبه عدة أيضا بين لاكشمانا شقيق الأمير راما عند الهنود ويعتبروه التجسد الرابع لـ "فيشنو" (ثاني الثالوث الإلهي الهندي)، وبين العباس "فالأول حامل العصا الذهبية رمز مُلك أخيه، والثاني حامل لواء أخيه الحسين وكلاهما كان خادما متفانيا لأخيه يرافقه ويزود عنه في الحرب والسلم".


يتمهّل الباب الثالث والمستند إلى بحث مقدم في "المؤتمر العلمي الدولي الثاني للسيدة فاطمة الزهراء" في النجف في 2013، عند صورة فاطمة التي إرتبطت في التقليد الإسلامي، ولاسيما الإمامي منه ومنذ البداية، بمريم العذراء، ففاطمة في الوجدان الشيعي كما يكتب صليبا شبيهة مريم. يزيد "يعبّر عن ذلك الحديث الذي تعزوه المصادر الشيعية إلى المسيح، فقد أخرج الشيخ الصدوق في أماليه حديثا منسوبا لعيسى بن مريم بكى فيه الحسين وجاء فيه "هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفره الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أميّ". يذكر صليبا ان المقارنة بين العذراء والزهراء قديمة في الوجدان الإسلامي وعبّرت عنها روايات نجدها في مصادر الحديث عند أهل السنّة والشيعة معا. في حين يذهب إلى ظاهرة يسميها البدلية، أي استبدال مريم بفاطمة الواضحة في التقليد الإمامي والتي دفعت ببعض الباحثين الشيعة، لاسيما في تعاملهم مع ظهورات العذراء مريم في بلدة فاتيما أو فاطمة البرتغالية، إلى نسب الظهورات والمعجزات إلى السيدة فاطمة، في حين ليس لها في الواقع أي علاقة بها.


يستدعي صليبا في بحثه الجانب المقارن والمشتركات بين المسيحيين والمسلمين في لبنان على مستوى العادات والتقاليد، في الأعياد والمناسبات وفي تقاليد الزواج وعاداته وفي تقاليد المآتم. فيكتب ان مدافن المسلمين والمسيحيين في الماضي كانت لحودا، أي حفرا في الأرض بقدر جثة الميت تطمر في التراب وأن المسيحيين بدأوا يبنون القبور والدفن فيها بدلا من اللحود منذ أواخر القرن الثامن عشر، لتتعمّ هذه الطريقة وتنتقل إلى معظم الدروز أيضا ، علما ان هذا النوع من المدافن بدأ استخدامه في دير القمر، مقرّ الأمراء المعنيين والشهابيين. يتقاسم المسيحيون والمسلمون أيضا عدم إشراك النساء عموماً في الجنازات، وإذا كان غيابهن عند المسلمين يعود إلى ان ما من مهمة يؤدينها إضافة إلى كراهية اختلاطهن بالرجال وعجزهن عن الحمل، فسببها عند المسيحيين ان المرأة "عالم أحشاء الحياة والبقاء فلا تذهب مع الرجال الى عالم المقابر والأموات"، وفق مقال للأب يوسف مونّس عن التقاليد الشعبية في الجنازات اللبنانية، يشير إليه صليبا.


يسلّم الباحث بأن تداخل العادات ينشىء شخصية أساسية واحدة تجعل من المسيحي اللبناني أقرب إلى أخيه المسلم في الذهنية وأدب الحياة والتصرّف من المسلم غير اللبناني والعكس صحيح.


وربما تكمن ها هنا الأمثولة الأهم في النصّ الذي في متناولنا.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم