الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الأوبك سنة 2025؟

زاهي جبرائيل
A+ A-

"الأخ محمد الميساوي،
جئت بكتابي هذا لأخبركم أن مندوب شركة إكسون موبيل في المنظمة سيطلب في إجتماع المنظمة المقبل في نيويورك رفع الإنتاج في مقاطعة أفريقيا، وهذا ما سيؤدي الى تدهور سريع للأسعار - أخوكم طارق الدليم".
هي رسالة تاريخها 12/8/2025 بعث بها وزير البترول بولاية العراق الجنوبية الى وزير البترول بولاية ليبيا الغربية عن إجتماع المنظمة إدارة البترول في العالم، المنعقد في تاريخ 1/9/2025.OPAW
اليوم ونحن نقرأ هذه الرسالة قد يعتبرها الكثير أنها هلوسة، فذوبان منظمة الأوبك في منظمة عالمية مسؤوليتها إدارة كاملة للنفط والغاز في العالم، هو خيال. دعونا نستعرض سويةً الآتي:
كان الإكتشاف الأول للنفط في بنسلفانيا سنة 1859. 1870 أنشأ روكفلر شركة ستاندرد أويل فهيمنت سريعاً في الولايات المتحدة. 1901 وُقِعت الإتفاقية الإنجليزية الأولى والمتعلقة بإستخراج النفط الإيراني. وفي الحرب العالمية الأولى أضحى البترول "دم النصر". 1920 إتفاقية سان ريمو لتقاسم نفط العراق. 1928 إتفاقية "الخط الأحمر" التي قسَمت اسهم شركة نفط العراق بين شركات النفط العالمية، وفي السنة نفسها إتفاقيات "أشنكاري" بين أربعة من كبريات شركات البترول العالمية لفتح "بركة مزاملة" لتقاسم البترول حيثما وُجِد بنسب ثابتة لإنتاجٍ مفتوح. شهد 1931 إنهياراً لسعر البترول حتى 65 سنتاً للبرميل. وفي الحرب العالمية الثانية إستهلك الحلفاء سبعة مليارات برميل ستة من أميركا. 1947 فرضت فنزويلا تقاسم الأرباح مناصفةً والشركات. 1948 تملّكت شركتا ستاندرد أويل وسوكوني 40% من أسهم أرامكو وبمباركة الملك السعودي، وقدَر الأميركيون ذلك بسخاء. 1950 إتفاق السعودية وأرامكو لتقاسم العائدات مناصفةً. 1951 أمم رئيس الوزراء الإيراني الدكتور مصدِق منابع النفط وظهرت شركة البترول الوطنية الإيرانية. 1954 أُبعِد مصدِق واجتاح منابع النفط الإيراني كونسورتيوم لأهم الشركات. 1958 سقطت الملكية في العراق. وشهد 1959 إكتشاف البترول في ليبيا. 1960 شهدت في بغداد ولادة منظمة الأوبك بين السعودية فنزويلا الكويت العراق وإيران، وحالياً تضم إثنتي عشرة دولة، إضافةً الى الدول المؤسِسَة الجزائر أنغولا الإكوادور ليبيا نيجيريا قطر الإمارات المتحدة تُنتج 40% من الإنتاج العالمي، وتغطي 60% من الصادرات البترولية العالمية، وتحوي 75% من المخزون العالمي المُحقَق.
هل وُلدت الأوبك صدفةً بين أقطاب متباعدة مثل إيران والسعودية أو عراق الثورة ودول الخليج ؟ الفضل الأكبر لولادة الأوبك والتي وصفها في حينها الرئيس الفنزويلي بأنها تصنع التاريخ يعود الى التالي:
كانت الشقيقات السبع تسيطر بالمطلق على الصناعة النفطية في العالم، فهي بنت هذه الصناعة وقد حصرتها بكارتل هي من صنعته، وليس دولها، فتحوّل حكومة عالمية. استطاعت الإمبراطورية المالية للشركات إكتشاف الحقول وتطويرها وإستثمارها وبناء المنشآت الضرورية لهذه الصناعة في الإستخراج والتكرير والنقل والتخزين والتسويق. بدت هذه الشركات تصنع عالماً جديداً. هي المالكة الوحيدة لأسرار خاصة تجهلها الدول المنتجة والمستهلكة على السواء. لقد تخطت الحدود القومية للبلدان وفاقت مداخيلها مداخيل معظم البلدان العاملة فيها. إمتلكت وأدارت مدناً كاملةً في الصحراء. تمتعت باكتفاءٍ ذاتي وما كانت تطالها لا تشريعات العدالة ولا قوانين السوق. كانت سبّاقة الى تعدد الجنسيات والى تخطّي القوميات. بنفوذها الفريد سيطرت على الإمتيازات مع أمم تنازلت عن جزء من سيادتها. أصبح في الشرق الأوسط نوعان من الخرائط، خرائط تبيِن أسماء دولٍ وحدودها، ومعظمها جديد، وخرائط تبيّن المنطقة مقسّمة الى بلوكات مُعَلَمة بحروف ترمز الى أسماء الشركات. وبالنسبة الى هذه الشركات فهذه البلوكات هي الأمم الحقيقية، وبالنسبة للسياسيين العرب بدت لهم الشركات أضخم من دولهم فهي تقرر توزع النمو الإقتصادي وهي تطبع الدول الناشئة بصفاتها الذاتية. استطاعت هذه الشركات أن تحافظ كل منها على شخصيتها الخاصة، وأن تكون عملاقاً واحداً متماسكاً يبني إمبرطوريته العالمية بثقة زائدة بالنفس.غير أن طموحاتها المتفاعلة لفحتها رياح القومية العربية التي هبت من مصر بولادة الجامعة العربية ورياح الثورة من العراق ورياح السيادة من فنزويلا. إنما هذه الرياح لم تكن لتلفح هذا الكارتيل العملاق لولا غطرسته، وكان القرار الذي اتخذته شركة إكسون منفردةً سنة 1959 بتخفيض الأسعار وجَرَت شقيقاتها اليه، كان الرصاصة التي فجَّرت البركان فتلاقى الأضداد من ملكيين وثوريين، من زعماء دول منتجة لا تجمعهم وحدة جغرافية أو سياسية وشكلوا منظمة تسيطر على معظم الثروة النفطية العالمية وتتحكم بها، منظمةٍ لم يكن في المستطاع إنشاؤها لولا وجود كارتل الشركات وأخطائه.
خمسون سنة مضت والشقيقات ما زالت تعمل بهدوء مترابطة فيما بينها بخيوطٍ خفية، إنما متينة ووجوه مختلفة. كتبها القديمة ما زالت محتفظة بها في مكتبتها. تعلمت من أخطائها السابقة وتستعيد السلطة. من نادوا بالقومية والسيادة ومن أشعلوا الثورات ونادوا بحقوق الشعب إما غابوا أو حادوا عن خطهم أو فشلوا. العولمة مشروع الشركات محى كلمة قومية من قاموس السياسة العالمية وال"بلوكات " محت حدود الأمم والشعب يحرق حضارته ويكتوي بنارها والجيل الآتي يتيمُ تائه لا حضارة له ولا لغة وثقافة العولمة فتحت باب القمقم وخرج مارد الشركات المُسيطِرة ورسالتنا أعلاه دلالةٌ صغيرة عن أمورٍ أدهى. وزعماء لبنان يريدون تكبيل العملاق و"بطحِهِ" بقانون نفط كلماته موضوعة في مدارسه (للعملاق) .


زاهي جبرائيل

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم