الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ايران على مفترق طرق... جهالة وفتن أم تنمية وبناء؟

المصدر: "النهار"
خالد محمد باطرفي- كاتب سعودي
ايران على مفترق طرق... جهالة وفتن أم تنمية وبناء؟
ايران على مفترق طرق... جهالة وفتن أم تنمية وبناء؟
A+ A-

تصرّ بعض الفضائيات التي أجرت معي لقاءات حول الإتفاق النووي مع إيران على غموض الموقف السعودي تجاه الإتفاقية. ولعلَ السبب في هذا الخلط ما صدرَ من تصريحات غير رسمية حول مستقبل العلاقات السعودية-الإيرانية ومخاوف بعض المحللين السعوديين من إطلاق يد إيران في المنطقة بشكل غير مسبوق، أو على الأقل عدم إلزامها تغيير منهجها تجاه جيرانها. أما التصريحات الرسمية فقد رحبت بالإتفاق طالما أنه سيحد من طموحات إيران للحصول على أسلحة دمار شامل، وسيفرض الشفافية على أنشطتها في مجال تصنيع الطاقة النووية، ويتيح لها الحصول على تقنيات أكثر أمناً وسلامة في مفاعلاتها الذرية.


ولم يحل الأمر بالطبع من دون إبداء التحفظ على منهجية إيران وأنشطتها السياسية والإستخباراتية والعسكرية المدمرة في المنطقة العربية. والتصريحات السعودية الرسمية، وأبرزها ما صرح به وزير الخارجية، الأستاذ عادل الجبير، حذرت إيران من اللعب بالنار، ودعت المجتمع الدولي في غير مناسبة لمراقبة التصرفات غير المسؤولة للحكومة الإيرانية وأذرعها الخارجية ممثلة في الحرس الثوري وفيلق القدس والمخابرات.


وحقيقة لا أجد غموضاً أو تناقضاً بين الموقفين. فالموقف الأول هو الترحيب بالإتفاق النووي بشرط الإلتزام بتطبيقه بما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة. وقد أثبتت إيران في أكثر من موقف قدرتها على المراوغة والتحايل والتعامل بوجهين مع الآخرين. وعلى القائمين على أجهزة المراقبة وضع آلية صارمة والتثبت بدقة من إدعاءات الإيرانيين والتأكيد على إلتزامهم الحرفي بما تعهدوا بالقيام به، مع إبقاء رادع عودة العقوبات الإقتصادية قائما.


والموقف الثاني هو عدم الرضا لغياب الشروط التي تضمن توقف إيران عن سياساتها وممارساتها في المنطقة، وإشعالها الفتن الطائفية والدينية والقومية في الدول العربية، وتبنيها ودعمها اللامحدود سياسياً ومالياً وعسكرياً وإستخبارتياً للميليشيات الإنقلابية والأنظمة غير الشرعية في البلاد العربية. فالإفراج عن الأموال المجمدة، والمقدرة بمائة إلى مائة وخمسين مليار دولار في أميركا وحدها، لدولة مارقة على القانون الدولي، ومتبنية للإرهاب، ومصرّة على التوسع والتدخل في شؤون جيرانها، يشكل قلقاً مبرراً عند المتضررين. فإذا كانت عملية التوسع التدميري الممنهج مستمرة منذ عقود في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وأفغانستان وغيرها تحت الضغوط الإقتصادية والحصار السياسي، فكيف ستكون الحال إذا رفعت هذه القيود؟


بالطبع هناك أمل أن يعود الإيرانيون إلى رشدهم ويستفيدوا من هذا الإنفتاح على العالم المتحضر وهذه الأموال الهائلة التي سيحصلون عليها سواء من البنوك الغربية أو من المصالح التجارية التي ستعقب رفع العقوبات الإقتصادية في إعادة بناء بلد لا يزال في جلّه على ذات البنية التحتية التي أسستها الدولة الشاهنشاهية، ولتحقيق طموحات شعب يعيش نصفه تحت خط الفقر، ولتلبية إحتياجات جيل نادى في مظاهراته (لا غزه ولا لبنان .. روحي فدى إيران)، ولبناء الجسور الإقتصادية والتجارية والثقافية والأمنية مع جيرانها لتصبح حليفا وشريكاً إستراتيجياً بنّاء بدلاً من أن يكون عدواً ومستعدياً، ومصدراً للعلم والنور والمن والسلوى بدلاً من ان يصدر الثورات والقلاقل والفتن. وفي هذه الحالة سيجدون الأيادي ممتدة لهم والقلوب مرحبة بهم والساحة مهيئة لتحالف إسلامي يقيم الصروح ولا يهدمها، ويتواصل مع العالم بروح التسامح والتعاون والبناء.


إيران للأسف الشديد ليست على قلب رجل واحد، ومع إيماننا بأن الشعب الإيراني ملّ من الحروب والتنافس المدمر وسئم من التدخل في شؤون الآخرين، وتاقَ إلى مرحلة جديدة يعيد فيها البناء والترميم والتجديد لحضارة فارسية عظيمة، وأن قطاعاً من الدولة يشاركه هذا الأمل ويسعى لتحقيق هذا الحلم، إلا أن هناك من لا يعنيه إلا الماضي، ولا تستهديه إلا الغيبيات، ولا تستهويه إلا الطموحات الإمبريالية، ولا يقوده إلا حلم إستعادة الدولة الساسانية التي تمتد شرقاً حتى أفغانستان وقسماً من باكستان، وغرباً لتشمل العراق وجنوب تركيا، وتمتد جنوباً إلى شرق الجزيرة العربية واليمن السعيد. يستغلون الدين ويرفعون رايات التشيّع، وأئمة آل البيت منهم براء.


المشكلة أن اليد الطولى اليوم هي للولي الفقيه وأعوانه في مجلس تشخيص النظام والبرلمان والحرس الثوري والإستخبارات، وهي مؤسسات تعطّل مشاريع الرئيس "الإصلاحي" وتعرقل محاولات تنفيذ وعوده الإنتخابية، لعله يفشل فينتخبُ الشعب حكومة متشددة كحكومة أحمدي نجادي. والأمل أن تأتيَ الإنتخابات التشريعية الآتية بأنصار الحركة الإصلاحية في مجلس تشخيص النظام والبرلمان، فتقوى يد الرئيس وقدرته على إتخاذ القرارات الإستراتيجية الصائبة. والأمل، بالطبع، أن يكون حينذاك، وفريقه، عند حسن ظن شعبه وجيرانه والعالم المتحضر.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم