الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كتاب - "جنرالات صدّام": الإعدام داء ودواء بدويّان للشفاء من الهزائم

محمد أبي سمرا
كتاب - "جنرالات صدّام": الإعدام داء ودواء بدويّان للشفاء من الهزائم
كتاب - "جنرالات صدّام": الإعدام داء ودواء بدويّان للشفاء من الهزائم
A+ A-

"جنرالات صدام" عنوان كتاب جديد عن الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988)، يجمع شهادات من كبار القادة العسكريين في الجيش العراقي الصدّامي، عن تركيبة ذلك الجيش من الداخل، وعما جرى في تلك الحرب المدمّرة بين دولتَي التسلط الديكتاتوري الشمولي، البعثية الصدّاميّة والإسلامية الخمينية.


تنطوي روايات الجنرالات العراقيين عن الحرب على مقولة أساسية لابستها: ضرورة الحرب استجابة لـ"جنون عظمة" صدام حسين وآية الله خميني، لإرساء جبروت تسلّطهما الشمولي في العراق وإيران، في اعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية التي جعلها سلك رجال الدين الشيعة الخمينيين مطيّة دموية لسلطانهم، ولتصديرها الى البلدان المجاورة، وخصوصا العراق ولبنان.
صدر الكتاب بالانكليزية في العام 2011. أعدّه فريق من الباحثين الأميركيين في "مركز الابحاث العسكرية الدفاعية"، بعد تسجيلهم شهادات مطولة لخمسة جنرالات عراقيين، حاوروهم طوال عشرة أيام في تشرين الثاني 2009. نقل الكتاب الى العربية الكاتب العراقي علي عبد الأمير صالح. وصدر في العام 2015 لدى "دار الجمل" بيروت - بغداد، في نحو 400 صفحة. تتصدرها مقدمة من 50 صفحة. يليها ثبت بالتسلسل الزمني لحوادث الحرب في سياقها التاريخي. أما متن الكتاب فيتألف من شهادات الجنرالات العراقيين: الفريق الركن رعد مجيد رشيد الحمداني، اللواء الركن مزهر رشيد الطرفه العبيدي، اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس، الفريق الركن عبد محمد الكعبي، واللواء الركن علوان حسون علوان العبوسي. محاورو الجنرالات، أصحاب المشروع، هم: كيفن م. وودز، وليمس موراي، اليزابيث أ. ناثان، ليلى صبارا، وآنا م. فينيغاس.


الهزائم والتأريخ
"الجهود التي بذلها مؤرخو جيش الولايات المتحدة الاميركية وضباط الاستخبارات بعد الحرب العالمية الثانية"، هي مُلهِمة وضع هذا الكتاب. الجهود تلك، كان هدفها "حفظ التبصيرات ووجهات نظر قيادة الأركان العامة الألمانية" التي هُزمت جيوشها في الحرب العالمية الثانية. على المنوال نفسه نسج الباحثون الأميركيون لنقل وجهات النظر العسكرية العراقية في حرب العراق وإيران الإقليمية. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، عمل المؤرخون العسكريون الأميركيون على فهم ما جرى للجيوش الألمانية المنهزمة، مشاركين في ذلك مجموعة منتخبة من الجنرالات الالمان السابقين، ومستخدمين التواريخ الشخصية، وتواريخ الأصناف العسكرية، وتاريخ الحملات، الى مراجعة التسجيلات الألمانية التي تم الاستيلاء عليها. هكذا "غيّرت تلك الابحاث فهم العالم للحرب"، على ما يرد في مقدمة الكتاب الذي يهدف الى المسعى نفسه: فهم الطبيعة الشمولية لطرفي الحرب العراقية - الإيرانية المعتبرة واحدة من أشد الحروب دموية في القرن العشرين. لكن المعلومات عنها لا تزال "محدودة ومثقلة بالانحيازات"، في ظل عدم توافر المصادر الأولية الإيرانية، فيما أتاحت هزيمة العراق الصدّامي في حربَي الخليج الثانية والثالثة، "الفرصة لتطوير وجهة النظر العراقية الى مداها الأقصى في إلقاء الضوء على البؤرة المستترة غير الواضحة" لتلك الحرب.


المركّبان الصدّامي والخميني
يبيّن الكتاب، في مقدمته وفي شهاداته، أن الحرب كانت واقعة حتمية يصعب على طرفيها تفاديها. الباعث الرئيسي عليها هو الثورة الإسلامية الخمينية في إيران، وطاقاتها السلطانية المتفجرة التي أرادت سحق خصومها ومناوئيها الداخليين سحقاً دموياً، وتصدير الثورة الى شيعة العراق لإسقاط النظام البعثي الصدّامي فيه. أما الباعث الثاني الناجم عن الأول، فهو استجابة الديكتاتور صدام حسين الحتمية الى تلك الحرب، دفاعاً عن العراق ونظامه الأمني الشمولي، مستنداً الى رؤيته لنفسه، المنطوية على "جنون عظمة" ينهل من مركّب الثأر والعدائية العنيفة، والتحرك في "الاتجاه المعاكس لألف وأربعمئة سنة من التاريخ المشترك بين العرب والفرس". هكذا اندفعت، على ما يروي الجنرال مكي، "تسع فرق عسكرية نحو تسعة طرق منفصلة على الحدود العراقية - الإيرانية، من دون خرائط معلومات عن الأراضي التي كانت تتوغل فيها جيوش العراق".
ويُجمع الجنرالات الخمسة العراقيون على أن صدّاماً كان "كارثة للعراق وشعبه"، وذلك بوصفه "قائداً فرداً" يعتمل في شخصيته ونفسه نوعان متناقضان، متصارعان ومتكاملان، من "الحب": حبّه الجارف للقادة العسكريين المتحدرين من أصول "بدوية"، ولا يمتلكون من "المؤهلات سوى الشجاعة" ذات الطابع العشائري البدوي، وحبّه الآخر اللاحق الذي أُرغم عليه في خضم الحرب المدمرة والهزائم التي مني بها الجيش العراقي في السنوات الأولى من الحرب. الحب الثاني هذا، تجلى في اعتماد صدام على نوع آخر من الضباط العراقيين لجبه الهزائم الأولى وتداركها. إنهم "الضباط المهنيون المقتدرون تقنياً وتكتيكياً، ممن كانوا يفهمون متطلبات الحرب الحديثة". لكن الديكتاتور الأمني العراقي "لم يتخلَّ تماماً عن الصنف الأول من الضباط القادة، في ما يتعلق بالمناصب العسكرية الرئيسة"، الذين يتميزون بالقسوة والعنف وشدة الولاء لصدام حسين ورهطه.
على الطرف الآخر من جبهة الحرب، كان آيات الله الخمينيون يجهلون أيضاً الأمور العسكرية، معتقدين بأن "الله سيقف الى جانب المؤمنين الحقيقيين في حربهم على البعثيين الكفار". ثم إن المحيطين بآية الله خميني كانوا يعتقدون أن "شيعة العراق سوف يصطفون الى جانب شيعة بلاد فارس في أي نزاع بين البلدين". هنالك عامل إيراني ثالث دفع في اتجاه ضرورة الحرب: "ظنُّ خميني وأتباعه - كما كانت الحال في الثورة الفرنسية العام 1792" - أن الحرب الخارجية هي السبيل الأسهل الممهَّد لجبه المصاعب التي يواجهونها في تسلطهم الداخلي على إيران.


القسوة والعنف البدويان
المدهش أن القوات المسلحة العراقية لم تعلم بقرار شن الحرب على إيران، إلا قبل يومين من بدئها في 22 أيلول 1980. طوال سنوات الحرب الثماني كان العامل الحاسم في "صناعة القرارات في القيادة العليا للقوات العراقية، أن الخوف مما يمكن أن يقدِمْ عليه صدام حسين، كان أشد بأشواط من الخوف مما يمكن أن يقوم به الإيرانيون". ذلك أن صدّاماً كان يعمد، بعد هزائم جيشه في المعارك الحربية، إلى إعدام عدد من القادة العسكريين الكبار الذين غالباً ما كانوا من أصحاب الخبرات العسكرية الحديثة. فقبل أيام من الهزيمة المحتّمة في معركة ما على الجبهة، كان صدام يولّي القيادة لضابط كبير من المهنيين غير المعروفين بالولاء له، كي يتحمل هذا الضابط تبعات الهزيمة المتحتمة، فيُعدَم بدلاً من الضابط الموالي والأثير لدى صدام، الذي قاد المعركة الى الهزيمة المحتومة. من هؤلاء الضباط الموالين الأثيرين، اللواء الركن طالع الدوري، الذي "تسبب في مقتل ثلث الجيش العراقي"، ليعيّن بعد الحرب "سكرتيراً للقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية".
يروي الفريق الركن مجيد الحمداني أن صدّاماً "كان مغرماً بالعنف، وشجع على خلق البيئة المناسبة للشخصيات العنيفة كي تصعد إلى المراتب القيادية في الجيش". من هؤلاء طالع الدوري، صاحب الشخصية العنيفة، الساعي بقسوته البالغة إلى تعويض افتقاره إلى الصفات العسكرية المهنية. كان ملازماً أول، غير متعلم تقريباً، ورقّي الى رتبة مقدم، ثم عميد، لأنه كان من الرهط الصدامي الشجاع شجاعة بدوية. من هذا الرهط انبثقت "مدرسة جديدة سِمتها العنف والقسوة داخل الجيش العراقي في الحقبة التي سبقت الحرب العراقية – الايرانية". أركان هذه المدرسة الصدامية "كانوا يعدمون جنودهم كنوع من العقاب خلال المعارك". وكل من ينفّذ أوامر الإعدام كان صدام يرقّيه. لذا غلب على القادة العسكريين "التنصل من المسؤولية"، كسلوك منهجي. يشير الحمداني الى شبه بين شخصية العرّاب في عصابات المافيا، وشخصية صدام حسين الذي "قتل أعزّ أصدقائه، قبل بكائه عليهم". فهو كان بدوياً حتى لحظة موته. حكم العراق بعقلية البدوي وعواطفه، بل حوّل هذه العقلية الى مؤسسة "حديثة" أو محدثة. ويعترف الحمداني بأن العراقيين كانوا "غير محظوظين بالثورات التي أطاحت الحكم الملكي"، مشيراً الى أن "تاريخنا أو الله قصد أن يكون لنا مصير لا نستحقه". هذا فيما "رجال الدين الشيعة أسوأ" من العصابة الصدامية: فـ"عمائمهم تحجب تفكيرهم". لكن العراق، بحسبه، يستحق مصيراً أفضل.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم