الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أبو سليم: كوميديا اليوم قباحة وابتذال

المصدر: "دليل النهار"
جورج حايك
أبو سليم: كوميديا اليوم قباحة وابتذال
أبو سليم: كوميديا اليوم قباحة وابتذال
A+ A-

لا يغيب اسم الممثل الطرابلسي صلاح تيزاني، أو "أبو سليم"، عن الوجدان اللبناني، فثمة أجيال نمت وكبرت على أعماله مع أعضاء فرقته المميزين: فهمان، أسعد، أمين، درباس، سعيد، شكري وغيرهم. هم ملأوا الدنيا على شاشة "تلفزيون لبنان" أيام العز وكان دائماً عمادهم ومحركهم الأساسي "أبو سليم" الذي بلغت أعماله زهاء 2200 حلقة تلفزيونية و900 حلقة إذاعية و17 مسرحية وخمسة أفلام سينمائية. رغم ذلك، لم يجن أبو سليم وفرقته ثماراً مادية كافية في مقابل الإرث الفني الكبير الذي تركوه. بعضهم يعيش متوسط الحال وبعضهم الآخر دون الوسط، وآخرون رحلوا عن هذه الدنيا غير مكرّمين ولا مكافئين مادياً.


• أن يُعرف ممثل بإسم كاراكتيره، ماذا يعني هذا؟


- بكل أقطار العالم، يحصل أحياناً أن يُصبح الممثل معروفاً باسم الكاراكتير الذي يؤديه، أمثال لوريل وهاردي وشارلي شابلن وكشكش بك (نجيب الريحاني) وسواهم، وهذا ما حصل معي، وهو دليل نجاح.


• لماذا لم تستثمر اسمك مادياً؟


- في الحقيقة، عندما بدأنا مسيرتنا لم يكن لدينا أيّ تفكير مادي. وعندما بدأنا تصوير برنامج في التلفزيون أنا وفرقتي كنا نتقاضى جميعنا 250 ليرة لبنانية، أي بمعدل 10 ليرات لكل ممثل، لم تكن تكفي لمواصلاتنا من بيروت إلى طرابلس ولتناول وجبة طعام. لم يكن همّنا جمع المال بل إرضاء شغفنا بالتمثيل وبالكتابة الكوميدية التي كنت أتمتع بموهبة فيها منذ طفولتي.


• ألم يكن من المنطقي أن تعيش اليوم أنت وفرقتك من مردود مسلسلاتكم لو كان ثمة قانون يفرض ذلك؟


- عندما انطلق الفن في هذا البلد مع نشأة التلفزيون لم يكن أحد يقدّر أهمية الشروط المادية والقانونية. أنا لم أعمل في التلفزيون وفق عقد مبرم، انما كنت أصوّر الحلقة وأبدأ بالتفكير في الحلقة التالية. عندما ظهر الفيديو وبدأوا بتسجيل الحلقات منذ عام 1969 لم يكن أحد يعلم انه سيصبح هناك أرشيف وسيعمدون إلى الاستفادة منه مادياً على هذا النحو. تصوّر انهم يشترون ويبيعون بمئات آلاف الدولارات حلقات نفذتها أنا وفرقتي وتقاضيت في مقابل الواحدة منها 250 ليرة فقط! مات ممثلون من فرقتي ومن غير فرقتي وهم فقراء، تعبوا وقدّموا الكوميديا الشعبية وأغنوها إلا انهم لم يجنوا شيئا في مقابل تضحياتهم وجهودهم.


• ماذا فعلت لكم الدولة؟


- تقول لي الدولة! وهل تقدّم الدولة أيّ شيء للفنان؟ في الحقيقة، أنا أتلقى مساعدة من شخص لم أكن أعرفه هو السعودي الشيخ خلدون بركات، فيما لم تبادر أي شخصية لبنانية فتعرض عليّ مساعدة. أرسل اليّ مرة الرئيس نجيب ميقاتي من يسألني إن كنت في حاجة إلى شيء، وتوقفت المبادرة عند هذا الحدّ. تصوّر أن الدولة عندما منحت تعويضات للعاملين في "تلفزيون لبنان" استثنونا منها، علماً ان هذا التلفزيون قام على جهودنا وتعبنا.


• هل شكل غياب فهمان ودرباس ضربة قاتلة للفرقة، ام هي شاخت؟


- الفنان لا يشيخ، ما دام يتمتع بالموهبة، إلا أن حركته تصبح أبطأ. أنا وكل فرد من فرقتي أهل موهبة، وملوك ما يعرف بـ "كوميديا ديلارتي".


• قدّمتم مئات الساعات الكوميدية التلفزيونية والإذاعية مثل "سيارة الجمعية" و"كل يوم حكاية" و"الأبواب السبعة" و"الميليونير المزيّف"... ما العمل الأرسخ في الوجدان؟


- لكل عمل نكهته، ورغم تصويرنا آلاف الساعات التلفزيونية، الا اننا لم نكرر أنفسنا وخصّصنا لكل حلقة موضوعا. ولأن الشباب كانوا يتمتعون بالموهبة فتحوا لي المجال لنسج أفكار لا تخطر في البال. وكان المخرج غاري غارابديان- رحمه الله- بارعا في أخذ اللقطات الجميلة والمضحكة كالصياد الماهر.


• انتقدتم بأن أعمالكم لا هدف لها سوى الإضحاك، هل كان هذا الأمر يزعجك؟


- بالعكس. أنا أعتبر ان عقول الناس بسيطة ومتشابهة، لكن البعض يجنحون نحو الغرور والنرجسية، ويعتبرون ان الضحك للمجانين. ومع الزمن أدرك كثيرون ان الضحك هو سبيل للعيش بسعادة ووسيلة من وسائل العلاج النفسي، وهو أفضل هدية من الله للإنسان. أنا عشت مرحلة الضحك الجميل في الثلاثينات والأربعينات عربياً وعالمياً، فيما الكوميديا اليوم تتخبط بالقباحة والابتذال، وتسمّم العقل والبدن.


• أحبكم الصغار قبل الكبار، أليس هذا دليلا على براءة ما تقدّمون؟


عندما تتوجه الى الصغار يستمر فنّك أكثر في الوجدان، لذلك لم ينس أحد أعمالنا. أسمى وسام يمنحونه لي عندما يطلقون عليّ اسم "المهرّج" لأن الممثل عندما يصل إلى درجة المهرّج يعني انه وصل إلى درجة الكمال، لأن المهرج يُطلب منه أن يرقص ويغني ويمارس الحركات البهلوانية ويمثّل ويؤدي الحركات الرياضية، وهذه جميعها تتطلب الموهبة.


• من كان يُضحكك في الفرقة؟


- أكثر من كان يُضحكني "فهمان"، أي محمود مبسوط، وخصوصاً عندما كنت أضربه نتيجة أفعاله الإحتيالية (يضحك). وكانت تحصل أمور عفوية تضفي المرح والسعادة على أجواء التصوير.


• ما سرّ محافظتك على حيويتك؟


- يُقال إن من يقسو على شبابه تقسو عليه شيخوخته. عندما أتينا من طرابلس إلى بيروت كنا كمن يأتي من الفضاء، فانهالت علينا الدعوات وبعض الممثلين جذبتهم أجواء اللهو فغرقوا فيها، أما أنا فكنت منهمكاً في عملي، وكتابة الحلقات والتحضير لها، لذلك لم أقض شبابي كما يقضيه الجميع. أشكرالله ان صحتي جيدة، ما عدا عينيّ اللتين أحرقتهما أضواء البروجكتورات القوية، بحيث بتّ لا أرى سوى المسافات البعيدة، ولا استطيع أن اقرأ.


• لماذا لا تشارك في المسلسلات الحالية؟


- آخر ما شاركت فيه كان مسلسل "اتهام" للمخرج فيليب أسمر. أرسلوا إليّ الدور وقالوا لي ان التصوير في اليوم التالي رغم انه كان دورا مركباً وقاسياً، فأردت الاعتذار لكنهم ألحوا عليّ للقبول بالدور، وهذا ما حصل.


• كيف تمضي يومياتك؟


- أنهض صباحاً فأقصد نقابة الممثلين لأني أمين صندوق النقابة، وأعود ظهرا إلى البيت، وأنام قليلاً قبل أن أعود إلى الكتابة. وفي المساء أشاهد التلفزيون أو نحيي مع بعض اعضاء الفرقة حفلات نؤدي فيها اسكتشات.


• لو يعود بك الزمن هل كنت تختار مهنتك نفسها؟


- لست أنا من اختار هذه المهنة بل هي التي اختارتني. كنت دائماً أفرح عندما أزرع الضحكة على وجوه الناس. لو عاد بي الزمن لعملت في المهنة نفسها لكن مع تعديلات تتعلق بحقوقي المالية والفكريّة. عملنا كثيراً في اطار المبادرات الخيرية، وهي ضرورية، إلا اننا لم ننتبه لأنفسنا وشيخوختنا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم