الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نَبْش التاريخ يُشعل الشارع: مَن "هجَّر" اليهود الى إسرائيل؟

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
نَبْش التاريخ يُشعل الشارع: مَن "هجَّر" اليهود الى إسرائيل؟
نَبْش التاريخ يُشعل الشارع: مَن "هجَّر" اليهود الى إسرائيل؟
A+ A-

لسنا في نيات "العدل غروب" لنُحاسبها على مسلسل "حارة اليهود" محاسبةَ مَن يرتكبون الجرائم. ولسنا من المنقّبين في الأرشيف ودفاتر المرحلة لنتفحَّص المشهد الدقيق من قليل الدقّة. "حارة اليهود" ("سي بي سي"، "دبي") أبعد بكثير من مجرّد مسلسل رمضاني يُعرَض لمنافسة أعمال أخرى. يقدّم دراميته بتسييس متعمَّد، مُحمِّلاً الحبّ قضايا الوطن وإشكاليات المصير. يتشعّب في العلاقات العاطفية وحميمية حياة الليل، من غير أن يسمح بطغيان الجوّ الرومانسي. كأنّ العواطف فيه مكبّلة أو عاجزة، في مقابل التحرُّك "الحرّ" للرسائل السياسية في الاتجاهات كافة.


ظاهر العمل أنّه يمتّ الى الماضي، في الفترة ما بين العام 1948 حتى "ثورة يوليو" والعدوان الثلاثي، طارحاً اضطهاد يهود مصر ودفعهم الى الهجرة. تختبئ الدراما خلف إصبعها في هكذا ظرف، وتحار هل تُجمِّل الصورة أم تشوّهها. لم ينجُ "حارة اليهود" (كتابة جمال العدل، وإخراج محمد جمال العدل) من التورُّط بمأزق "الصورة". مَن هو اليهودي وما هي خصاله، والجواب حاضر: اليهودي هو (أيضاً) إنسان يضحك ويغضب، يُحِبّ ويُحَبّ، فلِمَ نجعله عرضة للرجم؟ من هنا انطلق المسلسل، أي من "الصورة" الضدّ. أخرج اليهودي من "ضرورة" أنه كائنٌ سيئ وقرّر إنصافه. جعل "صورته" أولوية وأخذ يزيل عنها الشوائب، مؤدياً دور مُعدِّل الوضعيات. عملٌ جريء لا يُستَهان به، الكامن بين سطوره أشدّ صخباً من الظاهر. مسلسل الاسقاطات السياسية المدروسة، لم يحمِ نفسه من تهمة التصويب على الواقع المصري الراهن باضطراباته وتقلّباته واتجاه بوصلته. يُظهِر "اللُحمة الوطنية" بأبهى حضورها، فلا فارق بين بُنى النسيج الاجتماعي ولا عوائق كبرى تحول دون الحبّ المتعدّد الدين، طالما أنّ المنطق قائم على التعايش وروح الوحدة.


يحتدم النقاش حول جدلياتٍ تتعلّق بما يريد المسلسل قوله وعلى أيّ موجةٍ يغرِّد. خلف المُجنَى عليه ثمة جانٍ لا يمكن الإشارة إليه من بُعد. يُبيِّن العمل تورّط تنظيم "الأخوان المسلمين" في دَفْع يهود مصر الى الهجرة والتضييق عليهم حتى حَرْق النَفَس. يضع العرب في مرافعة تاريخية مع يهود عانوا الغُبن والتعنيف وتهديد المصالح. تمتدّ الى المسلسل يدٌ عربية لم تكن في منأى عما حدث، ويصبح السؤال أين الدور العربي في الحدّ من التهجير المنهجي؟ يوضَع المتخاذِل وجهاً لوجه أمام البطل وتقع مبارزةٌ لا يُراد منها نَسْف "الصورة". لن يبقى ليهود مصر إثر الظلم والتحامُل سوى توضيب الأمتعة والاستجابة لنداء دولة إسرائيل القائمة من أجل أبنائها في "الوطن" والشتات. يحافظ المسلسل على "صورة" اليهود كضحايا، قلّت خياراتهم ولم يترك لهم الشعور بالتهديد بديلاً، ليشدّد، في مَعرِض "تصويب الصورة" على أنّ ثمة "حالات خاصة" من البديهي أن تخرِّب وتشوِّه، لكنها تمثّل الاستثناء لا القاعدة.
محقٌّ المسلسل في رفض الأحقاد تجاه مكوِّنٍ برمّته، فقط لأنّ الحُكم الجاهز هو الذي يتفوّق. لليهود كما لجميع الخَلْق مزايا ومساوئ، ونكران الفضيلة لا يعني مزيداً من العروبة وحبّ الأرض. أبعد من غرام مُكلِفٍ يجمع اليهودية ليلى (منّة شلبي) بالعقيد المصري علي (إياد نصار)، وتصميم ابتهال المسلمة (ريهام عبد الغفور) على أنّ علياً لها وحدها. يعرض المسلسل نمط عيش اليهود بسلام مع المحيط وانصهارهم مع الآخر المختلف. أصابت اتهاماتٌ شركة الانتاج "العدل غروب" منها تشويه التاريخ، مستغلةً توتّر العلاقة بين تنظيم "الأخوان" في مصر اليوم والسلطة الحاكمة، وبنت أصداء العمل وفق ما يُبهج حقبة الرئيس السيسي. لسنا نفقه شيئاً من هذا، ننقله على ذمّة الراوي، ونكتفي بما يطرح المسلسل. تحديات الحبّ فيه أقلّ جذباً لمُشاهد ينتظر رمضان من أجل رومانسية الحكاية، وتغدو مغامرات الأبطال وصخب الليالي متممات فحسب. الثقل في طَرْح المسألة على جمهورٍ يتشدّد في التمسّك بالخطوط الحُمر. قد يحمل العمل "أجندة" عنوانها خدمة النظام الحالي، وقد تنطوي خلف "الجرأة" غاياتٌ تجارية تنشد ملأ الجيب. لا أحد يعلم ما في الصدور. لا أحد حتى الجماهير العظيمة.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم