الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"صار لازم وقّف"... بعد 10 أعوام مخدّرات

المصدر: "النهار"
ماريا الهاشم
"صار لازم وقّف"... بعد 10 أعوام مخدّرات
"صار لازم وقّف"... بعد 10 أعوام مخدّرات
A+ A-

"الباش مهندس" الاسم الذي عُرف به مع تاجر المخدرات... في العشرينات من العمر أصبح هذا الشاب اللبناني مدمناً، وبعد 10 أعوام من التعاطي و4 أخرى من العلاج تُكلَّل نهايتها بعد بضعة أشهر، يستعد لتوثيق تجربته في فيلم سينمائي.


ملل... فمخدّرات
حين كان "الباش مهندس" في سنته ما قبل الأخيرة في إحدى الجامعات اللبنانية، خطرت على باله المخدرات. النفس أمّارة بها وسط الفراغ والملل النفسيين والوجوديين اللذين تحكًما به، على الرغم من الحياة الاجتماعية الحافلة التي كان يحياها. أراد أن يتعرّف إلى "الهيرويين" لمرة واحدة فقط، مع يقينه بأنه حتماً لن يتعلق بها حدّ الإدمان. قصد تاجر المخدرات الذي يعرفه لأن بعض أصدقائه يتعاطون أيضاً، وكان ما كان...
المرّة أصبحت مرّات. ثم دخل "الباش مهندس" الجيش لتأدية خدمة العلم، وهناك، على مدى عامين، "واظب" على التعاطي، لأن المخدرات كانت وسيلته الوحيدة للهروب من كرهه عمله في المؤسسة العسكرية. بعد انتهاء خدمة العلم، ظل يتعاطى "الهيرويين" وأنواعاً مختلفة من المخدرات على مدى 10 أعوام تتخللها بين الحين والآخر محاولات للتوقف، لكنها منيت بالفشل، لأن حاجة الجسد لا ترحم النفس.


كفى!
"ستأتي مرّة لن أستطيع منها النجاة. لا حجج بعد الآن تتلطّى خلفها كي تعاود التعاطي، وأنت تعلم تماماً ما سيحلّ بجسدك بعد كل جرعة، من ألم يشبه ألم علاج السرطان. وجع يتمدّد في الأحشاء... كل خلية في جسمك تصرخ ألماً، حتى "التخت بيصير يوجعني". فلماذا تعاود الكرّة مرّات ومرّات؟! أتى وقت تقول فيه لنفسك: كفى! "صار لازم توقّف بقا".
هنا توجّه "الباش مهندس" بملء إرادته إلى أحد المراكز للعلاج. وحين كان ينتظر تعبئة الأوراق، شهد حادثة غير إنسانية وطائفية في حق أحد المرضى، فعاد أدراجه، ولكن ليس قبل أن تتصل الموظفة بالطبيب وشقيقته وأمه. في المنزل بقي يتخبّط وحيداً، علّه يخلّص نفسه بنفسه، "لكنك، وحيداً، لا تستطيع شفاءً".


"سكون"
أصدقاء مشتركون قادوه إلى جمعية "سكون"، وهم يتلقون العلاج هناك. يوضح أن "سكون" هي الجمعية الوحيدة التي تشدد على العلاج النفسي قبل الجسدي. بعد تشخيص الأطباء النفسيين وأطباء الصحة حالة المدمن، يوصف له الدواء، ويبقى في منزله، مع متابعة نفسية مستمرة وإجراء فحوصات طبية. أن تتعاطى من جديد وأنت تتعالج، لا ينهي العلاج، إنما يعينك الطبيب النفسي على أن تدرك أن الرغبة في معاودة التعاطي هي قناع تكمن خلفه رغبة متخفّية تطالب باهتمام.


مشكلة بنيويّة... والدولة غير معنيّة
يتوقف "الباش مهندس" عند أحد مراكز معالجة المخدرات الذائع الصيت، حيث مقاربة العلاج تنتمي إلى الخمسينات، مع جعل المدمن يشعر دوماً بأنه فاشل وحقير، والإبقاء عليه نحو سنة ونصف داخل المركز، وإن عاد إلى التعاطي مرّة تحرَّم عليه متابعة العلاج من جديد... لذلك قلّة من الذين يتلقون علاجهم هناك يصمدون، إذ يخرجون ويتعاطون من جديد. ويعلّق: "لا تستطيع أن تقارب الإدمان من زاوية الفشل والإرادة. علمياً، بعد كمية معينة من المخدرات تصير الأمور جسدية بحتة. عن أي إرادة يتحدثون؟ هل تستطيع أن تطلب إلى مبتور اليد أن يحمل شيئاً في يده؟".
وفي مركز آخر لمعالجة الإدمان تباع المخدرات بين أروقته، بحسب ما يروي "الباش مهندس"، مضيفاً: "هناك مشكلة بنيويّة في مؤسسات علاج الإدمان في لبنان، والدولة غير معنيّة. ينصّ القانون على أن يحوّل القاضي المدمن إلى مراكز للعلاج، الدولة ملزمة أن تنشئها، ولا مراكز حتى الآن. 90 % من القضاة تحوّل إلى السجن بدل العلاج، فيدخل المدمن السجن من دون عناية صحية، فضلاً عن أنه يوضع مع مجرمين وتجار، فيخرج مدمناً وأخطر... يجب العمل على القانون للحصول على عناية صحية للمدمنين، كونهم مرضى جسديين ونفسيين".


مجرم أم مريض؟
أمام المجتمع، لا حرج لـ"الباش مهندس" في الاعتراف بتعاطيه السابق، ويقول: "المخدرات آفة اجتماعية تتنافى والأخلاق. ولكن ما هي الأخلاق في مجتمعنا؟ أن تخون زوجتك ويكون ابنك ليس ابنك... هذا أخلاقي؟ وأن تكون مدير مستشفى تسمح للناس بأن يموتوا على أبوابها لأن لا مال لهم، هذا أخلاقي؟ من يعيّرني بتعاطي المخدرات أتوّجه إليه بالقول: تعال نر من هو الذي أؤذيه أنا ومن الذي تؤذيه أنت؟ أنا ألحق الضرر بنفسي، أما أنت فحدّث ولا حرج".
ويضيف: "قد يصيب الإدمان أي إنسان، وثمة مجموعة ظروف يتراكم بعضها فوق بعض وتقودك إلى الإدمان، ومتى أصبحت مدمناً خرج الأمر عن سيطرتك. في مجتمعنا نسبة غير قليلة من المدمنين: هل هم مجرمون أم مرضى؟ المدمن مريض، وإذا لم يغيّر المجتمع نظرته إليه، فإنه يساهم في الرمي به بين أحضان التجار، أو أن يصبح تاجراً أيضاً".


وبعد؟
"لا قطع بين المرحلة السابقة والراهنة، أنا الشخص نفسه بتجربة مضافة. لا أندم، ولا ألوم نفسي، فربما كان محتّم عليّ أن أمرّ بهذه التجربة... لكنني استنفدت طاقتي في الشفاء من الإدمان، في وقت كان يمكن توظيف هذه الطاقة في مشاريع مثمرة وفي أحلام كانت كبيرة فتقلّصت... ماذا بعد؟ لا أريد سوى أن أستيقظ كل يوم وأكون على ما يرام. أحياناً كثيرة نتغافل عن الأمور الصغيرة والبسيطة، ونتجاوزها لنعنى بتلك الكبيرة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم