الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

العهد الأول

محمود الزيباوي
العهد الأول
العهد الأول
A+ A-

صدر العدد الأول من "الملحق" في شتاء 1964، وتحول سريعا إلى "جريدة أخرى للقارئ الآخر"، كما أراده أنسي الحاج في افتتاحيته. كان له عين عن لبنان، وعين على العالم بشرقه وغربه، وخاض في السنوات الثلاث الأولى من عمره معارك عديدة ساهمت في صناعة نجاحه وشهرته.


كان "الملحق" لبنانيا في الدرجة الأولى، غير أنه لم يكن البتة من دعاة "لبنان الإله" الذي جسّده سعيد عقل في الستينات. في منتصف آب 1964، كتب أنسي الحاج من باريس: "ينتاب الزائر اللبناني لأوروبا شعور بأنه لو ألغي لبنان حتى لا نقول هذه المنطقة كلها من الخريطة لما خسر العالم شيئا على الأطلاق". وأضاف: "هناك سؤال لا بد من توجيهه وهو: من أطلق الشائعة الرهيبة التي تروي باختصار أن بيروت هي باريس الشرق؟. يجب أن لا يصل بنا المزاح إلى هذا الحد. يجب أن يسكت اللبنانيون مئة سنة على الأقل على أمل أن يتهذبوا ويقتنعوا بأن الحقيقة هي رغم كل شيء أقوى وأوضح من الدجل. لا أعتقد أن في العالم من يفوقنا ثرثرة وتهريجاً، وربما كنا أوقح الناس جميعاً. إن حكاية الضفدعة التي تريد أن تقلّد الثور هزيلة أمام حكاياتنا وتبدو متواضعة خجولة ويمكن الاعتراف بشرعيتها. يجب أن نسكت مئة سنة على الأقل في أرحم الحالات".
انتهج "الملحق" هذه السياسة، منذ انطلاقه في العام 1964، وخاض معارك عديدة حمل فيها لواء الحرية والتجديد والانفتاح. ظهرت هذه الذائقة في الدليل الأسبوعي الذي حوى خمسة أبواب: "من الأسطوانات، من المعارض، من البرامج الثقافية، من التلفزيون، من الراديو"، كما ظهر في الوجوه النسائية التي تكلمت أحياناً بلسان رئيس التحرير، كما في قول السيدة ليندا نجيم: "أحب المرأة منفردة وأكره الجمعيات النسائية". تجاوز "الملحق" حدود الديبلوماسية والبروتوكول واللياقة، فقال: "مع جان بول سارتر رفضنا كلنا جائزة نوبل"، وردّد مع ميشال طراد: "السياسي كلب بدّو يعضّ ضوّ القمر". تمرّد وحمل لغة شبابية جديدة، وسمّى الأشياء باسمائها من دون مواربة. تحدّث عن "سقوط الزواج في لبنان"، وقال: "الأديان الدولة المدرسة العائلة تستعجل. لا يفوق تصلّب الكنيسة الأجهل إلاّ جهل الدولة وجموده". حاور جواد بولس يوم كان "يحتفل متألماً بعيد الاستقلال"، ونقل عنه قوله: "منذ عشرين سنة ونحن نسير إلى الوراء"، وفي نهاية ذلك العام، حاور أسد رستم، ونقل عنه قوله: "صفر! لا نعلم تاريخ لبنان".


عام شارل حلو
واصل "الملحق" هذه المسيرة بثبات في العام 1965. دعا أنسي الحاج إلى "طرد لبنان من هذا البلد"، وأضاف بمرارة: "كل شيء ضدنا. أيّ بلد هذا الذي لا يمكن أن تكتب فيه قصيدة مجد، الا اذا تصورت، وأنت تكتب، شيئاً آخر سواه؟ أيّ بلد هو بلد التجارة والعمالة؟ لا خبز فيه لغير السافل، ولا ازدهار لغير القشور؟". وكتب الياس مسوح من سوريا: "هكذا اشعر كأنما أنا مخلوع ولا أرض لي. كأنما أنا شعب كامل في المنفى. ولكن فيروز وطني هذه الأيام، فهي مملكتي وحاشيتي وأشيائي الأخيرة. وفيها الحرية كالمطر. تنزل فوق كل الناس. فوق كل الأرض. من غير حدود ودون استثناء. لكنها، مع ذلك، موجعة للقلب وفاضحة".
تحول "الملحق" إلى منبر لأكثر من سجال مفتوح. استعاد يوسف الخال مسيرته، وقال: "تعلقنا بالحزب القومي كخشبة خلاص ولكن تبيّن أنها ليست من الأرز فتركناها". وردّ هنري حاماتي عليه سريعاً في مقالة طويلة، وقال: "خشبة الخلاص ليوسف الخال ليست من الأرز ولا من الشوح"، "يوسف الخال مربوط بقانون التحول، وهذا شيء أساسي. لن ننسى أن ما يميز الأرز هو صموده، وخلوده، وبقاؤه منيعاً على نواميس التحوّل وقوانينه. دع الأرز جانباً في هذا، إنه ليس دمية للهو. سرْ أنتَ في تحولاتك، وحاوِلْ أن تكون خشبة الخلاص لشعبك، لا كما يقول معلّمك الثاني شارل مالك، بل كما فعل سواه". وجاء الرد الآخر بشكل غير مباشر في مقالة لغسان تويني حملت لواء ميشال شيحا، صاحب الفكرة اللبنانية الأبرز.
أصدر السفير عبد الله النجار في القاهرة كتابه "مذهب الدروز والتوحيد"، وافتتن "الملحق" بهذا المؤلف الذي "يكشف عن أسرار"، وقال متداركاً: "إذا تنحنح الدرزي". حاول المؤلِّف في كتابه أن يبسط مذهب التوحيد الدرزي، تاريخيًّا وعقائديًّا، وأورد فيه، للمرة الأولى، نصوصاً مختارة من "رسائل الحكمة" التوحيدية التي لم يكن الاطلاع عليها مباحًا لغير الدروز "المستلمين دينهم"، كما هو معروف إلى يومنا هذا. لهذا السبب بالتحديد، تذرع "شيخ عقل" الطائفة الدرزية آنذاك بالاعتراض على "بعض" ما جاء في كتاب النجار ممَّا اعتبره مخالفًا للمذهب، وطالب بسحب الكتاب من التداول، واستجابت سلطات الأمن اللبناني هذه الدعوة تلقائياً، فمنعت الكتاب وصادرته. وقف "الملحق" في صف الحرية والمعرفة، ونشر مقالة لـ"درزي سوري يأسف لمنع كتاب عبد الله النجار"، هو غسان عابد، واختار لهذه المقالة عنوان "المنع إساءة الى الدروز المتعطشين للمعرفة". بعدها، عاد "الملحق" ونشر حواراً مع النجار أجراه شفيق سليمان، وفيه أوضح المؤلف: "شيخ العقل محمد أبو شقرا أيّدني لما وضعتُ الكتاب ثم عاد فتخلّى عني"، "كان يقال لي: تعيشون في عزلة مفزعة لا نعرف ماذا تضمرون وتبطنون وتعتقدون"، "من حق الدروز أن يعرفوا ومن حق كتابي أن يناقش بالبرهان"، "وحدي أتحمل تبعة الكتاب".
في ذلك العام كذلك، ألقى "الملحق" الضوء على المسألة الكردية من خلال سلسلة من المقالات المثيرة. كتب لوقا زودو دراسة تعريفية طويلة رأى فيها أن الكردي "شخص آسيوي ساميّ أرمني"، وأن "اعظم كردي هو صلاح الدين أيوبي"، وأن السلطان سلجوق هو "مخترع كلمة كردستان". فجاء الرد الأول في مقالة تصحح "الأخطاء الكردية" وتعلن أن الكردي "شخص آسيوي ساميّ أرمني". تبعها ردّ ثانٍ عنوانه في صيغة سؤال: "كيف يبحث الأكراد عن وطن ووطنهم موجود؟". احتدّ السجال، وخرج الصوت العراقي من الظل: "لا يريد البارازاني الانفصال. الشعب الكردي يطلب الحكم الذاتي ليعمّر دياره المهجورة وقراه المدمّرة". فجاء الردّ على الردّ من بشير جالي: "الشيوعيون لعبوا بالأكراد والعراقيين ضد الغرب فنجحت اللعبة إلى حين ثم انكشفت".
لبنانياً، أنجز كمال صليبي بحثاً باللغة الانكليزية عنوانه "تاريخ لبنان الحديث" تناول فيه نشوء هذا الوطن وتطوّره من القرن الثامن عشر حتى العصر الحالي، وصدر الكتاب عن "دار وادنفلد ونيكولسون" البريطانية بالتعاون مع "دار بريغر" الأميركية في صيف ذلك العام. قبل صدور هذا الكتاب المرجعي، وضع المورخ مقالة عنوانها "تعريف موجز بلبنان" نُقِل إلى العربية ونُشر في مجلة "الأبحاث" الصادرة عن الجامعة الأميركية في العام 1962، واعُتبر هذا البحث مقدمة لـ"تاريخ لبنان الحديث". أعاد "الملحق" نشر هذه المقالة منوّهاً بأهميتها، واختار لها عنوانا مثيرا: "تاريخ لبنان الطائفي، قرون من التصرّف الذاتي لم يكن فيها شعب لبناني"، ورأى من خلاله أن "لبنان الشيعة والدروز والموارنة غير لبنان السنّة والطوائف الأخرى". بعد أسبوعين، عاد ونشر رداً من توقيع مفيد أبو مراد جاء عنوانه على صيغة سؤال: "لِمَ يختلف السنّة والملكيون عن الشيعة والدروز والموارنة؟".
باسم الحرية الشخصية، ناصر "الملحق" العلمانية والزواج المدني، ونشر تذكرة هوية لمواطن لبناني حملت عبارة "لا يوجد" في خانة المذهب، وحاور حسن صعب، وتبنى قوله: "التحدي شديد على المسلم في لبنان لأنه أقرب المسلمين إلى مواطن الحضارة الحديثة". في هذا السياق، تطرّق "الملحق" إلى المثلية بجرأة غريبة، وتحدّت عن "خمسة عشر مليوناً يقولون للبيت الأبيض اعترِف بشذوذنا الجنسي"، ورفع لواء "سان فرنسيسكو مدينة اللواط الفاضلة". ثقافياً، واكب "الملحق" روّاد المسرح الجديد؛ ريمون جبارة، منير أبو دبس، أنطوان ملتقى، وجلال خوري. ونشر مداخلة يطالب فيها أندره جدعون بضرورة انشاء مسرح شعبي، قبالتها دردشة مع شوشو تحت عنوان: "المسرح الشعبي الذي يدعو اليه اندره جدعون على الصفحة المقابلة يملك ممثلاً هو شوشو". أراد "الملحق" أن يكون جسراً بين جيلين، ونشر سلسلة بعنوان "كل..." موضوعها جيل ما قبل الحرب العالمية الثانية، وفيها قدّم إلى القارئ مقالات تعريفية بكل من فؤاد حبيش، يوسف غصوب، رئيف خوري، الأخطل الصغير، بولس سلامة، فؤاد الشايب، ألبر أديب، ميخائيل نعيمة، بطرس البستاني، ميشال أسمر، جوزف باسيلا، عبد الله لحود، جورج صيدح، وعبد السلام العجيلي. شعرياً، واصل "الملحق" مغامرة مجلة "شعر"، واحتفل بولادة ديوان أدونيس، "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل"، ثم احتفل بولادة ديوان أنسي الحاج، "ماضي الأيام الآتية". تشكيلياً، رافق "الملحق" تجارب بول غيراغوسيان وعارف الريس، ورصد تحول صليبا الدويهي إلى التجريدية، ونشر بيان سلوى روضة "يجب أن نكون تجريديين"، وأتبع هذا البيان بدراسة لدلال حديدي: "التجريد ثورة؟ أم شيء آخر؟"، ثم مداخلة من رفيق شرف في الموضوع نفسه.


عام فخر الدين
من العام 1965 إلى العام 1966، تواصلت المعارك واشتدّت من دون هوادة. ودّع الملحق "سنة شارل حلو"، واستقبل العام 1966 مع الشيخ عبد الله العلايلي داعياً "رجال الاسلام للخروج من القوقعة". أشعل صادق جلال العظم معركة "ابليس هذا الآدمي" وتبعه "الملحق" في هذه المعركة. استمر السجال حول "التأليف في المعتنق الدرزي" مع صدور كتاب سامي مكارم، "أضواء على مسالك التوحيد"، مسبوقاً بمقدمة طويلة من كمال جنبلاط، وقيل يومها: "عبد الله النجار كان الرائد، وسامي مكارم أوضحه". ووجّه نجيب العسراوي إلى شيخ العقل محمد أبو شقرا رسالة قال فيها: "لم أنتحل صفة ولم أُسئ إلى الطائفة الدرزية". من جهة أخرى، استمر السجال حول الهوية اللبنانية، وكتب سبع بولس حميدان من البرازيل رسالة قال فيها: "يتضمن كلام شارل مالك مفهوم كهانة رجعية للإنسان وجهلا للإسلام وحضارته وجهلا كاملا لحضارة بلاده والعالم"، كما كتب ميشال مرقص "كمال الحاج غلطان"، وفنّد أخطاءه. حيّا هنري حاماتي جرأة أنسي الحاج في الكتابة والنشر، وكتب له: "أنت محاولة لوصل جيلين، أحدهما مات هانئاً، والآخر يقيم أبداً خلف الأفق الجذاب".
تواصل السجال حول المسألة الكردية على صفحات "الملحق". قال الأكراد: "الثورة الكردية ستتمادى في الضراوة إلى أن..."، فردّ وزير الداخلية العراقي: "سنقضي عليها هذا الربيع". ردّ كردي من بغداد، فردّت عليه السفارة العراقية: "أنتم انفصاليون ولستم كسويسرا". لبنانياً، احتفى "الملحق" بتحرك الشباب في ملف عنوانه: "ثلاثون سنة الحركة الطلابية، كوكتيل سياسة وعقائد ونضال ورقص". اغتيل كامل مروة صاحب صحيفة "الحياة"، وتعهد يومها أنسي الحاج بمواصلة الكتابة ضد الإرهاب وقال: "أصبحوا أربعة اغتيلوا خلال الثماني سنوات الماضية: غندور كرم ونسيب المتني وفؤاد حداد وكامل مروة. ومضى الحزن عليهم ليحلّ محله الخوف من عواقب قتلهم: الخوف على الصحافة أن يصيبها خوف الخوف من الارهاب فتصدع لأوامره الخفية، تفزع وتسكت".
ثقافياً، فتح "الملحق" ملف الترجمة البروتستانتية للكتاب المقدس، ثم فتح ملف الترجمة اليسوعية للأناجيل. احتل "الملك يموت" واجهة المسرح اللبناني، وقيل باسم هذا الملك: "كلنا ملك يموت وكلنا يتمتع بنشوة ملك يرفض الموت". استعدّ الأخوان رحباني لتقديم "أيام فخر الدين" مع فيروز ونصري شمس الدين، ولهذه المناسبة، طلب "الملحق" من كمال صليبي أن يقدّم إلى القارئ صورة علمية عن هذا الأمير الذائع الصيت. لبّى المؤرخ الدعوة، وكتب الأصل الغامض للأمير، وأثار حفيظة الكثيرين. وكتب أنسي الحاج إثر ذلك حول "تاريخ لبنان السري"، وقال: "لم يغير الدكتور كمال صليبي تاريخ لبنان ولا طعن بأحد بل حاول أن يجلو أصل فخر الدين. وما إن حاول حتى أثار جدلاً فورياً. ماذا كان يحدث، اذن، لو جاءنا غداً مؤرخ بصيغة لتاريخ لبنان من زاوية علمية جديدة ثورية وصريحة؟ على المؤرخ المرتجى أن يتحمل مسؤوليته بشجاعة متناهية لأن كتابة تاريخ لبنان الحقيقي لا يمكن أن تكون الا ثورة. ثورة في هذا الكتاب، وثورة على كاتبه. لم يصل الدكتور صليبي في ما كتبه عن فخر الدين إلى هذا الحد. لكن مسلكه هو بالذات المسلك الثوري. فهو يعيد النظر في التاريخ لا على أساس أنه مقدس وإنما على أساس أنه مادة للبحث عن حقيقة. إن التاريخ اللبناني المكتوب لم يذكر كل شيء، وبعضه مشوّه. وبعضه مكتوب بديبلوماسية جبانة ومضللة. ولا أذكر ما يتعلمه التلاميذ في المدارس فهم لا يتعلمون شيئاً. إن تاريخ لبنان الحقيقي غارق في الظلمة ومسجون في السر".
بعد غياب ثلاث سنوات عن هياكل بعلبك، أطلت فيروز من جديد لتلعب دور "عطر الليل" في "أيام فخر الدين". شكلّت هذه المسرحية حدثاً ثقافياً اجتماعياً واكبته الصحافة بشكل لم يسبق له مثيل. حظي هذا العمل الاستعراضي الضخم باهتمام إعلامي بالغ لم يعرفه أيٌّ من الأعمال المسرحية السابقة، وأثار جدالاً سياسياً كبيراً، فاحتفى البعض به، بينما اتهمه البعض الآخر بتشويه التاريخ . أثار العرض الأوّل "نزاعاً" سياسياً محلياً لم يعرفه المسرح الرحباني من قبل، وتمّ تجاوز هذا "الإشكال" بعد "تحوير" الحوار الذي استاء منه البعض، فتحوّل فيلمون وهبي من أبو قاسم (الدرزي) الى جرجي (المسيحي)، وأثار هذا التبديل أكثر من تعليق. كتب أنسي الحاج: "في أيام فخر الدين، دخلت فيروز تاريخ لبنان دخول النور في الظلام، فشعشعته وجعلته صحوًا رائعًا. ما كان يمكن فخر الدين أن ينال تكريماً أجمل من هذا الصوت، ما كان يمكن تاريخ لبنان أن يسمع أجمل من هذا الصوت. بعد الآن سيقترن اسم فخر الدين بصوت فيروز". وأضاف: "كادت قيمة عمل فني كبير أن تضيع في حمأة الاستغلال الطائفي. عمل فني عن اللبناني الذي بنى وحدة لبنان رغم الطائفية، رافضا الطائفية، متخطيا اياها، نقابله اليوم، بعد ثلاثة قرون، بالطائفية. عيب. خجلت أن أكون صحافيا وفي لبنان صحافة تنتصر للطائفية على الفن، وتكذب باسم الطائفية على الناس، وتبصق على ضميرها وضمير الناس وكأنها تبصق على جثة".


بين الأمس واليوم
تلك كانت حال لبنان والعالم منذ نصف قرن، فماذا تغيّر اليوم؟ عربياً، كتب توفيق مفرّج في تموز 1965: "فلسطين بعد خمسين سنة؟ الإبنة: أين العرب يا أبي؟ تشتتوا لم يبق سوى مصر والعراق". تضاعف الشتات وشمل العراق، وضاعت مصر. لبنانياً، كتب أنسي الحاج في تشرين الأول من ذلك العام: "هؤلاء هم إسرائيل، افتحوا ابواب السجون ليخرج جميع المساجين وتمتلئ الزنزانات عوضاً عنهم بالزعماء الذين نظّموا سنة 1958 مذبحة لبنان الطائفية الرهيبة. حاكِموا أبطال الاغتيال والتعذيب والخيانة الذين عادوا فحكموا لبنان". دخل لبنان في سلسلة لا تنتهي من المذابح الطائفية، واستمر أبناء أبطال الاغتيال والتعذيب والخيانة في حكمه. في العام 1983، تم تحطيم تمثال الأمير فخر الدين الذي أقامته الدولة اللبنانية في بعقلين، واليوم، يبقى "تاريخ لبنان السري" أسيرا، ويبقى السؤال: من يخرج هذا التاريخ من الأسر ليحرره ويحرر مواطنيه معه؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم