الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

رمضان في لبنان... 21 طلقة! (1)

المصدر: "النهار"
زياد سامي عيتاني*
رمضان في لبنان... 21 طلقة!  (1)
رمضان في لبنان... 21 طلقة! (1)
A+ A-

لشهر رمضان المبارك وقعه الخاص عند المسلمين، حيث ينتظرون قدومه ويتهيأون ويتحضّرون له ويستقبلونه بقلوب مملوءة بالتقوى والإيمان.


وللشهر الفضيل تقاليد وعادات تراثية واجتماعية، أصبحت جزءاً من المظاهر المحبّبة والمألوفة التي ارتبطت بالمدن اللبنانية وتحديداً العاصمة بيروت.
فبيروت وطرابلس وصيدا وسائر المدن اللبنانية، تعتبر خلال رمضان من المدن الزاهية المزدانة شوارعها بحلة رمضان. فتضاء فيها المصابيح وتكتظ أسواقها بالناس، وتقام في جوامعها الاحتفالات الدينية، ويطلق مدفع الإفطار ويجول المسحّراتي في شوارعها ليلاً، ويجتمع شمل العائلات على مآدب الإفطار وتعمّ الألفة والمحبة بين الجميع.


• مدفع رمضان
وأبرز ما كان يظلّل رمضان في مدينة بيروت في القرن التاسع عشر هو مدفع رمضان الذي استحدثته الدولة العثمانية، وكان الهدف من إطلاقه إعلام الناس أنه ثبت بالوجه الشرعي حلول شهر رمضان المبارك، فمساء يوم 29 شعبان أو مساء الثلاثين منه كان يطلق من فوهة المدفع 21 طلقة تبشيراً برؤية الهلال.


وكان المدفع طيلة شهر رمضان المبارك يُطلق طلقة واحدة وقت يحين موعد صلاة المغرب فور شروع المؤذن في رفع آذان المغرب من على مآذن المساجد قبل أن تزود بمكبرات للصوت كما هو الشائع في عصرنا الحاضر، وذلك إعلاناً بحلول وقت الإفطار. كذلك كانت تطلق من فوهة المدفع طلقة واحدة حينما يحين موعد الإمساك قبيل مطلع الفجر حتى تمتنع الناس عن تناول أي طعام أو شراب.
وعند انفجار القذيفة بعد إطلاقها كانت تحدث دوياً قوياً ترتجّ له بيروت المدينة صغيرة المساحة الجغرافية آنذاك، وكان يُسمع صداها في مختلف أنحاء شوارعها ومناطقها.


وكان موقع المدفع أيام الدولة العثمانية في الثكنة العسكرية الواقعة على الرابية المطلة على بيروت، عندما يعرف اليوم بمجلس الإنماء والإعمار. وكان يشرف على إطلاق المدفع ميقاتي من الأوقاف آنذاك، فيسحب من جيب سترته ساعة معلقة "بكستك" ذهبي، تبين إشارة إطلاق المدفع، فيحدث دوياً ترتج له المدينة الصغيرة.


ومدفع رمضان كان له دولابان كدواليب العربات، وقذيفته حشوة قماش كتان محشوة باروداً. وكان هذا النوع من المدافع تجرّه البغال من مركزه في ثكنة مار الياس (ثكنة الحلو الآن) ودام هذا الأسلوب حتى عام 1923.


****
ولكن بعد عام 1935، أي بعد 17 سنة على دخول جيوش الحلفاء وانقضاء الدولة العثمانية، اتسعت مدينة بيروت جنوباً وغرباً وظهرت أحياء جديدة بعد أن بدأ البناء والعمران يمتد إلى المناطق المتاخمة لها، فقرّرت المفوضية العليا الفرنسية التي كانت تشرف على هيئة شؤون الإفتاء والأوقاف الإسلامية نقل موقع مدفع رمضان إلى منطقة تراعي المتغيرات الجديدة لمدينة بيروت.
إلا أنه طيلة فترة الحرب التي عصفت بلبنان زهاء الـ 17 سنة توقف إطلاق مدفع رمضان، لأنه كان يتعذّر التمييز بينه وبين المدافع التي كانت تستخدم للأغراض العسكرية. وبعد توقف الحرب، وبمبادرة من سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني الذي أجرى اتصالات ومراجعات مع الجهات المعنية، أعيد إطلاق مدفع رمضان باعتباره تقليداً إسلامياً تعود جذوره إلى القرن الثامن عشر.


****
أما في عصرنا الحالي وبالرغم من كثافة شيوع وانتشار وسائل الإعلام المتاحة القادرة على نقل أية معلومة للرأي العام في لحظتها وبسرعة قياسية، فإن أبناء بيروت وأهلها ما زالوا عند موعدي الغروب والإمساك يستمعون بشغف إلى دوي مدفع رمضان، لأنه يعيدهم بالذاكرة إلى الأجواء الرمضانية القديمة بكل تقاليدها وعاداتها المحبّبة على كل القلوب والنفوس التي أصبحت في معظمها مجرد محطات في شريط الذاكرة.


غداً... نستكمل عرض أبرز ملامح الشهر الرمضاني في لبنان، أتتساءلون أين المسحّراتي؟ وما هي أشهر الأطباق؟ إذاً... إلى الغد!



* إعلامي وباحث في التراث الشعبي


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم