الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فعلٌ نووي وكعكٌ أصفر بطعم الدم

أحمد ضياء
A+ A-

بين المسافة والخوف شعيرات أنتجتها أزمة اللحظة التي مررنا بها اثر سفرنا الى مفاعل تموز. هناك الكثير من الأمور يجهلها الناس عن الغبار الذرّي، في منطقة مفاعل تموز العراقي، الأمر الذي حدا بمشروعنا المطرود هذه المرة الى عدم الخلاص النهائي. ليس من باب المداعبة أن تغامر مع رجل السلطة. وليس من باب المراهقة أن تُطرَد من مكان، ثمّ تحاول ولوجه بشتى الطرق. هذه هي رحلتنا الجديدة.
ذهبنا الى مفاعل تموز، لأسباب كثيرة يعرفها البعض. ارتأيتُ والآخرين معي أن نلقي نصوصنا على مقربة من سياج المفاعل، بعدما أغرنا على قرية التويثة التي لا يزال أهلها الى الآن يتعاطون حقناً ضد السرطان. القرية ملأى بمرضى اللوكيميا. تغامر بنفسكَ لمجرد الدخول إليها، وتعرّضها الى الكثير من المساءلات.
رعشة الخوف لم تبارح الجميع. انها رعشة كونية. فالجميع من دون استثناء كان قلقاً على المشروع من جهة، وقلقاً أيضاً على التجربة كلها اذا سقطت في أيدي اناس لا يعرفون الخلق. أخبرنا العديد من الأصدقاء بضرورة إذاعة الخبر عبر الـ"فايسبوك" اذا تعرضنا للاعتقال. كانت الشكوك عظيمة في احتمال عدم رجوعنا إلى الديار، موقنين أن التجربة ستعرضنا الى مشكلات قد لا تحمد عقباها. لكننا فضلنا إجراء التجربة على مسؤوليتنا. مفاعل تموز، يُدعى مفاعل اوزيراك، وكانت دمّرته إسرائيل في العام 1981 وخلّف قريةً مبادةً بالكامل وغابة نخيل لا تعرف رؤوسها من جذوعها. لكن هذا المكان الموحش لم يحمل الناس على الانكفاء، بل ظلوا يمارسون حياتهم الطبيعية بمهنية عالية متعاملين مع الموقف كأنه لم يحدث.
عودة الى الخوف. تجاوزنا العديد من السيطرات، وكانت لنا محاولات بائسة للدخول الى المكان، ثمّ قررنا القراءات الشعرية في السيارة التي ذهبنا بها الى تلك المنطقة بأمر رسمي مسبقاً. باشرتُ قراءة نصّي المعنون "أفريز للأجسادِ المتقطعة": شريطُ الفيديو يسدلُ كآبتي/ جثةً، عبر شاحناتٍ/ تشدُ ذخيرة الامتعاض/ أحرثُ عيني بمياهٍ تدخنُ/ أشلاء الرصاص/ أسحبُ نعاسي وأتأمل/ اوداجاً تعربدُ مخاضاتها./ اغرفُ بفصّيَّ دماء القتلى، ارفعُ قبّعاتهم المدبوغة بالقناص/ هكذا اخبرني الجنديُ وهو يخلع جزمته المتمرغة بالأنين.
ألقيتُ هذا النص داخل السيارة. كذا فعل الشعراء الآخرون بنصوصهم. كانت الكلمات تخرج حمماً من فمي. التوغل في هذه المنطقة عرّض حياة ثمانية من الشعراء الى أخطار جسيمة، لكن المشروع كان يستحق بفرادته هذه الانزياحات. الكاميرا تتوجس من أفعالنا، هي التي، كما في كل مرة، ترافقنا في مشاريعنا، وتنتهك المتعاليات التي ترفض انتاجنا. حذرٌ من مصادرة الكاميرا، أو من كسرها، الامر الذي جعل الجميع يتعامل معها بتصرفات تدل على الخوف الكبير.
شارك في الفعل النووي حول "الكعك الأصفر"، وهو ترميز لمادة الأورانيوم: أحمد ضياء، كاظم خنجر، مازن المعموري، علي تاج الدين، علي ذرب، وسام علي، أحمد جبور، ومحمد كريم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم