الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

حق الطفل بتربية آمنة

المصدر: "النهار"
ايلي نصار- أخصائي و معالج نفسي
حق الطفل بتربية آمنة
حق الطفل بتربية آمنة
A+ A-

يشغل الموضوع التربوي بال مختلف الفئات الاجتماعية، ويتساءل الاهل والمربون عن اسباب العلامات الشخصية للاطفال، والاختلافات السلوكية والادراكية، التي تتفاوت بين التوازن النفسي والسلوكي والاجتماعي، والانحرافات والعوارض النفسية المتعددة.


يرغب الاهل ببناء مثالي لطاقات ابنائهم على مختلف الاصعدة، فغالبا" ما يدأبون على تحقيق احلام ذاتية قد تكون نابعة من حوافز داخلية متقلبة مع تقلب التجارب الحياتية والتربوية على مرور السنين، فتضارب الاهتمامات الذاتية والقدرات الواقعية ودوافع الابناء قد يشكل مزيجا"، بحال لم يدرك الاهل كيفية موازنته، قد يشكل عائقا" حقيقيا" امام تطور الطفل الحياتي والنفسي.


تبدأ المشاكل التربوية بالظهور منذ اولى سنين الطفل، وتظهر عوارض متعددة يتفاجأ الاهل بها في بعض الاحيان، ويهملونها في أحيان أخرى، لاعتبارها علامات غير مهمة نظرا لحداثة العمر. الا ان هذه العلامات غالبا" ما تكول دلالات اولية لحالة داخلية، قد تتطور مع استمرار النهج التربوي المعتمد، لتشكل مع الوقت حالة نفسية سلوكية قد تبلغ ذروتها عند المراهقة.


كيف نتعامل مع ابنائنا؟ سؤال يطرح في شكل دائم على المتخصصين. فهل هناك طريقة تربوية موحدة يمكن ان تكون الحل للمشاكل وتبعد اولادنا عن الاضطرابات؟
مما لا شك فيه ان الفروقات الفردية والعائلية والمجتمعية هي امر محتوم بديهي بالنسبة لعلم النفس، الا ان امكانية تقديم طريقة مبدئية تربوية ليس امرا" نظريا" او بعيدا" عن التطبيق. فالاساليب التربوية تتفاوت بين الصارمة والمتساهلة وما بينهما. ان الاسلوب الديموقراطي في التربية يبقى هو الأسلم، حيث يفسح المجال لمساحة واسعة من التفاهم والحرية والثقة والامان النفسي، مما يجعل من الطفل قادراً على التعبير بثقة عن نفسه، مطمئناً لقدراته ولتجاوب أهله الايجابي البعيد عن القمع والخوف.


هذه التربية التي تبنى على التواصل الفعال والدعم العائلي للفرد، مع الحفاظ على التوجيه الحياتي للاهل في قالب مرن ومحاور، تجعل من الطفل قادرا" على تطوير قدراته الادراكية والاجتماعية بشكل متواصل و متوازن. فالامان النفسي والدعم العاطفي والمعنوي، يجعلان من الطفل مؤهلا" بطريقة سليمة للانخراط الاجتماعي والتواصل الحياتي، قادرا" الى حد كبير، على مواجهة التحديات الحياتية بشكل انضج، ومقاربة الأمور بطريقة مدركة وايجابية.
من هنا، تكمن أهمية الابتعاد عن الأساليب التربوية الأخرى، كالاسلوب الصارم الذي يعتمد على القساوة والعنف في تحقيق الاهداف العائلية.
اما العنف فليس فقط العنف الجسدي اي الضرب كما يعتقد البعض، فالأشكال الأخرى من العنف اي المعنوي والعاطفي والجنسي قد تكون اكثر تأثيرا" في بعض الأحيان.
ان العنف اللفظي المعنوي الذي يمارس في بعض بيوتنا عن ادراك او عن غير ادراك، كالتبخيس والاهانة والقمع والتحقير وغيرها من الاساليب القامعة، يؤثر بشكل مباشرة على نظرة الطفل لنفسه وقدراته، فتتكون النظرة السلبية التي غالبا" ما تكون اساساً او مسبباً اساسياً لمزيد من المشاكل والعلامات النفسية في المستقبل القريب والبعيد او حتى في الحاضر.
ان الابتعاد عن قمع الاراء والتعنيف وانزال التعليمات بعيداً عن النقاش الهادىء والداعم، يجعلان من الطفل شخصا" متوترا" ذي مشاكل في الانخراط مع نظرة متدنية للذات في اغلب الاحيان.
ويبقى السؤال: هل التربية المتساهلة او المهملة أقل سلبية من المعنفة؟ وما الفرق بينها وبين التربية الديموقراطية القائمة على التواصل الايجابي؟


مما لا شك فيه ان الطفل يبقى دائماً في حاجة بشكل كبير الى حب الأهل واحترامهم وتوجيهم ودعمهم في مختلف مراحل نموه، فالثقة الذاتية تنبع من دعم الأهل والأقارب، وتشجيعهم المتواصل للاطفال، والمساهمة في توفير الظروف الملائمة لتحقيق الطموح واختبار التجارب الحياتية، كما تقبل الاخفاقات بشكل موضوعي وايجابي والعمل على تخطيها. اذاً التربية المهملة هي وجه آخر للتربية العنيفة حيث تحرم الطفل من مختلف أشكال الدعم الأساسي لنموه.
من هنا تطرح اسئلة كثيرة، فأين يمكننا ان نبدأ بالتواصل الديموقراطي مع اطفالنا وكيف يمكننا ان نغيّر تربية قد اعتدنا عليها في المنزل، ومتى؟
طبعاً كلما بدأنا باكراً في التواصل الايجابي مع الطفل، كلما كانت المهمة أسهل تدريجياً، انما هذا لا يعني ألا نبدأ لاحقاً. ففي أي لحظة يمكننا المبادرة في تطوير علاقة ايجابية مع أطفالنا بشكل تدريجي ثابت وغير متأرجح، من هنا تبدأ عملية إعادة بناء الثقة والأمان النفسي، العنصران الأساسيان للتوازن الاحياتي الاجتماعي.
واخيراً لا بد ان نشير الى ان مجمل المشاكل السلوكية عند الأطفال والتي تظهر بشكل كبير من الصعب التعامل معه في سن المراهقة، والذي قد يصل الى سلوكيات منحرفة اجتماعياً، من المخدرات الى العنف والتعديات او مشاكل عائلية يومية يفقد الأهل السيطرة عليها في بعض الأحيان، الا انها ليس وليدة الساعة وانما ناتجة عن تراكمات تربوية وحياتية من سنوات الماضي ممزوجة بظروف الحاضر وضغوطاته.
استشارة الاخصائي النفسي قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، خاصة عند الشعور ان الامور لم تعد قادرة على التحسن، من دون تدخل متخصص، يعمل مع الطفل وأهله بشكل متساوٍ، مما قد يحسن من قدرة الجميع على تحسين التواصل، وبالتالي احراز تقدم على المستويات التربوي والدراسي والعائلي والاجتماعي.


*ايلي نصار- أخصائي و معالج نفسي


خبير في شؤون حماية الطفل والمراهق والدعم النفسي الاجتماعي


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم