الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مؤتمرٌ تأسيسيٌ... للحرب

المصدر: "النهار"
بقلم زياد بارود
مؤتمرٌ تأسيسيٌ... للحرب
مؤتمرٌ تأسيسيٌ... للحرب
A+ A-

كلّما اشتدّت الأزمة، كلّما تعاظمت شهية البعض للانقضاض على ما تبقّى من هيكل الدولة المهترئ. لا تهدف هذه السطور إلى الدفاع عن نظام سياسي باء بالفشل، إنما الاعتراض على التوقيت وعلى متولّي هذه المهمة الملتبسة في الظرف الراهن. لا يختلفُ اثنان على أن نظامنا الدستوري- السياسي أثبت عجزه عن إدارة التنوّع ضمن الوحدة. أثبت قصوره عن تأمين الاستقرار السياسي، فإذا بالمعدّل الوسطي لهذا الاستقرار لا يتعدّى السنوات الأربع في أفضل حال. واضحٌ جداً أن نظامنا أصبح، في السنوات الأخيرة، غير قادرٍ على تأمين الحدّ الأدنى. هجّر الشباب وأحبط الأقل شباباً. هذا كلّه صحيح. وليس ثمة عاقل يمكن أن يرفع راية الدفاع عمّا آلت إليه أمور الصيغة. أما الميثاق، فقد أنهكته قوانينُ الانتخاب المتعاقبة والكيدُ والإقصاء وسائرُ أشكال اهتزاز الشراكة، هنا تحت وصاية وهناك تحت نكاية. ربما أخطأ ميشال شيحا يوم عظّم من شأن الصيغة ورفع من شأن فرادة النظام. ربما كان طموحُه ومُناه أكبر من طبخة البحص التي يوقد لها وينفخ فيها طبّاخو الـ Realpolitik...


عودٌ إلى المؤتمر التأسيسي الجاري التمهيد له أو التهديد بشأنه أو الحلم به. عودٌ إلى "داكتيلو" ما، يريد الدفع بالمؤتمر على قارعة طريقٍ ما، إلى جمهورية ثالثة أو رابعة... لا شك أن هذه الجمهورية هي المُنى وتطوير النظام هو السبيل إليها، وإنما ثمة سؤال أوّلي بمثابة مسألة إعتراضية يُطرح بقوة، وهو في شقين:


الأول زمني، ويتعلّق بالتوقيت: ففي زمنٍ لبناني غُيّب عنه رئيسٌ على الجمهورية، وانكفأ فيه مجلسٌ نيابي حتى بلغ الأمر برئيسه حدّ طلب حلّه (بعد تمديدٍ "واجب"؟)، وفي زمن مجلسٍ وزاري برتبة رئيسٍ بالوكالة، يعاني بين آليةٍ لأعماله وبين تصريفها، وفي زمن الحدود الملتهبة والداخل المأزوم نزوحا واقتصاداً وأمناً... في كل هذه الأزمنة في الزمن اللبناني الواحد، يأتيك الكلام عن مؤتمر تأسيسي! في الزمن المأزوم جداً، مؤتمرٌ إشكاليٌ جداً! في زمن الحدّ الدنى، توجّه الحدّ الأقصى!


أما الاعتبار الثاني، فيتعلّق بطلائع أفواج المؤتمِرين (وكلاء التفليسة إذا شئتم): ففي شكلٍ عام، تأتي المؤتمرات التأسيسية في العالم على حصانٍ من اثنين: إما بانقلابٍ يصبح فيه الغالب المنتصر مجلسَ ثورة يؤدّي أمام ذاته اليمين وينصرف من ثمّ إلى "مؤتمر تأسيسي" غالبا ما يؤسّس لمرحلة حكمه فيحصّنها، وإمّا يأتي بتدبيرٍ ديمقراطي يسلك مسار التعديل الدستوري السليم. وإذا كان حصان الانقلاب مستبعداً في وطن تحالف أهل السلطة، فإن تعديل "الكتاب" يوجب حدّا أدنى من صحة التمثيل لدى متولّي هذا التعديل. وهذا يفترض قانون انتخاب ينتج طبقة سياسية لا تشكيك جدّيا بقوتها التمثيلية. عندها، تذهب أفواج المؤتمِرين إلى مؤتمر تطوير النظام متسلّحة بشارعٍ يدعم خياراتها. وليكن، عندها، تعديل في الصيغة والنظام، طالما أن هذا التعديل يعبّر عن حالةٍ شعبية جامعة.


وفي ما سوى ذلك، فإن الكلام عن مؤتمر تأسيسي اليوم، في غرابةِ التوقيت وفيما المؤتمِرون ممدّد لهم، إنما يفتح الباب على مصراعيه أمام رياحِ عاصفةٍ هوجاء قد تطيح بالحدّ الأدنى من الشراكة المأزومة أصلاً والعرجاء فصلاً. وبدل تحصين البيت ريثما تعبر العاصفة، يحاول بعض أهل البيت وبعضٌ من خارجه أن يفتح الباب أمام مؤتمرٍ سيكون، فيما لو أتيح له أن يولد في هذا الزمن الرديء، سيكون مؤتمراً تأسيسياً، نعم، وإنما لحربٍ، يخسر فيها لبنان الرسالة والميثاق ويربح فيها من قد يحكم لاحقاً، إنما على أطلالِ الجمهورية ورمادِ الشراكة و...لا فنيق...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم