الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رشّة ملح - حروب الغيب

جواد الساعدي
A+ A-

قرونٌ طويلةٌ مضت قضتها كبريات الديانات السموية في التنازع حول طبيعة الله. ما هو جوهرهُ، شكلهُ، صفاتهُ، ذاتهُ، أقانيمهُ، مكانهُ، زمانهُ، قدرتهُ، أسماؤهُ، وحدانيتهُ، مشيئته، وغير ذلك من عناوين الإحتراب الفلسفي التي تحولت بسرعة إلى حروبٍ امتزجت بحروب الدول والأمبراطوريات، وصارت غطاءً لجشع المُلك ولباساً لعصبياتٍ شتى أخذت الدين وحرفته عن مهمته المفترضة في تشذيب نوازع الشر وردعها عند الإنسان وإبراز نوازع الخير فيه ليعبّدَ طريقه إلى الله فيَصل إليه بقلبٍ سليم وقد سلِم الآخرون من يده ولسانه وسيفه ومدفعه وطائراته وقنابله النووية ومفخخاته وأسلحته الهمجية.
قرونٌ طويلةٌ مضت لم تُلجَم فيها الحروب البشرية، ولم تُحقَن فيها الدماء، ولم نصل فيها إلى سلامٍ جامع على رغم الكنيسة الجامعة والمسجد الجامع والمصحف الجامع والصلاة الجامعة. قرون طويلةٌ مضت لم تستطع فيها الأديان لجمَ مفجري الحروب ومرضى الجشع وحب السلطان، لا بل صار هؤلاء لا يذهبون إلى الميدان إلا برفقة رجال الدين أو بمباركتهم المسبقة. كلٌّ يدعي الدفاع عن صورة الله كما يراها. كلٌّ يدافع عن شريعة الله كما يعتقد بها. الدفاع هنا يعني قتل الآخر من عباد الله وخلقه الذين نفخ فيهم من روحه وصوَّرهم في أحسن تقويم. الدفاع كان ولا يزال يعني كل ما ترونه اليوم على شاشاتكم من قطع رؤوسٍ وسبيٍ وإمتهان لكرامة الإنسان واستخفافٍ بحريته وحقه في الحياة، الحق الذي قرره الله عندما جعل هذا الإنسان نُطفةً ثم عَلَقة ثم مضغةً حتى صار خلقاً لأحسن الخالقين. ليس اللوم هنا على جوهر الأديان وغاياتها النبيلة، ولكن على أتباع الأديان وقادتهم من بني آدم. فقليلاً من الخجل يا أبناء آدم، قليلاً من الخجل يا أبناء الأب الواحد والأم الواحدة، قليلاً من الخجل يا خلقَ أحسنِ الخالقين.
* * *


الرافضة واليهود وروما
في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها بعد انطلاق "عاصفة الحزم" أعلن خطيب الحرم المكي الشيخ عبد الرحمن السديس أن "حربنا وإيران هي حرب سنّة وشيعة (...) وهي طائفية بجدارة، وإن لم تكن طائفية، جعلناها طائفية وسعينا جهدنا أن تكون طائفية". دعا الشيخ مستمعيه إلى إعلان ذلك "عبر التواصل"، أي مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً "أن الخلاف مع الرافضة (...) وانتحارنا في سبيل قتالهم (...) لن يزول حتى تزول شأفتنا أو تزول شأفتهم"، وذلك بعدما عرّج على "اليهود والصليب، وأعداء الملة" الذين "والله لهم أيام، واللــــــ....ــــــــهِ لهم أيام. رضُوا أم أَبَوا، لَتأتِينَّ أزمنةٌ وأوقاتٌ على الأمّة تدوكُ روما بأحذيتها" مشيراً إلى إن الأمر "أولويات".
هكذا إذاً، كلُّ شيءٍ على ما يُرام، أيها السادة الكرام. "الجماعة" مصرّون على النحر والانتحار، ولكم أن تذهبوا مساءً إلى نومكم مطمئنين على غدكم وغد أطفالكم، لكن قبل ذلك بامكانكم الاستماع إلى شــ(ء)ـــفة الخطبة على الـ"يوتيوب"، قبل أن تزول.
* * *


ماذا سيفعلون؟
مواطن أوروبي قلِق حمل إلى أحد تجّار السلاح من مواطنيه خطبة الشيخ السديس بحثاً عن توضيحات. علّق التاجر، الذي هو سياسي أيضاً، قائلاً: "إنها ليست سياسة رسمية"، فردّ المواطن: "ولكنها عقيدة وثقافة شعبية برعاية رسمية". تنهد التاجر ثم قال: "إذا أرادوا الوصول إلى روما، فعليهم، وفقاً لأولوياتهم، أن يمرّوا بطهران أولاً ثمّ بتل أبيب وربما بموسكو، لكنني أتذكر يوماً أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً قال لمواطنيه: "إذا وصلت الجيوش العربية إلى تل أبيب، فإن العرب سوف لن يجدوا الوقت الكافي للإحتفال بالنصر في شوارع دمشق وبغداد والقاهرة"، فماذا تعتقد نحن فاعلون إذا حاولوا الوصول إلى روما، أو حتى إلى تل أبيب؟ هذا إذا تركناهم يخرجون من طهران!".
يُدرك المواطن الأوروبي أن الأمر في الوقت الحاضر لا يتعلق بالجيوش النظامية، بل بالإرهاب. لذلك ظل يسأل أمامي ويكرّر: "ماذا سيفعلون؟" حتى صرتُ أردد مثله: "بالفعل، ماذا سيفعلون؟".
لعلنا نجد الإجابة عند الشيخ وسّع الله من علمه وأغدق عليه المزيد من الحكمة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم