الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الحزب الشيوعي في عيد العمّال: من ينقذه؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
الحزب الشيوعي في عيد العمّال: من ينقذه؟
الحزب الشيوعي في عيد العمّال: من ينقذه؟
A+ A-

تنتظر الطبقة الكادحة عموماً والشيوعيون واليساريون خصوصاً، الأوّل من أيار من كلّ عام، للاحتفال بعيد العمّال، إحياءً لنضالهم التاريخي الممتدّ منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتأكيداً على مطالبهم وحرّياتهم النقابيّة بعيداً من الانقسامات السياسيّة والطائفيّة.


في لبنان، وكما كلّ عام، ينظّم الاتحاد العمالي العامّ استقبالاً في مقرّه، وتقام بعض الاحتفالات النقابيّة، ويدعو الحزب الشيوعي إلى مسيرة من محلّة "البربير"باتجاه "وسط المدينة". وتضاف إليهم هذا العام مجموعة من الشخصيّات اليساريّة والشيوعيّة التي استقال بعضها أو أقيل من الحزب، وتنظّم احتفالاً في المركز الثقافي الروسي في فردان. نشاطات مستقلّة ومتشّعبة تجتمع حول شعار "مناصرة العمّال"، وتعكس انقساماً وتفتتاً في النسيج الشيوعي واليساري في لبنان.


في يوم العمّال، ما هو موقع الحزب الذي سميّ بداية بـ"حزب الشعب اللبناني" وتعاظم شعبياً منذ أربعينات القرن الماضي، قبل أن ينكمش ويتراجع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ وما هي طبيعة الانقسامات التي تحكم البيت الداخلي وتساهم في استمرار نزفه وإضعافه؟


الحزب الشيوعي ينكمش
السجال دائم بين قياديّي "الحزب الشيوعي اللبناني" وأعضائه حول كثير من القضايا السياسيّة والتنظيميّة الداخليّة، بدأت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات، وتطبيق "اتفاق الطائف" عام 1990. خلافات خرجت إلى العلن وتمظهرت مع كلّ مؤتمر دوري للحزب، فانعكست خلافات حادّة، وانقسامات داخليّة، وانشقاقات، وإقالات جماعيّة، ما سبّب نزفاً كبيراً في هرميّة وقاعدة الحزب، وأثّر على نفوذه الشعبي والسياسي ودروه الفكري والتنظيمي والنقابي في مختلف المجالات.


مشكلات دفعت بشيوعيين مستقلّين إلى محاولة تفعيل العمل النقابي المستقلّ، عبر تأسيس حركة نواة نقابيّة فاعلة، تكون رأس الحربة في الدفاع عن العمال بعدما عجز الحزب الشيوعي اللبناني عن القيام بذلك، وتراجع في شكل يتعارض مع تاريخه النقابي النضالي. فهورفض لبس عباءة التجديد والتطوير، وأصرّ على البقاء فيصيغته القديمة، فانقسم أعضاؤه وانشقوا عنه، واستزلم بعضهم لفريقي 8 و14 آذار. وهكذا تحوّل إلى "حزب تصريف أعمال" لديه مؤسّساته الإنتاجيّة التمويليّة الخاصّة، ولكنه لا يستقطب أعضاء جددًا إنما يترك بابه مشرّعاً أمام هروب المحازبين منه.


هكذا انقسم الشيوعيون
ينقسم الحزب الشيوعي بين تيارين؛ الأوّل يسيطر على القيادة والمجلس السياسي برئاسة الأمين العامّ خالد حدادة، ويسعى للبقاء في منصبه لأكثر من ثماني سنوات، بما يخالف النظام الداخلي، وفق المعارضين الذين يشكلون تيارا ثانيا يرفع شعار النهوض بالعمل الحزبي وتفعيله،لإعادة الحزب إلى ساحة السياسة اللبنانيّة وإلى ميدان النضال النقابي والعمالي والحقوقي.


أمّا المعارضون فهم أنواع؛ هناك من انكفأ عن العمل بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة أو نتيجة الصراعات الداخليّة، وهناك من استقال من الحزب نتيجة المشكلات الدائمة التي تعتريه، وهناك من صُرف أو جمّدت عضويته، وهناك من انضمّ إلى أحزاب يمينيّة، وهناك من انضوى تحت إحدى رايتي فريقي 8 و14 آذار، وهناك من بقي ويحاول تصحيح الداخل والضغط على القيادة.


خلافات جزّأته فأضعفته
للانقسام أسباب عدّة، منها بعد سياسي، وآخر تنظيمي. يتمحور الانقسام حول دور الحزب وهويته، وهو انقسام تكرّس في المؤتمر العاشر عام 2009، وكان امتداداً لأزمة عاشها اليسار منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي على مستوى العالم، قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، فانفجرت داخلياً في شكل تنظيميّ فتشظّى الحزب وخسر الكثير من محازبيه.


استمرّت الخلافات، وتحوّلت انقساماً سياسياً حول موقع الحزب من الصراعات الإقليميّة والدوليّة، ودوره في إحداث تغيير داخل البلد. هنا تسعى القيادة للوقوف على الحياد نائية بنفسها عن الصراع الإقليمي باعتباره مذهبياً (بين السنّة والشيعة)، ما يتناقض مع علمانيّة الحزب. فيما يرى المعارضون أن الإقليم المحيط يتعرّض لهجوم أميركي مقنّع تحكمه الأطماع الإمبرياليّة التاريخيّة والمصالح الاقتصاديّة والسلطويّة، وعلى الحزب أن يكون رأس حربة في مقاومة هذا المشروع، تناغماً مع تاريخه النضالي. بحسب ما يؤكّد الحزبي ريمون هنود لـ"النهار".


أمّا الأهمّ بين أسباب الخلاف، فهو عدم احترام القيادةالنظام الداخلي وتمييع الوقت بإعداد ورقة إصلاحات، وتأخير انعقاد المؤتمر الدوري. يضاف إلى ذلك، مسألة الحريات داخل الحزب ونهج التعاطي مع المعارضين، إذتحوّلت الجمعيّات العموميّة والمؤتمرات إلى لقاء لتبليغ القاعدة أسماء المفصولين من الحزب. ولا ننسى جمود الحزب وتعطيل ديناميّته النقابيّة والشعبيّة، وطغيان المصالح الماديّة والشخصيّة التي تأكّدت بعد الكشف عن تجاوزات ماليّة في مؤسّساته وعن صفقات بيع سلاحه، واستغلال البعض لمواقعهم، ومن ضمنهم الأمين العام الذي سعى لإدراج اسم ابنه علي خالد حدادة، على لائحة أسماء أساتذة الجامعة اللبنانيّة الذين شُملوا بالتعيينات الأخيرة، وفق ما يقوله الحزبي السابق علي دغمان لـ"النهار".


عقدة النظام الداخلي
ينصّ النظام الداخلي بوضوح على عقد مؤتمر تنظيمي كلّ أربع سنوات لانتخاب قيادة جديدة، على أن تكون مدة تولّي المسؤوليّات محدّدة بأربعة سنوات للأمين العام ونوابه مع إمكان انتخابهم لدورتين متتاليتين، وأربع سنوات لأعضاء المكتب السياسي مع إمكان انتخابهملثلاث دورات متتالية.


عام 2009 عقد المؤتمر التنظيمي العاشر للحزب الذي انتخبت فيه القيادة الحالية، بعد أربع سنوات لم يعقد المؤتمر الحادي عشر ولم تجرَ الانتخابات، فمدّدت القيادة لنفسها، مخالفة النظام الداخلي، وها هو الحزب يدخل السنة السادسة من دون مؤتمر، بحجة العمل على مجموعة من الإصلاحات، واستقطاب الشيوعيين السابقين ليشاركوا في عمليّة تكوين الهيكليّة الجديدة، وهو ما انعكس استقالات واعتكاف عن العمل الحزبي، حتى بلغت النسبة حوالى 70% منذ بدء الخلافات في تسعينات القرن الماضي.


وتكمن العقدة الأساسيّة لعدم انعقاد المؤتمر، في تحديد مهلة تولّي المسؤوليّات ورفض إدراج بند الالتزام بالنظام الداخلي، إذ تسعى القيادة الراهنة لإلغائها، وفق المعارضين، والى تعطيل عقد المؤتمر إلى حين إقرارها، ما يتيح لها البقاء، وتالياً السيطرة على المؤسّسات الحزبيّة الإنتاجيّة والاقتصاديّة، سواء المستشفى أو المستوصف أو المسبح.


ردّ القيادة
ترفض القيادة توصيف الوضع بالانقسام الداخلي، بل تعتبره حيويّة تميّز الحزب الشيوعي، حسب ما يقول رئيس الهيئة الدستوريّة موريس نهرا لـ"النهار": "الحزب هو جسم حيّ، يضمّ محازبين من كلّ المناطق والطوائف، وهذا ما يفسّر الحيويّة والديناميّة الفكريّة داخله، خصوصاً في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ المنطقة".


وعن الإصلاحات التي طرحها حدادة أخيراً، يتابع: "لقد عانى الشيوعيون كما غيرهم من التهجير والهجرة في فترة الحرب وما بعدها، كما انصرف كثيرون إلى شؤونهم الخاصة خارج الإطار التنظيمي بعد عام 1990، وهؤلاءيشكّلون عدداً وازناً من الكتلة الشيوعيّة. لقد بُحثت ورقة الإصلاحات في اللجنة المركزيّة وأقرّت، ونحن نسعى لاستقطاب الشيوعيين المنكفئين والعمل لاستكمال الصلات معهم، بالتوازي مع تحليل الواقع اللبناني السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والظروف الإقليميّة، قبل عقد المؤتمر الدوري وإجراء الانتخابات ارتكازاً على مشروع ومهام سياسيّة ستنتجها اللجان المشتركة المنتخبة، علماً أن هامش الحرية والديموقراطيّة توسّع داخل الحزب، ولن يكون هناك أي سعي لإلغاء أي رأي معارض. كما ان قع الحزب التاريخي معروف وهو مناهضة إسرائيل وأي مطامع أمبرياليّة أميركية، ولكنه لن يكون محسوباً على أي من فريقي 8 أو 14 آذار، لأن الهدف الداخلي منع انهيار السلطة".


الخلافات مستمرّة منذ سنين، وغالباً ما تكون مصالحات البيت الداخلي هشّة ومعرّضة للانفجار تبعاً لأي ظرف، فهي غير محصورة بالحزب بل طاولت "اتحاد الشباب الديموقراطي" التابع له، فانعكست انقساماً فيه، تجسّد بصرف أكثر من عشرين عضواً في الفترة الأخيرة، نتيجة اختلافات في الرأي، وهو يتهم بأنه تحوّل منذ عام 2010 إلى ساحة لتسوية الحسابات وتصفيتها، وإلى منظمة ضاغطة تعمل وفق أجندة منظّمات المجتمع المدني، متناسية أنها منظّمة يساريّة لتأطير الشباب وجمع طاقاتهم. لا يبدو الانفراج قريباً، فالحزب الذي ولد من الشعب وإلى الشعب،وناصر قضاياه ودافع عنها، هو بحاجة اليوم إلى من ينقذه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم