السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لماذا لا تلغى عمليات إعادة تمثيل الجرائم في لبنان؟

المصدر: "النهار"
عباس صالح
لماذا لا تلغى عمليات إعادة تمثيل الجرائم في لبنان؟
لماذا لا تلغى عمليات إعادة تمثيل الجرائم في لبنان؟
A+ A-

بين فينة وأخرى يطل جدل قديم - متجدد باستمرار، حول جدوى وأهمية عمليات إعادة تمثيل الجرائم في لبنان، وفي بعض البلدان القليلة التي تعتمد هذا النوع من التحقيقات "الممسرحة" بكامل أبطالها ومخرجيها والمنتجين لها وحتى الكومبارس!.


في إزاء هذا الواقع الذي تعتبره كثير من الجمعيات الأهلية والحقوقية والناشطين في مجالات المجتمع المدني وحقوق الانسان أعوجاً، ثمة من يبقي الصوت عاليا في سياق المطالبة الدائمة، بأهمية وضرورة إلغاء عمليات باتت تعرض على طريقة عروض "صندوق الفرجة" أو ما بات يعرف اليوم ب"سينما الواقع"، على اعتبار أن ذلك العمل يصيب عددا من الحقوق البشرية والاجتماعية دفعة واحدة، فهو اولا يطيح بحقوق الموقوف وكرامته، ويجعله عرضة للابتزاز من قبل جهات عدة، باعتبار فرضية إلزام المتهم بالاقرار بارتكاب الجريمة نتيجة المؤثرات النفسية والاجتماعية والابعاد الاعلامية والترويجية للحدث.
في المقابل يعتقد بعض من يمثلون السلطات التنفيذية سواء الامنية او القضائية أن إعادة تمثيل الجريمة في نظر القانون، هو مجرد وسيلة إثبات تؤكد على الاعترافات المتضمنة بمحاضر التحقيق الاولية للضابطة العدلية، وإن تمثيل مشهد الجريمة يعد قرينة تحول الاعتراف من مجرد كلام مدون إلى فعل ممارس مرئي ومصور يستفاد منه بل يركن اليه خلال فترات المحاكمة اللاحقة، وعند اصدار الحكم النهائي.
ما هي الفائدة العملية من عمليات إعادة تمثيل الجرائم في لبنان؟ وهل من السهل إلغاء هذا النوع من العمليات التي تعيد نكء جروح أهالي الضحايا،وتؤخذ في خلالها أقصى انواع المخاطر، بالاستناد الى عدد من التجارب السابقة في هذا الاطار، والتي كان آخرها في لبنان قتل المدعى عليهم بجرائم في بلدات كترمايا الشوفية، ومجدل عنجر البقاعية،خلال تمثيل الجرائم المنسوبة اليهم، فضلا عن بشاعة الصور الاجتماعية التي تحفرها في أذهان المشاهدين على اختلاف أعمارهم، وقد تصيب الأطفال والصغار بصميم وجدانهم؟


شريط الأسئلة في هذا السياق لا ينتهي، لكن "النهار" تسلط الضوء على هذا الواقع الذي يندرج في سياق العمل المترهل من انظمة قضائية لم تعد تعتمدها سوى قلة قليلة من دول العالم، ومن دون ان تقدم أجوبة مقنعة في سياق الدفاع عن هذه الخطوة في مقابل مطالبات متكررة من قطاعات عريضة بالاستعاضة عنها بخطوات أكثر علمية ومراعاة للتطور ومماشاة لحقوق الانسان.
وبسؤال قائد الشرطة القضائية السابق العميد انور يحي قال "ان تمثيل الجريمة عادة يكون في مرحلة قضاء الظن، وفي قضاء الظن يجب ان يتأكد النائب العام الذي يمثل المجتمع والشعب بأن التحقيقات التي اجرتها الضابطة العدلية والتي تعمل باشرافه بانها تحقيقات واقعية، فينتقل بنفسه او بواسطة احد مساعديه برفقة الضابطة العدلية مع المتهم لتمثيل الجريمة لمطابقة التحقيقات مع ما قام به المدعى عليه وهذه العملية صحيح انها تشكل قناعة لدى النائب العام، ولكن دونها عدة محاذير أولها التشهير بالجاني.وربما تناقض ذلك مع حقوق الانسان وسمعة العائلة ولا سيما اولئك المتزوجين ولهم اولاد".
ويرى يحيى ان "احضار المدعى عليه الى موقع الجريمة قد يشكل استفزازا وخطورة كبيرة لا سيما في قضايا القتل والاغتصاب وكل الجرائم الشائنة. كما حصل اثناء تمثيل المتهم المصري سيد أحمد سيد المتهم بارتكاب الجريمة الرباعية في كترمايا عام 2009 حيث اقدم الاهالي على التشفي والانتقام منه عبر قتله وسحله بطريقة وحشية تعبيرا عن ردة فعل المجتمع تجاه الجريمة البشعة، وحيث لم تنفع تدابير الحماية التي نفذها عناصر الشرطة القضائية ودرك شحيم في حينه لحماية القاتل".
العميد يحيى يقول في هذا الصدد، "لا عبرة في اثبات الواقعة الجرمية الا بعد صدور الحكم النهائي بصورة قطعية مبرمة ولذا فان احتمال البراءة قليل، ولكن يبقى حفظ حقوق الانسان والمتهم وقرينة البراءة قائمة حتى صدور الحكم الذي تمثله المحكمة (القضاء الجالس)، وليس النائب العام الذي يمثل (القضاء الواقف)".
من هنا ينطلق يحيى الى القول انه "يمكن للنيابة العامة الاستعاضة عن تمثيل الجريمة باستخدام تقنيات متطورة يقوم بها مكتب الحوادث في الشرطة القضائية المزود بمعدات تقنية عالية لرسم وتصوير مسرح الجريمة ومكان وجود الجاني والمجني عليه وقت حصول الجريمة، لا سيما وان قضاة الحكم لن يعالجوا أو يدرسوا ويصدروا أحكامهم قبل مرور سنوات على مرور الجريمة، وبالتالي فان عملية التركيز على الصور والرسوم والافلام المصورة لواقع مسرح الجريمة من البعيد الى القريب ومن البيانات المطلوبة ومكان وجود الادلة المصورة يجنبنا مخاطر احضار المتهم الى مسرح الجريمة لتمثيل ما قام به لا سيما في الجنايات الخطرة، ذات طابع القتل والاغتصاب وما شابه ذلك".
ويتابع "دائما ما ترتكز الاحكام العدلية في الجرائم الجنائية الى دقة الادلة المقدمة والمضبوطة من عناصر المباحث العلمية لا سيما عند قلة الشهود ووفاة المجنى عليه، حيث تشكل هذه الادلة حجر الزاوية في صدور الاحكام الجنائية ونحن نؤيد عدم احضار المتهم الى مسرح الجريمة حفاظا على حياته وتداركا لاستفزاز عائلة المجنى عليه، والاستعاضة عن ذلك بالادلة والصور التي يزودها مكتب الحوادث، وهي ذات تقنية عالية واختصاص متقدم".


كذلك يرى حقوقيون أن تمثيل الجريمة فعل يتنافى وشروط المحاكمة العادلة، ويؤكدون على أن إرغام المشتبه فيه على تمثيل الجريمة، بكل تفاصيلها وأمام الجمهور والإعلام بمختلف مشاربه، يحوله من متهم بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي ، إلى مجرم بحكم الرأي العام وجمهور المتتبعين، قبل أن يحاكم قضائيا، أي أن المتهم يحاكم إعلاميا قبل محاكمته تحت قوس المحكمة .
على ان الخطورة، لا تكمن في قيام المتهم بتمثيل كيف ارتكب جريمته، بل في ممارسات ووقائع مرتبطة بها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم