"أين كان النبلاء، عندما كان آدم، يحرثُ الأرض، وكانت تغزل حواء؟"، هذه العبارة التي تضاهي مضموناً ما جاء في الحديث النبوي: "يا أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب" أو القول المنسوب للخليفة عمر "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"، أطلقها في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي رجل الدين المسيحي جون بول، وذلك في ذروة المخاض الذي كانت تعيشه أوروبا في نهايات القرون الوسطى وبداية عصر النهضة.
جون بول (1335-1385) كان قساً إنكليزياً عاش في يورك، وألقى عظاته فيها مناضلاً ضد الاستعباد والتمييز الطبقي. وقف إلى جانب الفلاحين الأقنان في ثورتهم ضد النبلاء الإقطاعيين، فمنعه رئيس أساقفة كونتربري من إلقاء عظاته. غادر يورك، وأخذ يتجول في شرق إنكلترا ملقياً عظاته هناك فرماه رئيس الأساقفة بالحرم الكنسي وهدد من يستمعون إليه بالطرد من الكنيسة.
ألقي القبض على بول الذي عُرف باسم جون وايكلفس أيضاً، وحُبس وأُطلق مراتٍ عديدة، وقد حرره من سجنه في آخر مرة الفلاحون الثائرون. تذكر المصادر المعاصرة أنه قاد مع زعيم ثورة الفلاحين وات تايلر، الهجوم على برج لندن الذي قُتل فيه رئيس الأساقفة. بعد فشل ثورة الفلاحين، أُلقي القبض على القس الثائر وأُعدم بطريقة بشعة في حضور الملك ريتشارد الثاني.
أين رجال الدين عندنا، وهم ينظرون إلى الفقر والتمييز وتسلط العوائل الحاكمة والمستأثرة بالمال والجبروت، الراعية للنهب والفساد وكل ما يضاهي أو يفوق مظاهر القرون الوسطى؟ أين هم بينما "داعش" يحيي العبودية وكأنها جوهر ما جاء به الإسلام الذي حرص على إيجاد كل المخارج لعتق الرقاب في عصرٍ بشريٍّ كانت العبودية أبرز سماتهِ ولم تكن البتة سمةً من سمات الإسلام ومباحاته المطلقة؟
أيها السادة، لسنا بحاجة إلى مزيد من البحوث في الحيض والنفاس أو التطهّر من الجنابة. لسنا بحاجة إلى مزيد من الخطب الطائفية والمذهبية الداعية إلى الاستئصال والكراهية. لسنا بحاجة إلى عمائمكم إذا كانت تختبئ تحتها عفاريت التكفير والحروب والاستعباد. نحن بحاجة إلى دولة مواطنة يتمتع فيها الجميع بحرياتهم وحقوقهم ويقفون أمام القانون سواسية كأسنان المشط. إرحمونا يرحمكم الله.
* * *
(سُـ)لاح البشرية
كان قدماء اليونان يعتقدون بأن "اكتشاف الحديد قد أضرّ بالإنسان"، وهم بذلك يشيرون إلى بدايات صناعة الأسلحة الحديدية الفتاكة التي أفسحت المجال أمام الكائن البشري ليوغل في عدوانيته. فماذا نقول اليوم عن الـ "تي أن تي" واليورانيوم والفوسفور الأبيض والسيارات المفخخة والبراميل المتفجرة وكل ألوان القتل وأدواته المتوحشة، وخصوصاً ما يدب منها على الأرض بصفة كائن بشري؟
* * *
بيئات
لا يستطيع الإنسان أن يحيا بدون كوكب الأرض، لكن كوكب الأرض يستطيع أن يحيا بدون الإنسان، بسلام، وبشكلٍ أجمل وأكثر نقاءً.
المحافظة على البيئة الطبيعية من أولى المهام الحضارية المعاصرة التي تشغل الشعوب المتحضرة. لكن بعضنا مشغولٌ بالمحافظة على بيئته الحاضنة، كي لا "تِنفِقِس" قبل أن تُفقِّس.
* * *
يمانيّات
في قصيدةٍ له ألقاها في العام 1984 خلال أمسية عُقدت في نقابة الصحافة اليمنية في عدن على هامش مؤتمر لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، قال الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور يصف طيبةَ اليمنيين وبساطتهم وخلوَّ قلوبهم من "السواد":
"كأنَّ الجبالَ السود، أخذت سوادَ قلوبهم"
في إشارة إلى جبال شمسان البركانية السوداء التي تشرف على المدينة.
وفي ذلك تقول الأغنية الشعبية اليمنية:
"ما با يهزّك ريح، لا، يا نجم ساهر فوگ شمسان"
أما شاعر اليمن الكبير الراحل عبدلله البردوني فقد قال يومها:
"لنا بطونٌ، ولكم بنوكْ، هذهِ المأساة، نصَّبتكم ملوكْ"
وقال في قصيدةٍ كان نظمها وألقاها في الموصل في العام 1971 يخاطب فيها الشاعر أبا تمام:
تنسى الرؤوسُ العوالي نارَ نخوتِها/ إذا امتطاها إلى أسيادِهِ الذّنَبُ
"حبيبُ" وافيتُ من صنعاءَ يحملني/ نَسْرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العَربُ
ماذا أُحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟/ مَليحةٌ عاشقاها: السلُّ والجَرَبُ