الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هنا شارع "آراكس"...هنا القضية لا تموت

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
هنا شارع "آراكس"...هنا القضية لا تموت
هنا شارع "آراكس"...هنا القضية لا تموت
A+ A-

"ثلاثة أيام مختبئًا تحت ثوب والدته المذبوحة على أيدي وحوش لا ترحم، ثلاثة أيام يشمّ رائحة الموت من دون طعام أو شراب. فابن الخمس سنوات عاش كابوساً على أرض الواقع، بعد أن قُدِّر له ان يكون شاهدًا على مجزرة طالت شعبه"، هذا مشهد بسيط من فيلم طويل أبطاله ذُبحوا، طُعنوا، اغتُصبوا، عُذِّبوا وعُلِّقوا، ولأبشع صور التنكيل تعرّضوا، من ديارهم طُردوا ومن ممتلكاتهم حُرموا. فيلم عانى فيه شعب لا لذنب اقترفه، بل لأنّه ينتمي الى قومية لا تناسب دولته. الصورة الملتقطة قبل مئة عام تظهر كأن "داعش" هو من ارتكب الفظائع، لكن الحقيقة ان المكان في تركيا وليس في سوريا او العراق، والمجرم جيش الدولة العثمانية، أما الضحية فأرمن تعرّضوا لمحاولة إبادة.


من تركيا هربوا وفي بلاد العالم انتشروا، منها لبنان حيث يشكل شارع اراكس مركزاً ورمزاً لهم، "النهار" زارته للاطلاع على تحضيراتهم لاستقبال الذكرى المئوية للإبادة التي تعرّض لها أجدادهم. الشارع التجاري الذي يغص في العادة بالمتسوقين هادئ إلا من بعض الزبائن، لا شيء يوحي بأيّ تحضيرات لاستقبال الذكرى لا صور ولا يافطات ولا شيء من هذا القبيل.


مشاهد تقشعرّ لها الأبدان
على ناصية الشارع يقع محل بيع اكسسوارات نسائية، في داخله تجلس ستا ارمنيان تحتسي قهوتها، حين سئلت عما نقل اليها اجدادها عن تلك القضية، صمتت، تنهّدت قبل ان تطلق غصة وتبدأ بالحديث "عن ماذا وماذا أتكلم، هل أتكلم عن عمي الذي اختبأ تحت ثوب والدته المذبوحة كي لا يذبح، عن خلطه الطحين بالماء كي يسدّ جوعه، عما نقله لنا من اخبار تقشعر لها الابدان من طعن المستقيمات في بطونهن، كل ذلك من اجل ان يسلبوا أراضينا... جريمة منكرة على يد وحوش بشرية" وأضافت "مليون ونصف ارمني تم ذبحهم على يد الدولة العثمانية، واليوم تركيا ترفض الاعتراف بالجريمة ولن تعترف كي لا تعيد إلينا أراضينا".



قضية محفورة في الذاكرة
في المحل المجاور يعمل أغوب الذي يبيع هو الآخر الاكسسوارات، بعد ان انهى اتصالاً تحدث خلاله باللغة الارمنية التي اعتادوا ان يتحدثوا بها بين بعضهم، علّق "قد يضايق البعض اننا نتحدث بين بعضنا بلغتنا لكن لا يمكننا الاستغناء عن ذلك، هذه اللغة التي تجمعنا تجعلنا نحافظ على جذورنا ومستقبلنا". وعن المجزرة قال: "كل ما حصل قبل مئة عام محفور في رأس كل ارمني من خلال ما يتم إخباره اياه من عائلته ومن خلال الصور والافلام، وانا بالتحديد تأثرت جداً بما حصل كوني عايشتُ ذيول الحادث في تفاصيل حياتي، فالى الآن لا أنسى مشهد جدتي وهي تتمسّك بحديد النافذة ترمي حذائها منها تلتفت خلفها وتصرخ ها هم قادمون".
"لا تزال الحرب النفسية مؤثرة علينا، والدي الذي كان يبلغ من العمر خمس سنوات عانى كثيراً بعد التهجير، فقد بات مسؤولاً عن والدته وشقيقه الاصغر منه بعد ان ذبحوا والده، الحياة التي عاشها والمعاناة التي مرّ بها منذ هروبه من تركيا، وسيره ووالدته حافيًا وحاملاً اخيه الى سوريا أثر عليه سلبيًّا فقد كان قاسيًا وصلبًا، عمل ماسحًا للأحذية وبائع قماش حيث كان يضع قطع القماش على كتفه ويسير في الطرق لتأمين لقمة العيش لعائلته"، بحسب اغوب الذي ختم "اذا كان ما حصل بالنسبة للأتراك حرباً وانتهت، فبالنسبة لنا هي اول مجزرة في العالم لا يجب ان يطوى ملفها من دون محاكمة".



المجزرة الكبرى
"منذ عمر السنتين يتمّ تعليم الأولاد ان عدوهم هي تركيا هذا ما ورثناه ونورّثه لأولادنا"، بحسب ما قاله ساكو تاربينيان الذي يعمل في محل مجاور لبيع الالبسة القطنية والذي لفت الى ان "المجزرة ابتدأت في العام 1909 لكن في عام 1915 وقعت المجزرة الكبرى ففي ليلة 23-24 نيسان اعتقل الجيش العثماني كتلة نواب الارمن وكل رجال الفكر حيث وصل عددهم الى 330 شخصًا، اعدموا ليستيقظ الشعب في اليوم التالي من دون رأس يتحدث باسمه، وابتدأ يوم الذبح الطويل".
ساكو سافر الى تركيا ثلاث مرات "رأيت مكان سكن جدي وأراضينا"، وعما اذا كان يعتبر نفسه لبنانيًّا ام ارمنيًّا أجاب: "انا لبناني اولاً لكن قوميتي ارمنية، ما يعني لست عربيًّا"، يقاطعه زميله ساركيس كاششيان قائلاً: " ما يطالب به الأرمن ليس حقوقهم المشروعة، فحقهم المشروع زيارة تركيا، لكنهم يطالبون بحقوقهم الوطنية المشروعة، أراضي الاجداد هي التي يجب ان نطالب الدولة العثمانية بها".


 


طمس الحقائق
لسركيس روايات عديدة عما تعرّض له والده من تنكيل حيث قال "ابي لديه اربعة أشقاء لا يعلم عنهم اي شيء، ربما توفّوا ام انهم يسكنون في لبنان وربما جيراننا ولا نعلم، فهم من والدة ثانية، افترقوا بسبب المجزرة ولم يجمعهم القدر الى اليوم. تخبرني جدتي ان الجيش العثماني كان يفصل الرجال عن النساء، فالرجال كان يتم اقتيادهم الى الكنيسة يحرقونهم، اما النساء فيغتصبونهن، ومن يحالفها الحظ يتم اطلاق سراحها".
واستطرد بأن "عدم وجود كاميرات أدى الى طمس العديد من الحقائق، حيث منحت سلطة التصوير حينها الى الضباط الالمان حلفاء العثمانيين، كذلك تم تخليد الذكرى من خلال الصور".


هدف الدولة العثمانية، بحسب سركيس، إبادة الأرمن، إنهم "يريدون ان ينهونا وليس فقط إنهاء ثقافتنا، وفوق ذلك يعلمون ابناءهم انهم لم يذبحونا وما قاموا به محاولة ابعادنا عن مناطق النزاعات بحسب ما اخبرني ضابط تركي لكننا لن نستكين وسنحيي الذكرى المئوية غداً بمسيرة من البطريركية في انطلياس وصولاً الى ملعب برج حمود بالاضافة الى العديد من النشاطات في عدة مناطق".
بما أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، سيستمر الأرمن في حمل مشعل القضية حتى يعترف العالم أجمع بإبادتهم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم