الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عائدات غرامات السير للقضاة وقوى الأمن قباني: حصلت ضغوط كي يبقى القانون كما هو

ألين فرح
عائدات غرامات السير للقضاة وقوى الأمن قباني: حصلت ضغوط كي يبقى القانون كما هو
عائدات غرامات السير للقضاة وقوى الأمن قباني: حصلت ضغوط كي يبقى القانون كما هو
A+ A-

15 نيسان المقبل يبدأ تطبيق قانون السير الجديد. غرامات كثيرة ومرتفعة سيدفعها المخالفون. ربما ليس هذا المهمّ، فالقانون أصلاً للردع عن المخالفات وخصوصاً السرعة وسواها التي تسبب الوفاة معظم الأحيان. بغض النظر عن الانتقادات التي تطال القانون الجديد ومواده وكيفية التطبيق والتنفيذ، وجب التوقف عند توزيع عائدات غرامات السير التي بقيت كما إياها في القانون الجديد رغم الارتفاع الكبير في قيمة الغرامات. فكيف توزّع هذه العائدات؟ وإلى من تذهب؟ وهل تنبّه النواب الى ذلك، أثناء مناقشتهم مواد القانون الجديد ووافقوا على الأمر؟


تلحظ المادة 401 من قانون السير الجديد 243/2012 توزيع عائدات غرامات السير المستوفاة ما بين صندوق الاحتياط في قوى الأمن الداخلي (25% من حاصل كامل الغرامات)، والبلديات (20% من حاصل كامل الغرامات)، وصندوق تعاضد القضاة (30% من الغرامات المحصّلة بموجب أحكام قضائية)، والصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين (25% من الغرامات المحصّلة بموجب الأحكام القضائية). هكذا يبقى للخزينة العامة 55% من عائدات الغرامات المستوفاة برسم الطابع فحسب، بينما لا يبقى لها أي شيء من عائدات الغرامات المحصّلة بموجب أحكام قضائية.
وفق مصادر معنية بقانون السير الجديد ان المفارقة الأولى في هذه المعادلة تكمن في أن المشترع استثنى عائدات غرامات السير من المبدأ العام للمحاسبة الحكومية، الذي يقضي بعدم تخصيص العائدات لأمور محدّدة (Principe de non affectation des ressources) بل تضمينها، مع مداخيل الضرائب والرسوم، في الميزانية العامة، ومن ثم توزيعها على الإدارات والمشاريع عبر هذه الميزانية. لكن هذا الاستثناء جائز ومتّبع في دول عدة، منها فرنسا، حيث نشأ مبدأ عدم تخصيص الموارد، من منطلق أن عائدات غرامات السير غير ثابتة ويمكن تخصيص القسم الأكبر منها لأغراض خاصة. لكن المقاربة الفرنسية للأمر تبتعد كل البعد عمّا جاء به قانون السير اللبناني، ما عدا ما يخصّ تخصيص البلديات بقسم من عائدات الغرامات. لكن، حتى في هذا الأمر تختلف المقاربة الفرنسية عن المقاربة التي أتى بها قانون السير بأن المبالغ المخصصة للبلديات في فرنسا لا تدخل في الميزانية العادية للبلديّات، كما نصّ القانون اللبناني، بل تمنح لها خصيصاً من أجل تحسين السلامة المروريّة في النطاق البلدي، من تحسين للبنية التحتية وتدريب الشرطة البلدية، وتعزيز تطبيق القانون، والقيام بحملات توعية، إلخ. كما أن فرنسا تخصّص جزءاً ضئيلاً من عائدات غرامات السير للميزانية العامة وجزءاً أكبر لخدمة الدين العام. أما القسم الأكبر من هذه العائدات فيخصّص للبلديات، وللمشاريع التي تقوم بها الإدارات والهيئات المختصة في مجال تعزيز السلامة المرورية، مثل شراء الرادارات وكاميرات المراقبة وتشغيلها، وتعزيز قدرات مراكز التحكّم المروري، وإدارة السجل المروري... إلخ.


خطآن فادحان
أمّا في ما يخصّ الجهات المستفيدة من عائدات غرامات السير، كما نصّ عليه القانون اللبناني، عدا عن البلديّات، ووفق المصدر عينه، يبدو جلياً أن المشترع اللبناني ارتكب خطأين فادحين: الأول يكمن في تخصيص عائدات غرامات السير لجهات أولاها المشترع مسؤولية تطبيق القانون. فكيف يمكن للمواطن أن يثق بأن ضباط قوى الأمن الداخلي وعناصرها المولجين قمع مخالفات السير سيعاملونه بعدالة عندما يعرف أن 25% من قيمة الغرامة التي ستفرضها عليه هذه القوى ستذهب إلى صندوق الاحتياط الخاص بها، وبالتالي فمن مصلحتهم التشدّد في تطبيق القانون وإمكان التجنّي على المواطنين لرفد الصندوق بأعلى عائدات ممكنة؟ وكيف يمكن للمواطن أن يثق بأن قضاة محاكم السير سيحكمون بالعدل عندما يعرف أن 55% من قيمة الغرامة التي سيحكم بها القاضي ستذهب إلى صندوق تعاضد القضاة وإلى الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين، وبالتالي فمن مصلحتهم الحكم بأعلى غرامات ممكنة لتعود للصندوق أعلى عائدات ممكنة؟ "لقد وضع القانون رجال قوى الأمن والقضاة في حال تضارب مصالح واضحة، تضرب عرض الحائط مبادئ بديهية للحكم العادل".
أما الخطأ الثاني فيكمن في أن القانون لم يلحظ أي سقف للمبالغ التي ستحوّل إلى الصناديق الثلاثة التي لحظها. فإذا كان في الإمكان عدم تحديد سقف لحصة البلديات من عائدات الغرامات لكثرة عددها وللحاجات المستمرة التي تواجهها، يصعب على المرء قبول أن تتضخّم الصناديق الثلاثة المعنيّة سنة بعد سنة من دون سقف. إذ تشير بعض المعطيات إلى أن عائدات غرامات السير ستفوق سنوياً مئة مليون دولار أميركي على أقلّ تقدير. "فهل يعقل أن يخصّص منها 20 مليوناً للبلديات التي يزيد عددها على 1000 وعدد سكانها الملايين الثلاثة، بينما يحظى كل من صندوق تعاضد القضاة والصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين، اللذين يشملان بالرعاية بضع مئات من الأشخاص، مثل هذا المبلغ أو ما يزيد؟ أين هي العدالة والمساواة تجاه القانون بين القضاة والمساعدين القضائيين من جهة، وسائر الموظفين الحكوميين من جهة ثانية؟".
القانون أقرّ في اللجان المشتركة، فهل تنبّه النواب لهذا الأمر؟ رئيس لجنة الاشغال العامة والنقل النائب محمد قباني تنبّه للموضوع، وخصوصاً ان العائدات ما زالت كما هي وفق القانون القديم، لكن، في رأيه، "ان هذا التوزيع غير عادل خصوصاً مع الارتفاع الكبير في قيمة الغرامات، لكن حصلت ضغوط كي يبقى القانون كما هو". وفي رأيه ان نسبة من عائدات التوزيع كان يجب ان تخصص للطرق وصيانتها. لكن حالياً "سيطبق القانون كما هو". لكن أحد النواب أكد لـ"النهار" ان ثمة اقتراحات قدّمت لتعديل بعض المواد المتعلقة بالرسوم والضرائب بقانون السير الجديد، وثمة تفكير أيضاً باقتراحات أخرى.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم