الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

في لبنان...أشرّح الجثة بأصابعي!

المصدر: "النهار"
عباس صالح
في لبنان...أشرّح الجثة بأصابعي!
في لبنان...أشرّح الجثة بأصابعي!
A+ A-

هناك قاعدة شهيرة، تشير الى أن كل تحقيق بعمل جنائي لا يقوم باجراء القص التشريحي هو عمل ناقص، ولا يصل الى نتيجة.هذه القاعدة كرسها كبير الاطباء الشرعيين في جامعة "هارفرد" عندما شبَّه التحقيق بلا تشريح بشخص يقرأ رواية هامة ومثيرة، ولكن صفحتها الاخيرة قد مُزقت..


انطلاقا من تلك القاعدة، يبدو ان الندوة التي تنظمها "الجمعية اللبنانية للطب الشرعي في بيروت" برعاية وزير العدل اللواء أشرف ريفي، تحت عنوان "أهمية الطب الشرعي ودوره المساعد في تحقيق العدالة"، ستستأثر على الارجح، باهتمام لافت من أوساط متعددة باعتبار أن قطاع الطب الشرعي في لبنان، لم يصل بعد الى المستوى المطلوب لا على المستوى التشريعي، ولا التنظيمي، ولا التنفيذي، رغم الاجماع الاجتماعي النخبوي على أن خبراء الطب الشرعي هم قضاة الوقائع.


تجهيز اللوازم


ومما لا شك فيه ان المتحدثين الرئيسيين في الندوة وهم كل من: المدير العام لوزارة العدل الرئيسة ميسم النويري، ورئيس الجمعية الدكتور حسين شحرور، والنائب العام المالي الدكتور علي ابرهيم، والعميد أسعد نهرا، والدكتور بلال صبلوح، ورئيس محاضرات التدرج المحامي ناضر كسبار، سيتطرقون في مداخلاتهم الى الادوار التي يضطلع بها الطب الشرعي في مسرح الجريمة، وأهمية تقارير الاطباء الشرعيين في رحلة احقاق الحق، وانصاف المظلومين والمعتدى عليهم، وتبيان الخيوط التي توصل في نهاية المطاف الى توقيف الجناة واعتقال المجرمين، لكن قد يكون المطلوب أبعد من ذلك، ربما يكون ثمة ضرورة لوضع الأصابع على جرح قطاع الطب الشرعي نفسه، وعلى معاناته الدائمة مع الهيكلية الناظمة له، ولفت نظر أركان الدولة الى أهمية الدور المحوري الذي يؤديه هذا القطاع بهدف تنقية شوائبه ورفده بالكفاءات المتخصصة المطلوبة، واعطاء العاملين فيه ما يستحقون، وتجهيزهم باللوازم والآليات المتطورة التي يحتاجونها في نطاق بحوثهم الدقيقة والمهمة.


قد تكون الندوة التي ستنعقد عند الثانية بعد ظهرالخميس المقبل في 16 الجاري في قاعة الاحتفالات الكبرى في بيت المحامي، عبارة عن صرخة في اتجاه المعنيين، بهدف اجتذاب انظارهم الى ذلك القطاع المهمل على كافة المستويات، وحثهم على ضرورة التعاطي معه بالشكل الذي ينبغي ان تتم فيه مواكبة عمليات تحديث كل آليات الدولة، انطلاقاً من محور العدالة وآليات تطبيقها المتشعبة، والطب الشرعي بلا شك هو واحد من هذه الآليات.


عملية التشريح
فما هي حقيقة معاناة الاطباء الشرعيين بالأرقام في لبنان؟ سؤال وجهته "النهار" الى رئيس جمعية الطب الشرعي الدكتور حسين شحرور الذي قال اننا نكابد عدداً من المشكلات المتشعبة، ليس أقلها اننا "ليس لدينا في كل لبنان أي مشرحة تليق باالعمل، من شأنها أن توصل الأطباء الشرعيين الى نتائج قاطعة في عمل البحث الجنائي"، ويعطي شحرور مثالاً على ذلك بقوله "آخر مرة قمت بعملية تشريح جثة في مشرحة بعبدا، استخدمت مشرطاً واحداً بدائياً، هو الموجود، واضطررت لأن أنجز فيه عملية التشريح من أولها الى آخرها من خلال استعمال أصابعي ويدي، ومن دون الاستعانة بأي من المعدّات الطبيّة المخصصة لذلك العمل لأنها غير موجودة، حتى اننا نعاني من عدم وجود طاولة مخصصة للتشريح، ونضطر لأن نشرح الجثة على ال "شاريو" (سرير مخصص لنقل المرضى)، وبعد الانتهاء من التشريح علي أن أحمل العينات وانقلها بسيارتي الخاصة الى المختبرات المعنية".


في هذا الاطار، يقول شحرور "من سنة 1991 ونحن نرفع الصوت عالياً مطالبين بايجاد مراكز مجهزة بمشارح ومختبرات، وكل ما يلزم لتمكين الطب الشرعي للقيام بعمله بشكل طبيعي يحاكي العصرنة والتطور في هذا السياق، ومنذ حينه ونحن نتلقى الوعود تلو الوعود من كل الوزراء الذين تناوبوا على وزارة العدل باعتبار ان مصلحة الطب الشرعي مرتبطة مباشرة بمدير عام وزارة العدل، ففي العام 2004 عقدنا عدة اجتماعات دورية ومتلاحقة على مدى 3 أشهر مع الوزير سمير الجسر الذي كان وزيرا للعدل آنذاك، وخلصنا الى إصدار مسودة مرسوم أولي لتنظيم مصلحة الطب الشرعي وعمل الأطباء الشرعيين في لبنان، لكن هذا المرسوم بقيَ من دون تفعيل حتى السنة الجارية، حيث علمت ان المدير العام لوزارة العدل الرئيسة ميسم النويري بصدد إعادة المرسوم الى الحياة مجدداً".


وضعيات الجثث
في هذا الاطار، يعدد شحرور لائحة كبيرة من معاناة الأطباء الشرعيين، يختصرُ أهمها في عدم توافر أي حصانة للأطباء لا على المستوى الأمني ولا الصحي، حيث انهم معرضون لشتى أنواع التهديدات الأمنية من أشخاص متضررين من تقاريرهم، كما انهم عرضة دائمة لتلقي الأمراض والأوبئة المعدية من الضحايا والمرضى الذين يعاينونهم من دون ان يكون لهم أي تأمين صحي مضاد، في الظروف الصعبة التي يعملون فيها. كذلك يعانون من التأخر في صرف أتعابهم، وعدم صرفها أحيانا، ومن التسابق وعدم التنسيق احيانا بينهم وبين الاجهزة الامنية، الذي يؤدي حكما الى تغيير وضعيات الجثث، ومن عدم توفير أماكن طبية صالحة للمعاينات في أماكن التوقيف.
يعانون أيضا من آلية المهمات التي يتم تكليفهم بموجبها، حيث غالبا ما تصدر المهمات لهم بالمعاينات من النيابات العامة، ولكن بواسطة قوى الامن، وذلك ما يتيح لعناصر قوى الامن الداخلي التصرف بمزاجيتهم في هذا السياق.


كذلك فإن أبرز المشكلات التي تعتري أعمال الاطباء الشرعيين في لبنان، ناتجة من عدم وجود مختبر حكومي متخصص لتأكيد التشخيص السريري. وفي عدم وجود أماكن حكومية لحفظ الجثث بشكل جيد، وعدم وجود المشارح المجهزة بشكل اساسي للقيام بعمليات التشريح ولو في المستشفيات الحكومية على الاقل، وفي عدم وجود معهد دراسات او دورات تأهيلية، وفي عدم وجود العدد الكافي من الاختصاصيين بالطب الشرعي، علما ان المشكلة الابرز في هذا السياق تبقى في "التنفيعات" ولا سيما ان في لبنان حوالى 80 طبيباً شرعياً عاملاً في هذا القطاع، لكن المتخصصين بالطب الشرعي منهم أقل من 10 أطباء!، وذلك بناء على المرسوم الوزاري الذي صدر في العام 1946 والذي ما زالت الدولة تعمل بموجبه حتى الان، وهو يجيز للحكومة الاستعانة بأطباء ذوي اختصاصات مختلفة للقيام بمهام الطب الشرعي.


حال القطاع
في سياق حديثه، عن شؤون المهنة وشجونها يتذكر الدكتور شحرور، زميله الراحل الدكتور فؤاد غصن، الذي كان أنجز في العام 1929 تخصصا بالطب الشرعي، وعاد الى لبنان حيث عينته وزارة العدل في حينه رئيسا لمصلحة الطب الشرعي، فيقول انه رحمه الله أول من أسس مشرحة وأماكن لحفظ الجثث في لبنان، بدعم مباشر من الرئيس الراحل فؤاد شهاب في حينه، وكان موقع تلك المشرحة في مبنى في الحوض الخامس في الكرنتينا، يستخدمه الجيش كواحده من ثكنه اليوم، وما يزال فيه.
ويشير الى ان المفارقة البارزة هي ان النداء الذي اطلقه الدكتور غصن في العام 1952 عن حاجة البلد الى معهد للطب الشرعي، ما يزال قائما ومجلجلا حتى تاريخنا هذا، حيث نحن في العام 2015 لا يوجد لدينا اي معهد أو جامعة من شأنها ان تعلم هذا الاختصاص، وبالتالي فإن حال قطاع الطب الشرعي اليوم هو أسوأ بكثير مما كان أيام المرحوم غصن، ونفتقد للكثير مما كان موجودا في العام 1959.


 


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم