السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مطر ترأس قداس الفصح في كاتدرائية مار جرجس: مصلحتنا انتخاب الرئيس

المصدر: "الوكالة الوطنية للإعلام"
مطر ترأس قداس الفصح في كاتدرائية مار جرجس: مصلحتنا انتخاب الرئيس
مطر ترأس قداس الفصح في كاتدرائية مار جرجس: مصلحتنا انتخاب الرئيس
A+ A-

احتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، قبل ظهر اليوم، بأحد القيامة المجيدة وليل السبت الأحد بقداس منتصف الليل قداس عيد الفصح المجيد في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت، يحيط به النائب العام للأبرشية المونسنيور جوزف مرهج، رئيس كهنة الأبرشية المونسنيور إغناطيوس الأسمر والآباء دانيال خوري وجان مارك نمر وجان الشماس، بمشاركة النواب: نديم الجميل، فؤاد السعد، ناجي غاريوس، إيلي عون، حكمت ديب، آلان عون وإبراهيم كنعان، الوزراء السابقين رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار ميشال إده، رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن على رأس وفد من المجلس وسليم الصايغ، أمين عام اللجنة المسيحية الإسلامية للحوار حارث شهاب، رئيس إتحاد المصارف العربية جوزف طربيه، الأمين العام للاتحاد من أجل لبنان مسعود الأشقر، رئيس جامعة قدامى الحكمة فريد الخوري، رئيس مؤسسة المونسنيور اغناطيوس مارون رشيد جلخ وعميد كلية الطب في الجامعة اللبنانية الدكتور بيار يارد، ممثلي هيئات سياسية وحزبية وعسكرية واجتماعية وأكاديمية.


بعد الإنجيل المقدس، ألقى مطر عظة القيامة، فقال: "إن حدث القيامة والإيمان بها هما حجر الأساس في حياتنا المسيحية، أمس واليوم وإلى الأبد. فالمسيح القائم من الموت والمنتصر على الشر والخطيئة، هو الذي يمنحنا كل رجاء بتغيير وجه الأرض وبإرساء عالم محرر من قيوده وقادر على سلوك طريق المحبة والمصالحة والسلام".


واضاف: "كم يجدر بنا أيها الأحباء، ومن أجل تعميق إدراكنا لسر قيامة المسيح ولمعانيها وأبعادها، أن نعود إلى بولس الرسول الذي كان أول لاهوتي غاص في هذا السر وأبرز دوره وفعله في النفوس. فبولس هو الذي أعلن في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس أن قيامة المسيح هي نقطة الارتكاز في إيمان المسيحيين وفي حقيقة ديانتهم. فلقد جاهرهم بصراحة وقوة قائلا: "إن كان المسيح لم يقم فتبشيرنا إذن باطل وباطل إيمانكم أيضا، ونكون نحن شهودا كذبة لله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه". وأضاف بولس في هذا السياق: "إذا كان الموتى لا يقومون فالمسيح أيضا لم يقم، وإن كان المسيح لم يقم فإيمانكم أيها المسيحيون باطل وأنتم إلى الآن ما زلتم في خطاياكم. نعم، إن قيامة المسيح هي أساس المسيحية. ومن دون قيامة المسيح لا تبقى المسيحية، بل تصبح غير موجودة وغير ذات فعل".


وتابع: "بولس هو الذي أطلق أيضا على المسيح تسمية لم تخطر على بال أحد قبله، عندما قال إنه آدم الجديد أو آدم الثاني، على ما ورد في رسالته الشهيرة إلى أهل روما. فهذه التسمية تتضمن بمجرد إعلانها أن آدم الأول الذي هو أبو جميعنا والذي تحول بفعل خطيئته إلى رمز للضعف والانقسام، قد عقبه آدم الثاني أي الرب يسوع الذي صار بقيامته عنوانا للانسان الجديد القائم في النعمة والحق. فيقول بولس في سياق هذه المقارنة: "إن كان بزلة واحد هو آدم مات كثيرون فبالحري تزداد عطية الله ونعمته لكثيرين، لأجل إنسان واحد هو يسوع المسيح. ويزداد بولس تعمقا في سر المسيح بفضل اكتشافه بالوحي لحقيقة جوهرية أخرى عن أثر قيامته. ولقد عبر عنها خير تعبير في رسالة ثالثة وجهها إلى أهل أفسس حيث قال: "أن قيامة المسيح قد وحدت بين اليهود والوثنيين إذ جعلت من الاثنين كيانا واحدا جديدا". ومن المعروف أن اليهود كانوا يظنون أنفسهم أعلى مرتبة من غيرهم، فيما الشعوب الأخرى كانت في نظرهم جماعات متدنية بالنسبة لما يمثلون. إلا أن المسيح جعل من الاثنين واحدا وهدم بجسده العداوة والسياج القائم في الوسط، وأبطل بوصاياه ناموس الفرائض ليخلق من الاثنين بشخصه إنسانا واحدا جديدا. لهذا يصل بولس إلى التأكيد بأن "المسيح صنع الأمان وصالح الاثنين بجسد واحد مع الله وقتل العداوة بصليبه وجاء يحمل بشرى السلام، إلى البعيدين والقريبين معا". وبالفعل فإن من كانوا يهودا وأوثانا متباعدين قد صاروا في كنيسة المسيح شعبا واحدا جديدا لا يفرق بين أفراده أي شيء. ولقد صاروا حقا "بني مدينة القديسين وبني بيت الله". فهل من مصالحة أعمق من هذه المصالحة التأسيسية للتلاقي بين الشعوب؟".


واضاف مطر: "ولئن كانت القيامة قد فتحت هكذا للتاريخ البشري آفاقا جديدة، ولئن قدمت للإنسانية فرصة حقيقية للمصالحة ولصنع حضارة المحبة وقبول الآخر ضمن أخوة خلاقة صافية، فلماذا لا ننطلق منها اليوم أيضا في مقاربتنا لمشاكلنا المعقدة، وفي مواجهة ما يحصل في منطقتنا وفي سائر مناطق العالم من عداوات ونزاعات حتى بين الذين يفترض فيهم أن يكونوا بعضهم لبعض من ذوي القربى والمودة؟ ولماذا لا نسعى إلى مصالحات حقيقية في صفوفنا، سواء أكنا من دين واحد أو من دينين يعترفان معا بإله واحد وإنسانية واحدة؟ لماذا نبقى أسرى زمن مضى، بعيدا كان أم قريبا؟ ولماذا لا نجدد فينا الأخوة وشراكة المصير؟


يقول الرب في إنجيله الطاهر: "تعرفون الحق والحق يحرركم". والحق يقال أيها الأخوة، إن الحروب والنزاعات تنطلق كلها من روح السيطرة على الآخر وتعظيم الذات، أو من التصدي لهذه السيطرة والدفاع عن الذات المهددة في حقوقها أو حتى في وجودها. وإن الحروب تنشب فعلا عندما يتوقف الحوار بين المتخاصمين. أما الطريق إلى إيقاف مثل هذه الشرور فإن الخطوة الأولى تبدأ من الإيمان بأن الظلم لا يقبله الله، وبأننا لم نخلق لنقتل بعضنا بعضا ولا لنستعبد بعضنا بعضا بل لنتعارف فيحب أحدنا الآخر كما يحب كل منا نفسه. فإننا باسم هذا الإيمان ندعو أهل المشرق إلى أن يعود كل منهم إلى ذاته وأن يسائلوا نفوسهم ويحاسبوها عن مظالم أوقعوها يوما بعضهم بحق بعض، فيكفوا عنها، أو عن سلوك طريق لرفع هذه المظالم قد يؤدي هو أيضا إلى المزيد منها، فيكفوا جميعا عن هذا السير في التاريخ نحو الوراء بدلا من التقدم نحو حالات أفضل. وبكل محبة نقول: لا يمكن للشرق أن يستمر في سلوك هذا الطريق الوعر، وفي تبديد ثرواته وتدمير ذاته بفعل التطرف الذي يولد التطرف، والذي يسيء إلى الذات مثلما يسيء إلى الآخرين، بقتل الأبرياء منهم وتشريدهم من ديارهم بصورة معيبة وبدون وجه حق".


وقال: "المطلوب هو التصرف بشجاعة من جميع الأطياف، وعدم سجن الذات في أخطاء الماضي وظلماته، والعمل على تخطي ما حدث وكان عبر الغفران المتبادل وشبك الأيدي بالأيدي من أجل مستقبل آمن وزاهر للجميع. لكن هذا العمل يتطلب احتراما حقيقيا للآخر وقبولا به في المجتمعات المتعددة وفي سواها ورسوخا في اليقين بأن التعدد يستطيع أن يقدم لتلك المجتمعات مزيدا من الغنى الروحي والقيم المضافة. فأوقفوا الحروب أيها المتحاربون ولتكن الكلمة لكم بديلا من السلاح والحياة بديلا من الموت والمحبة بديلا من العداوة والبغضاء".


وتابع: "أما في لبنان، فإننا ملزمون باسم الضمير الوطني والإنساني فينا أن نفعل خدمتنا للمنطقة عبر تحصين حياتنا المشتركة ليبقى وطننا مثالا واضحا يحتذى به لدى شعوبها. فهل يعقل في مثل هذا الظرف الخطير، وفيما برزت بلادنا حاجة ملحة للمنطقة بأسرها، أن نعطل رسالة لبنان أو نعرضها للاهتزاز؟ إن هذا الوطن لا يحتمل أن يقهر فيه أحدنا الآخر لأننا في مثل هذا التصرف نضيع رسالته ونلغي وجوده. وإذا بقي الوضع الرمادي على ما هو عليه الآن، فإن توازن البلاد قد يتعرض للتآكل، وبخاصة في غياب رأس جامع يكون رمزا لوحدتها، كما يصاب المجتمع بالتراجع على كل صعيد. وقد يودي تصرفنا هذا إلى ضياع خطير حتى للغايات التي نسعى في إثرها على الرغم من النوايا الصافية. فإننا نناشد أهل الحوار عندنا، أن يكثفوا أعمالهم المشكورة في خدمة الوطن، وأن يضعوا انتخاب الرئيس بندا أوليا ملحا في حواراتهم فنضمن سير مؤسسات البلاد التي صارت شبه مشلولة، ونستمر بعدها في السعي إلى ما هو أفضل على كل صعيد. إن مصلحة البلاد تقضي أولا بانتخاب رئيس للجمهورية ودون أي تأخير إضافي وإلا تعرضت دولتنا لاحتسابها في الداخل والخارج معا دولة فاشلة. هكذا يسلك لبنان والمنطقة درب القيامة، وهكذا تتحول أوضاعنا من جمعة عظيمة ومآس رهيبة، يتعرض لها المسيحيون والمسلمون معا قتلا وتشريدا، إلى انتصار للحب في حياتنا وإلى قيامة لكل ما نملك من إنسانية في تاريخنا المجيد".


وختم مطر: "ليزل الرب القائم من الموت كل عداوة بيننا بقوة صليبه الظافر وفدائه العظيم. فيجدد لنا العيد كل رجاء، ويمسح الدموع من عيون المقهورين ويمنحنا قوة من السماء لنسهم في تجديد الحياة وتغيير الأوضاع، مستمدين قوتنا من قوة قيامته. وليعد الله عليكم هذا العيد الكبير بالخير والسلام، ساكبا على قلوبكم جميعا فيضا من نعمه وبركاته".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم