الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أنا اليمن الحزينة

محمود الزيباوي
أنا اليمن الحزينة
أنا اليمن الحزينة
A+ A-

من بعيد، تبدو اليمن أشبه بجنة أرضية مليئة بالغرائب والعجائب والخوارق. هي في الميراث اليوناني القديم "العربية المباركة"، وهي في الميراث اللاتيني "العربية السعيدة"، وهي في الميراث العربي "أيمن الأرض"، وفيها "آية جنتان عن يمين وشمال"، كما يقول القرآن (سبأ، 15). من قريب، تنقلب الصورة بشكل مناقض: تبدو اليمن تعيسة وبائسة، ويخال من يراجع تاريخها أنها لم تعرف السعادة منذ قرون.


في "معجم البلدان"، نقل ياقوت الحموي عن ابن عباس: "تفرّقت العرب فمَن تَيَامَنَ منهم سُمّيت اليمن، ويقال إن الناس كثروا بمكة فلم تحملهم، فالتأمَت بنو يمن إلى اليمن وهي أيمنُ الأرض فسمّيت بذلك". اختلف أهل الاخبار في رسم حدود "أيمن الأرض". قال راوية العرب الأصمعي: "اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمَان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عَدَن إلى الشحر حتى يجتاز عمان فينقطع من بَينُونة، وبينونة بين عمان والبحرين وليست بينونة من اليمن". وقال آخرون: "حدُّ اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء، وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبيَنَ، وما يلي ذلك من التهائم والنجود، واليمن تجمع ذلك كله".
في القرن الخامس عشر، تحدّث ابن الوردي عن هذه الأرض في كتابه "خريدة العجائب وفريدة الغرائب"، وقال في وصفها: "وأما أرض اليمن، فهي تقابل أرض البربر وأرض الزنج وبينهما عرض البحر. واليمن على ساحل بحر القلزم (أي البحر الأحمر) من الغرب، وكان بين هذا البحر وأرض اليمن جبل يحول بينهما وبين الماء، وكان بين اليمن والبحر مسافة بعيدة، فقطع بعض الملوك ذلك الجبل بالمعاول ليدخل منه خليجاً فيهلك بعض أعدائه وأطلق البحر في أرض اليمن، فاستولى على ممالك عظيمة ومدن كثيرة وأهلك أمماً عظيمة لا تحصى، وصار بحراً هائلاً". تحدّث الراوي عن أشهر مدن اليمن، وقال في وصف صنعاء: "هي مدينة متصلة العمارات كثيرة الخيرات معتدلة الهواء والحرّ والبردّ، وليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أوسع قطراً ولا أكثر خلفاً وبها قصر غمدان المشهور، وهو على نهر صغير يأتي إليها من جبال هناك. وشمالي صنعاء جبل يقال له جبل المدخير وعلوّه ستون ميلاً، وبه مياه جارية وأشجار وثمار ومزارع كثيرة". وقال في وصف عدن: "هي مدينة لطيفة، وإنما اشتهر اسمها لأنها مرسى البحرين، ومنها تسافر مراكب السند والهند والصين وإليها تجلب بضائع هذه الأقاليم من الحرير والسيوف، والمسك والعود والسروج، والأمتعة والأهليجات والحرارات والعطريات، والطيب والعاج والأبنوس، والحلل والثياب المتخذة من الحشيش الذي يفخر على الحرير والديباج والقصدير، والرصاص واللؤلؤ والحجارة المثمنة والزباد والعنبر، إلى ما لا نهاية لذكره".


السدر القليل
ذكر ابن الوردي كذلك تهامة وحضرموت، وقال إنها بلاد "أصحاب الرس" الذين حيّروا مفسّري القرآن. وتحدّث عن مدينة مأرب، ونقل قصة عجيبة عن "السدّ الذي أرسل الله إليه سيل العرم". تقول القصة "إن امرأة كاهنة رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم فأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه، فأخبرت زوجها بذلك وكان يسمّى عمراً، فذهب إلى سدّ مأرب فوجد الجرذ وهو الفأر يقلب برجليه حجراً لا يقلبه خمسون رجلاً، فراعه ما رأى وعلم أنه لا بد من كارثة تنزل بتلك الأرض، فرجع وباع جميع ما كان له بأرض مأرب وخرج هو وأهله وولده. فأرسل الله تعالى الجرذ على أهل السدّ الذي يحول بينهم وبين الماء فأغرقهم، وهو سيل العرم، فهدم السدّ وخرج أهل تلك الأرض فأغرقها كلها". كانت أرض مأرب مليئة بالأشجار المثمرة، "وإذا أرادت المرأة الثمار وضعت على رأسها مكتلها وخرجت تمشي بين تلك الأشجار وهي تغزل، فما ترجع إلا والمكتل ملآن من الثمار التي بخاطرها، من غير أن تمس شيئاً بيدها البتة". عاش أهل مأرب في هذا الفردوس. وكانت أرضهم "خالية من الهوام والحشرات وغيرها فلا توجد فيها حية ولا عقرب ولا بعوض ولا ذباب ولا قمل ولا براغيث. وإذا دخل الغريب في أرضهم وفي ثيابه شيء من القمل أو البراغيث هلك من الوقت والحين وذهب ما كان في ثيابه من ذلك بقدرة القادر. وأذهب الله تعالى جميع ما كانوا فيه من النعيم الذي ذكره في كتابه ولم يبق بأرضهم إلا الخمظ والأثل من سدر قليل". تشير الآية السادسة عشرة من سورة سبأ إلى هذا المصير التعيس: "فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل". الخمط والأثل والسدر أشجار مرة أنبتها الله بدل الأشجار المثمرة، بحسب تفسير القرطبي.
من بعيد، تبدو اليمن تلك الجنة الأرضية التي خلت "من الهوام والحشرات وغيرها فلا توجد فيها حية ولا عقرب ولا بعوض ولا ذباب ولا قمل ولا براغيث". ومن قريب، تبدو اليمن أشبه بهذه الأرض التي لم يبق فيها إلا "شيء من سدر قليل". عرفت هذه الأرض حضارات قديمة متلاحقة كشف عن بعض من معالمها علماء الآثار في القرن الماضي، وجعلت هذه الاكتشافات الأثرية من اليمن خزانة تحفظ تاريخ العرب في الأزمنة التي سبقت الإسلام. يتردد صدى هذا في قصيدة مطوّلة من مئة وسبعة وثلاثين بيتاً على البحر الكامل، أودع فيها نشوان الحميري بعضاً من تاريخ ملوك حمير وأقيال اليمن وتبابعتها، وما كان في تلك العصور الغابرة من حوادث وصناعات تناثرت أخبارها حتى تلاشت، ولم يبق منها إلا الشيء اليسير. نجد شرحاً لهذه القصيدة في كتاب تراثي عنوانه "خلاصة السير الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة"، ويتضمن هذا الشرح نصوصاً نادرة من الزمن الذي اطلق عليه اسم الجاهلية، منها وصايا ملوك حمير وجدودها.


من الأمويين إلى العثمانيين
عرفت اليمن اليهودية والمسيحية قبل أن تدخل الإسلام. انتشرت المسيحية في نجران وتهامة، ودخلت في صراع مع اليهودية الآتية من يثرب إلى حمير، ونقل المفسرون أخبار هذا الصراع في شرح سورة البروج، وفيها: "قُتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود" (4-7). بحسب الرواية المتناقلة التي تتوافق بشكل كبير مع نظيرتها المسيحية، حكم ذو نؤاس اليمن، وهو آخر ملوك حمير، ودعا المسيحيين إلى اليهودية، "وخيّرهم بين ذلك أو القتل ، فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود ، فحرق بالنار وقتل بالسيف، ومثل بهم حتى قتل منهم عشرين ألفا"، كما نقل القرطبي. عُرفت نجران بعد هذه الواقعة بـ"مدينة الأخدود"، والأخدود حفرة عميقة في الأرض كالخندق. دخل الإسلام اليمن بعد اليهودية والمسيحية، وظهر في هذه البلاد عدد كبير من العلماء والمحدثين وكبار رجال الإسلام. في زمن الأمويين، توسّعت الخلافة في اليمن، وبدأت في الانحسار في زمن العباسيين.
في نهاية القرن التاسع، بدأ حكم الأئمة الزيديين في صعدة، وانتقل إلى صنعاء. ظهر المذهب الزيدي على يد يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالرسي، ولقبه الإمام الهادي إلى الحق. ويُعرف المذهب الذي دعا إليه هذا الإمام بالزيدية نسبةً إلى زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويشكل أحد المذاهب الشيعية، ويختلف هذا المذهب بشكل كبير عن مذهب الشيعة الإثني عشرية، وأتباعه في اليمن كثيرون، ويحيى بن الحسين بن القاسم أول أئمتهم. في تلك الحقبة البعيدة، شهدت اليمن قيام دول عدة، منها دولة بني يعفر، ثم دولة بني نجاح، والدولة الصليحية الفاطمية التي قامت في زمن انتشرت فيه الاضطرابات والانقسامات، فتحوّلت البلاد مجموعة من الدول. برزت دولة بني زريع في الجنوب، وتمركزت في عدن. وظهرت دولة بني حاتم في صنعاء ومحيطها، بعدها بزغ نجم الأيوبيين، وانطفأ بعد نصف قرن مع تولي بني رسول السلطة، وقد دخلوا اليمن مع جيوش الأيوبيين، وكانوا على علاقة طيبة مع دولة المماليك المصرية، واستمروا في الحكم حتى منتصف القرن الخامس عشر. طوال تلك الفترة، ظل أمراء بني رسول على عداء مع الأئمة الزيديين في صعدة، ودارت بين الفريقين حروب متواصلة، وظلت سلطة الإمامة الزيدية قوية في شمال البلاد.
بعد الدولة الرسولية، ظهرت دولة بني طاهر في عدن ولحج، وامتد نفوذها في مرحلة ثانية إلى صنعاء، وتُنسب هذه الدولة إلى طاهر بن تاج الدين بن معوضة الأموي القرشي، وقد ناصبت الزيديين العداء، وانتهت مع دخول العثمانيين إلى البلاد في القرن السادس عشر بعد خمس وستين سنة من تأسيسها. حكمت السلطنة العثمانية اليمن في زمن بسط فيه البرتغاليون نفوذهم على الخليج العربي وأقاموا قاعدة عسكرية وتجارية في هرمز، فتحولت اليمن إلى ساحة صراع بين هاتين القوتين، وتعرّضت إلى التخريب. في العقد الأول من القرن السابع عشر، زار الرحّالة البريطاني جون جوردان اليمن، وهو أول بريطاني يزور هذه البلاد. شهد الكاتب خراب عدن، وكتب في وصفها: "لقد كانت مدينة عدن في أيامها الخوالي مدينة مشهورة وحصينة، إلا أنها أصيبت في الوقت الحاضر بالخراب ودمّرها الأتراك. ويوجد في هذه المدينة عدد كبير من العرب ولكنهم في حالة فقيرة بائسة، وهم ليسوا إلاّ عبيدا للأتراك". بعد فترة وجيزة، حلّ السير هنري ميدلتن في اليمن، وشهد تمرد أهلها، وقال: "على الرغم من أن ولاية اليمن، وحتى عاصمتها صنعاء، كانت تحت حكم العثمانيين، فإن منطقة الجبال لا تزال غير خاضعة لهم، إذ إنها تحكم من قبل الرؤساء العرب، الذين يظهرون مقتاً شديداً للعثمانيين الذين يمسكون بزمام الأمور، وذلك بسبب اعتدادهم بأنفسهم وغطرستهم، ولهذا السبب فإنه ليس بإمكان أيّ تركي الانتقال من مكان إلى آخر من غير إذن من الشيخ الذي يمرّون بمنطقته". حافظ الزيديون على نفوذهم، وثاروا مراراً على العثمانيين إلى أن استولى الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم على صنعاء وتعز وعدن، ورسّخ دولة الإمامة في البلاد، لكن البلاد ظلّت منقسمة بفعل الحركات القبلية، وفتح هذا الانقسام الباب أمام بريطانيا، فاحتلت جزيرة بريم، ثم عدن، وراحت تتوسع تدريجاً حتى بسطت سلطتها على كل المقاطعات الشرقية والغربية في مطلع القرن العشرين.


من المملكة إلى الجمهورية
في العام 1911، قامت "المملكة المتوكلية اليمنية" في الشمال، وكان أول حكامها الإمام يحيى حميد الدين. اتبعت هذه المملكة المذهب الزيدي، وحاربت الاستعمار البريطاني في الجنوب. في العام 1948، زار البريطاني إدغار أوبالانس اليمن، وبدأ برصد أحوالها، واستغرب كيف أن اليمن لم تتغير، وقال: "إنّ الوصف الذي أوردَهُ جون جوردان أوّل بريطاني يزور صنعاء ويكتب عنها عام 1609 يظهر كما لو كان معاصراً لعام 1948، حيث لم يقع ثمّةَ تطوُّر في اليمن". عاشت "المملكة المتوكلية اليمنية" أكثر من نصف قرن، وانتهت مع إعلان ولادة "الجمهورية العربية اليمنية" إثر انقلاب عسكري قاده المشير عبد الله سلال في 26 ايلول 1962. في ذلك العام، أُنشئ "اتحاد الجنوب العربي" في رعاية انكليزية، وبعد ست سنوات، انسحب البريطانيون من جنوب اليمن، وتنافست على الحكم "جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل" بقيادة عبد القوي مكاوي، و"جبهة التحرير الوطنية" بقيادة قحطان الشعبي. انتهى هذا الصراع بتسلم الفريق الثاني الحكم، وإعلان قيام "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية"، "جمهورية عربية مستقلة".
ساندت مصر الناصرية جمهورية المشير عبد الله السلال منذ قيامها، وساندت المملكة السعودية الموالين للمملكة المتوكلية، وشهدت البلاد صراعاً طويلاً بين أنصار الملكية وأنصار الجمهورية تحوّل سريعاً إلى صراع بين مصر والسعودية. ألقى عبد الناصر مصر بكل ثقلها في هذه الحرب، وأرسل إلى اليمن ما يقارب السبعين ألف جندي للمشاركة في القتال الدائر، وقال في 23 كانون الثاني 1962: "معركة اليمن معركتنا وثورة اليمن ثورتنا".
بمؤازرة هذه الحوادث، خرج فيلم "منتهى الفرح" كتحية للجنود المصريين العائدين من حرب اليمن، وفيه غنّى فريد الأطرش من كلمات حسين السيد: "حبيب حياتنا كلنا رب العباد يحميك لنا/ الله معاه ينصر خطاه جمال حبيبنا كلنا"، وغنّت صباح من ألحان محمد الموجي: "سلام مربع للجدعان/ بقينا أهل وكنا جران/ يا فرحة طيري وهللي/ ولا تناميش وصهللي/ طول الجناح والجو أمان/ ما فيهش باطل ولا بهتان/ والفضل كله للجدعان سلام مربع". في العام 1965، لحّن محمد عبد الوهاب تحية أخرى للجنود المصريين العائدين من اليمن كتب كلماتها كذلك حسين السيد، وراجت الأغنية رواجاً كبيراً بصوت عبد الحليم حافظ. يقول مطلع هذه الأغنية: "يا حبايب بالسلامة رحتم ورجعتم لنا بألف سلامة/ رحلة نصر جميلة مشوار كله بطولة/ خطوة عزم نبيلة لسنين جاية طويلة/ ثورة شعب بحاله هبت من أجياله/ أيدتم في نضاله وشاركتم أبطاله/ ودافعتم عن شرف العزة والكرامة". إلى جانب هذه الأغنية، خرجت من الإذاعة المصرية أغان عديدة مشابهة باتت اليوم منسية، منها "أخويا راجع من اليمن" التي غنّاها إبرهيم حمودة، و"نشيد اليمن" الذي صدح به محمد قنديل، و"نشيد عائد من اليمن" الذي أدّاه إسماعيل شبانة، شقيق عبد الحليم حافظ. أنهكت هذه الحرب الطويلة الجيش المصري، ولم تكن في أي حال من الأحوال "رحلة نصر جميلة مشوار كله بطولة". انسحبت القوات المصرية من اليمن بعد لقاء عبد الناصر بفيصل بن عبد العزيز في الخرطوم ضمن مؤتمر القمة العربي إثر هزيمة 1967، واستمر القتال الداخلي في اليمن حتى العام 1969.
توالت الانقلابات في الشمال كما في الجنوب على مدى سنوات. تسلم علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية العربية اليمنية في العام 1978، بينما استفحلت الصراعات داخل أجنحة الحكم في الحزب الإشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب. توحّد شطرا اليمن أخيرا في أيار 1990، وتسلم رئاسة الدولة رئيس الشمال علي عبد الله صالح، وأصبح رئيس الجنوب علي سالم البيض نائباً للرئيس. لم تصمد هذه الوحدة طويلاً، فبعد أربع سنوات على إعلانها، تجددت المعارك بين الشطرين، وانتهت بهزيمة فريق الجنوب وإعادة توحيد الشطرين تحت رئاسة علي عبد الله صالح الذي أُعيد "انتخابه" رئيساً في العام 1997. واجه الحكم اليمني تمرداً جديداً على يد حركة أطلق عليها الإعلام الرسمي اسم "الحوثيين"، نسبة إلى قائدها حسين بدر الدين الحوثي الذي قُتل في أيلول 2004، وهو أحد زعماء الزيدية. اتهمت السلطة هذه الحركة بالسعي إلى إطاحة الحكم والعمل على إقامة الدولة الزيدية، كما في زمن "المملكة المتوكلية اليمنية"، بينما جزمت هذه الحركة بأنها تدافع عن نفسها ضد سياسة التمييز والاضطهاد التي تنتهجها الدولة في حقّها منذ سنوات.


أنصار الله
هبّت رياح "الربيع العربي" من تونس الخضراء في أيلول 2010، وبلغت مصر، ثم ليبيا واليمن. أعلن الحوثيون تأييدهم لثورة الشباب اليمنية، واتخذوا لأنفسهم اسماً جديداً، هو "أنصار الله". في حزيران 2011، تعرض علي عبد الله صالح لمحاولة اغتيال في يوم جمعة أطلق عليه انصاره اسم "جمعة الأمن والأمان"، في الوقت الذي سمّاه شباب الثورة والمعارضون "جمعة الوفاء لتعز الصمود". نجا حاكم اليمن من الموت ولجأ إلى السعودية، وهدأت التظاهرات بعد توقيع "المبادرة الخليجية" التي نصّت على تسليم سلطات الرئيس إلى المشير عبد ربه منصور هادي ومنح صالح حصانة من الملاحقة القانونية. انتهت الثورة ولم ينته الصراع القبلي في اليمن. تفككت الجمهورية، وعاد الحوثيون إلى الحرب، وأعلن تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب انضمامه للقتال ضد الجماعة الزيدية المسلحة.
اشتعل الصراع القبلي واحتدم، وانقلبت التحالفات بحسب الضرورات. عاد علي عبد الله صالح إلى الواجهة وكأنه لم يغب يوماً، ولجأ عبد ربه منصور هادي إلى السعودية، وباتت اليمن ساحة من ساحات الحرب العبثية المفتوحة بين النفوذ الإيراني والنفوذ السعودي. في ظل هذه التجاذبات، تبدو "العربية السعيدة" أكثر تعاسة من أيّ وقت مضى، وتتفتت تحت وطأة الصراع المستعر بين السنّة والشيعة. نتابع حوليات هذه الحرب المتنقلة، ونستعيد بيتاً من الشعر نقله ياقوت الحموي في حديثه عن اليمن يوم كانت الخلافة العباسية تلفظ أنفاسها الأخيرة: "خليليَّ طال الليلُ والتبس القذى/ بعينَيّ واستأنَست برقاً يمانيا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم