الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نص \r\nحبيبتي ذبحوها لأن اسمها بغداد

علي السباعي
نص  \r\nحبيبتي ذبحوها لأن اسمها بغداد
نص \r\nحبيبتي ذبحوها لأن اسمها بغداد
A+ A-

أرملة
زمـن الاحتراب الطائفي، يوم نزحنا عن ديارنا بالقوة، كنـا نقف طوابير لشراء الخبز. كـــــان الناس يصطفّــون صفيــن اثنين، صفاً للنساء وآخر للرجال. كان طابور النسوة طويلاً جدا كـأنه أفعى سوداء، وصـــفُ الرجال يتكوّن مــــن ثلاثة أشخاص مسـنّين وأنــــا. جـــــاءت أرملـــةٌ واصطفــتْ فــــي طــابورنـــا، خلفــــي مباشــرةً. أمرها صــاحبُ المخبز المصــري الجنسية أن تقف في طابور النســاء، فقالت بحدة وهي تُعَدِّل من وضع عباءتها السوداء الكالـحة:
- وهــل هنالك رجـــال حتى أقف في صفهــم؟!


* * *


 


زائر
بعد حرب الخليج الثانية، شابٌ، وزوجتهُ الشابة، وطفلتُهما ذات الربيعين نيام. اقتحمت شبـاكَ غرفتهم شظية قنبلـة أطلقهـا مدفع ما وقطعتهم نتيجة الاقتتال الطائفي. كل جسد صار نصفين.


* * *


حظ عاثر
تهدم منزل صديقي نتيجة الحرب الطائفية الأخيرة في العام 2006. أصيب صديقي بالقصف وطار نصف قحف رأسه. رقد في المستشــفى سنة ونصف السنة. تركته زوجتـه وقد أخذت معها أولاده. هو الآن يشحذ في الشوارع.


* * *


رزمة أسئلة
جـارُنــا النازح كــان يسكر كل ليلــة مــن ليالي الحــرب الطائفية حــد الثـَـمَل. يبدأ بعتاب أمـــه:
- لِــمَ ولدتِني في قارة آسيا. لِـمَ ولدتني في العراق. لِـمَ ولدتِني فــي بغداد. ولِمَ ولدتِني فـي شــارع الموت. ولِـمَ أنا نازح؟!


* * *


سكران
مهجّرٌ عراقــــي مخمـــور سـَـئِمَ حيــاته. قبيل تهجيره قصــد ســوق مدينته. حرّر حمارا مـن عربته. ربط نفسَه بدلـه. وسط ذهول مَن في السوق جرّ العربة بحمولتهــا صارخـــا مـــلء حنجــرتــه: ألعنُ الطائفية.


* * *


إنذار
امرأةٌ. قلعت ريح السموم النخلـة الوحيدة في حديقة منزلها. علمـــت أن عزيزاً عندهـــا سيموت. إذا بزوجها يُذبَح بحسب الهوية.


* * *


إنسان
ذات حرب طائفية كنت انظر إلى الحمار... وأحسده.


* * *


جنوبية
أتسكع تسكعـــا معرفيا فـــي أحــد شوارع النــاصرية. الناصريـــة التـــي هـــي أشد خرابا مـــن واســط القديمة. واجهتني شابةٌ عراقية مهجرة متعبة تستجدي المــــارة بكفين مقطوعتين.


* * *


تجار ميزوبوتاميا
دلفتْ إلـى مقهى التجار امرأةٌ نازحة مقوسة الظهــر... تستجدي. لــــم يُعْطِها احدٌ شيئاً. ألحّـت فـي طلبهِا. نَهَرَها صاحبها: أخرجــي. ألا تخجلــين. أنتِ وسط الرجال. عيب!
قالتْ بمرارةٍ وحزنٍ غريبين في أثناءَ مغادرتها وكانت تهز يدهــا اليمنـــى باستهـــزاءٍ قَـــــلّ نظيـــرهُ: وأينَ هم الرجال؟!


* * *


مهرّب
عراقية برفقتها أطفالُها الثــلاثة، بنتان وولــد، برفقةِ مهرّبٍ يحاولــون اجتيــاز الحــــدود للذهاب إلى زوجها الذي هرب من الحرب الطائفية. راودها عــن نفسها. رفضت. فذبح ابنتـها البكر. امتنـــعت. فنـحر الثانية. أبـــت. ذبـــح طفلَها الثــالث. همَّ بهـا. قاومتـهُ.
ذبحهـا.


* * *


ابتسامة
ذات بغداد. أسيـرُ فـي شـارعٍ مقفــر لأحد العشوائيات. السمـــاء تُمْطِــر بتقطع. صاحبَها بـَـرْقٌ متبوعٌ برعــد. فتـــاةٌ بعمـــر تســـع سنوات تزيـــن صـــدرَها قـــلادةٌ ذاتُ سبـــعِ عيـــون. مــررتُ بقربـهـــا. ابتسمـــتْ بوجهـــي ابتسامـــةً موحيـــةً. قالـــتْ لي: هل تريد أن تلهو؟
تساءلتُ متعجباً: ماذا يا ابنتي؟
أجابتني بهدوء مبتسمةً وهي تشير إلى الدار الواقفة على عتبتها: هنــا فـي الداخل أخواتي الشابات النازحات بإمكانك اللهو بهنّ.


* * *


إعلان
شابٌ جالسٌ علــى كرسي خيــزران عند مدخـــل مقبــرة، وقد عَلَق خلفَه لافتة تشير بسهمٍ مصوَّب ناحية رأسه، كُتِب عليها بخط الرقعــــة الرقيق: "شاب نازح بعمر الزهور يريد الزواج".


* * *


أنا
طيورٌ رمادية قوية مهيبة تحلّق في سماءِ الزوراء، متخذةً في طيرانها الانسيابي شكلَ دائرة واسعة كلّمــا استمر تحليقها كـــانت الدائـــرة تضيق وكان بينهن طائرٌ واحدٌ أبيضُ رشيقٌ وجميل جداً، وَضَعْنَه فــي منتصف الدائرة التـي قـــد صَنْعنَها بطيرانهِن. كانَ ذلــكَ الطائـرُ الأبيضُ أنا الذي هجرت قسراً عن دياري لأنني من طائفة أخرى.


* * *


بلدةٌ ميتة
ذات حرب طائفية. الناسُ في بلدتنا الطيبة يتشاءمون مــن صوت البلابل، إنهم يكرهونها. ويتفاءلون بنعيق الغربان، يحبّونها، وتجدهــا عندهـــم مدللــة جـداً، تمــلأ الأمكنة كلهـا. عجيـــبٌ أمـرُ أبنائهـــا، يغتالــــون البلابــل الصادحة المغردة؟!


* * *


تحقيق
قام مسلحون بقتل كل ماشية فَــلاح جنوبي كهـــل نحيــف قصيــر ذي عينين سومريتينِ شجاعتيـــن ذكيتين، وعمــــدوا إلــــى هـــدم داره بــجرافاتــــهم، خَيَّروه بين النزوح أو إعــــدام أبنائـــه أمـــــام عينيه. رفــــض.
أعــــدم المسلحون أبناءه الثمانية رميـــــاً بالرصــاص وأمــــام عينيه المتحديتـــين. لأنه كان رافضاً التهجير.


* * *


عقوبة
مسلحون يمسكون بشيخ وشــاب. رفضا إخلاء دارهما. يربطانهما ظْهراً لِظْهر. يسكبون عليهما ماءً بارداً ويتركانهما فـــي عراء ليلــةٍ شتائيةٍ قارسةٍ جدا.
صباحاً: وجدوا الشيخَ ميتاً، والشــاب مصاباً بالشلل.


* * *


ميتة
عينـــاه جاحظتان تستغيثان، وفمـــهُ مفتـــوح علـى سعته، كأنه يطلق صـــرخةً احتجاجيـة.
لحظة ذبحة لأنه رفض مغادرة داره.


* * *


غزل
كانت لعبةُ طفولتنا في العراق إبان حرب التهجير الطائفية أن نصنع صواريخ من ورق دفــاتر دراسـتنا ونُطْلقها علــى بنات جـيراننا في حي الصفيح.


* * *


عرس
قبـيـل زفافهما، عريسٌ ينتظر عروسه أمــام مصففة الشعر. تسود شارعَ الكرادةِ فرحةٌ ملونة بأحـلى الأغـاني والرقصـات. انفجرتْ سـيارةٌ مفخخة هـزّتْ بغداد. راح ضحيتَها أناسٌ كُثر. عمد أهـل العروسين إلى زفافهما بموكب عرْسٍ جميل إلى مقبرة وادي السلام.


* * *


مشاجرة
في إحدى عشوائيات دار السلام مهجرٌ تشاجر مع زوجته. أراد أغاظتها... فقتــل ابنته ذات الربيعين.


* * *


ضحية
سمراء متشحة بالسواد تجلس أمــام إحــدى بوابات القصــر الجمهــوري. تضع دميةً بلاستيكية في حضنها. تناغيـها. تناغيهــا بلا ملــل. سألــتُ عنهــا، قالـــوا "إن ميليشيات مسلحة قَتَلــتْ طفلتها وزوجها بحسب الهوية".


* * *



مقصلة
كانت حبيبتي في انتظاري. اعترضتنـي وابتسامتـها حلوة مثلهـــا قائلة: أبهذه السرعة استطعتَ أن تنساني؟ حييتُهــــا بأحلى ابتسامة، وأديتُ لها تحيةً عسكـــريةً، قلتُ لها بمودة:
- حُبّكِ وأنتِ مثل لون عيني ولون بشرتي أبدا لا يتغيران فــي قلبي.
ضَحِكَتْ، وقالت بدلالٍ متعجبة:
- أتحبّني؟!
قلتُ لها بمحبة:
- أموتُ لأجلك.
فزعت من نومي لان يوم أمس حبيبتي ذبحوها لأن اسمها بغداد.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم