الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف تأمّن النصاب لانتخاب الياس سركيس وبشير الجميّل؟

ريمون عبود
A+ A-

في 31 آذار عام 1976، وصل الى بيروت المبعوث الأميركي دين براون، لتقصي الحقائق والاجتماع بكل الأطراف المعنية بالأزمة، قال: "مهمتي تحليل الوضع وتقييمه واقتراح اختيارات ممكنة". أعلن تأييده المبادرة السورية، ورسم للموارنة المواصفات الأولية لشخصية الرئيس: "بأن الرئيس الجديد سيعلن فور انتخابه أنه لا يملك جيشاً ويطلب بالتالي الاستعانة بقوات سورية". (نسب اليه عرضه على المسيحيين الهجرة الى كندا، الأباتي بولس نعمان في مذكراته صفحة 112 ينفي ذلك). زار ريمون اده وجرى بينهما الحديث التالي: "تبيّن لنا أن 80% من المسلمين و60% من المسيحيين يؤيدون وصولك الى الرئاسة، ما هي خطتك لفرض الأمن وبأي وسيلة – اعتمد على الجيش – لا يكفي – أطلب قوات دولية – نستعمل حق النقض... ليس أمامك سوى الاستعانة بالجيش السوري. رفض العميد وأجابه: لدي لائحة بخمسين ماروني يقبلون، انصرف على أمل العودة، فخاطبه العميد: اذا رغبت في العودة لاستكمال البحث فاعتبره منتهياً، أما لتناول كأس ويسكي فأهلاً وسهلاً . بعض الحاضرين قال للعميد: "إقبل وبعد ذلك تبدّل رأيك"، فأجابهم: "بعدكن ولاد بالسياسة". وافق الياس سركيس على دخول الجيش السوري، صفقة أميركية – سورية برضى اسرائيلي وبغطاء من كميل شمعون وبيار الجميل، مرة اخرى نجحا في ابعاد العميد عن الرئاسة، بقيت مسألة تأمين النصاب: دعت الأحزاب الوطنية الى الاضراب للحؤول دون عقد الجلسة احتجاجاً على التدخل، وحصل اتفاق مع ياسر عرفات على توجيه القذائف على محيط المجلس.
زار سوريا واجتمع مع حافظ الاسد واتفقا على امرار الاستحقاق وعاد سراً الى بيروت!، يوم الجلسة اطلقت بعض القذائف كرفع عتب، كيف تم التهويل على النواب: تعرّضت القبيات للقصف، صمد مخايل الضاهر ولم يحضر، إنما سليمان العلي أعلن "تأييده الياس سركيس بناءً على رغبة الشقيقة سوريا" حسن الرفاعي، البر منصور، حسين الحسيني تغيّبوا: "لتغيّب الشعب والكرامة". ميشال ساسين صرّح: "عملت المستحيل واجتهدت مستلهماً ضميري... في جمع الرأي حول مرشح واحد هو صديقي وأخي ريمون اده واليوم اتخذت كتلة الأحرار قراراً إلزامياً! بتأييد الياس سركيس، انسجاماً مع روح الانضباطية!! لا يسعني إلا أن التزم قرار كتلتي". اطلقت النار على سيارة أمين الحافظ، احضر بعض النواب بسيارات "الصاعقة". نزيه البزري خرج عن قرار كتلة صائب سلام وحضر، كذلك بهيج تقي الدين خرج عن قرار جبهة النضال الوطني. اتصل العميد بجوزف سكاف قائلاً له "متوقّفة عليك" اشتد القصف على زحلة، عندها نزل سكاف الى الجلسة مع نواب كتلته الياس الهراوي، حسين منصور، حسن زهمول الميس ونواب البقاع الغربي ميشال معلولي وسليم الداوود، فاكتمل النصاب وفاز الياس سركيس بـ66 صوتاً ومقاطعة 29 نائباً. انتصر حافظ الأسد وانهزم التيار السيادي، اغتيل كمال جنبلاط هجّر العميد الى فرنسا، لكن بقيا رمزاً للجرأة والنزاهة. عام 1982 اجتاحت اسرائيل الجنوب وصولاً الى العاصمة، حصيلة الاجتياح فرض بشير المبجل رئيساً دون الأخذ برأي مكوّنات البلد. المعركة معركة نصاب لا أصوات، استعملت مختلف الوسائل وصولاً الى الاغتيال: احضر اميل روحانا من قرطبا قبل اسبوع من الجلسة وحجز في فندق، البر مخيبر لم تنفع معه كل الضغوط، تمترس في بيت مري (عام 2000 بعد انسحاب اسرائيل نزل إلى المجلس، وقف شامخاً مطالباً بانسحاب الجيش السوري). أطلقت النار على حسن الرفاعي لقتله وتخفيض النصاب، فشلت المحاولة لكن شلّت يده، حاول فؤاد لحود النزول الى بيروت الغربية، أوقف عند "غاليري سمعان" واحضر، فتفاجأ الرئيس شمعون بوصوله! ذهبت ملاّلة الى عيتات لاحضار توفيق عسّاف، لدى التأكّد من اكتمال النصاب افرج عنه. فؤاد غصن الشهابي الذي أمّن نجاح سليمان فرنجيه، صوّت لبشير، فنسف الزغرتاويون منزله في كوسبا. في المقابل رينه معوّض والأب سمعان الدويهي صوّتا أيضاً لبشير، حماهما توازن الرعب بين عائلات زغرتا. انعقدت الجلسة في حضور 62 نائباً وفاز بشير الجميل بـ 57 صوتاً. حقائق نضعها أمام الأجيال الصاعدة، علّها تخفف انقيادهم الأعمى وراء أشخاص يدّعون الزعامة، يتلقّون التعليمات من أسيادهم وأصبحوا أدوات في يد الخارج. ترى متى يبلغ اللبنانيون سن النضج؟ هل استعجلوا الاستقلال؟ هل هم في حاجة الى وصاية دائمة؟ لذلك سيطول الانتظار لانتخاب رئيس على ما تبقى من الجمهورية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم