الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ايليا سليمان يحاكم نفسه في الدوحة: أنا رجل جبان أخاف من كلّ شيء!

المصدر: "النهار"
ايليا سليمان يحاكم نفسه في الدوحة: أنا رجل جبان أخاف من كلّ شيء!
ايليا سليمان يحاكم نفسه في الدوحة: أنا رجل جبان أخاف من كلّ شيء!
A+ A-

عاد المخرج الفلسطيني ايليا سليمان الأحد الماضي في الدوحة، ضمن نشاطات تظاهرة "قُمرة"، الى مسيرته السينمائية والشخصية، بدءاً من طفولته الملولة في الناصرة الى أفلامه الثلاثة الطويلة التي كرّسته واحداً من أرفع المخرجين شأناً في العالم. تحدث بإسهاب في حوار متدفق مع الخبير السينمائي والمبرمج القدير ريتشارد بنيا طوال ساعتين من الزمن أمام حفنة من المهتمين. في حرص لافت لرسم بورتريه مغاير لذاته، أعلن صاحب "يدٌ الهية" مواقف تشمل السينما والسياسة والحياة عموماً، ولم يتوانَ عن استعادة فصول مؤلمة من سيرته لا يزال يحتفظ بطعمها المرّ تحت لسانه. عربيٌ في أميركا، متأمرك في فرنسا (في مرحلة ما)، عدو الدولة في اسرائيل (يحمل جنسيتها) و"مستسلم للعدو" عند بعض العرب الحمقى، اصبح سليمان (1960)، المقيم في باريس منذ سنوات، رمزاً للمخرج الذي وجد في السينما ادفأ أنواع الأوطان. في الآتي، تفاصيل ما جاء في الحوار:


1 ــ "ترعرعتُ وانا امضي معظم وقتي انتظر في محطات الباص"


"لا يوجد اي شيء في مسقطي الناصرة. وهذا "اللاشيء" هو الذي ألهمني ربما. انها مدينة صغيرة، طريق رئيسية واحدة. انها غيتو فيه كثيرون من العاطلين عن العمل. مدينة مزنرة بالعنف والاصطفاف. ترعرعتُ وانا امضي معظم وقتي انتظر في محطات الباص، والباص لم يكن يصل. كنت اضجر واريد الرحيل. منذ بلغتُ الرابعة عشرة لم أكن أفكر الا بالرحيل. الثقافة في الناصرة كانت مسيسة. هناك لحظة صار فيها الحزب الشيوعي قوياً، وهذا جعل الناصرة مركزاً للفلسطينيين الذين يعيشون داخل اسرائيل. لم تكن هناك الا سينما واحدة في الناصرة، تستطيع أن ترى فيلمين ببطاقة واحدة. عادة، كان يُعرض فيلم لبروس لي أو ما شابهه من افلام فنون قتالية او فيلم ايروتيكي. الذين كانوا في مثل حالتي كانوا يرتادون السينما يوم الأحد. أنا لم أكن يوماً سينيفيلياً. كان على الاولاد الذين يريدون دخول الصالة أن يقفوا مع الحائط، ومَن لا يستجيب يتعرض للتهديد من قبل الرجل الذي كان يعمل هناك. صدقني: هذا فيلم. في احدى المرات، تعرض أخي للضرب من هذا الرجل، فجاء بكمية من الحجار وحطم شبابيك السينما. هكذا اختصر تربيتي السينمائية".



طفولة ملولة في الناصرة ("الزمن الباقي" ــ 2009).


2 ـــ "أمام فيلم لغودار، كنت أتساءل: من هذا؟"


"عندما وصلتُ الى نيويورك كنت مهاجراً غير شرعي. تركتُ المدرسة حين كنت في السادسة عشرة وخرجتُ من البلاد بعدها بعام. في نيويورك، عملتُ بوظائف غريبة، كنت اتقاضى ثلاثة دولارات و25 سنتاً في الساعة. كنت أتناول جوانح الدجاج كي اصمد، لم تكن موازنتي تسمح لي بأن أكل شيئاً آخر. كنت على هامش الحياة الثقافية في نيويورك، هذه اول مدينة كنت ازورها، فلم اعرف اين أموضع نفسي فيها. كان الأمر معقداً، كنت في حالة بارانويا دائمة؛ كلما رأيتُ شرطياً في الشارع أخاف أن يسألني عن أوراقي! وجب عليّ تثقيف نفسي وتأهيلها. آنذاك، لم اكن قرأتُ كتاباً واحداً والأفلام التي شاهدتها قليلة جداً. في المعهد الذي دخلته في أميركا، كنت اتسلل من باب الطوارئ عندما يتم اطفاء الضوء لعرض الفيلم. لم أكن معجباً بأي من الأفلام التي كان يقدمها الاستاذ. كنت اجدها مفزلكة. لم أكن امتلك اي ثقافة سينمائية. أمام فيلم لغودار، كنت أتساءل: من هذا؟ اي شيء يخرج عن اطار السينما النضالية المباشرة، كنت اعتبره صنيعة البورجوازية. تعلمت هذا في الناصرة ووظفته في نيويورك. كنت استمتع أكثر بفيلم "مفقود" لكوستا غافراس. بدأتُ اطلب الى الاصدقاء تزويدي لائحة الكتب المهمة التي ينبغي لي قراءتها".



"أي شيء يخرج عن اطار السينما النضالية المباشرة، كنت اعتبره صنيعة البورجوازية".


3 ــ "اول لقطة صوّرتها في حياتي كانت رأس ماعز"


"جئت الى نيويورك عندما كنت في الحادية والعشرين وانجزتُ عملي الأول، "مقدمة لنهاية جدال"، في الثلاثين. حاولت تأليف سيناريو، واتذكر ان اول سيناريو نظرت اليه في حياتي كان "تشايناتاون" لبولانسكي. عندما كنت اصل الى الفقرة المخصصة للمسائل التقنية لم أكن افهم شيئاً. في تلك المرحلة ايضاً بدأتُ اطرق الأبواب. بعد ثلاث سنوات ونصف السنة في نيويورك لم اعد قادراً على تحملها، لأنني لم أكن اعرف ماذا افعل، فعدتُ الى فلسطين. كان لأخي كاميرا "في اش اس" ضخمة يصوّر فيها اعياد أولاده. كان لي صديق راع يدرس في الجامعة قبل الظهر ويرعى اغنامه بعده، وأنا كنت اتسكع معه. اول لقطة صوّرتها في حياتي كانت رأس ماعز؛ "كلوز ابّ" لماعز يمضغ لنحو خمس دقائق. كنت انظر الى الماعز والماعز ينظر اليّ، هكذا انبهرتُ بالسينما للمرة الاولى". 


[[video source=youtube id=Q3uN0mpSM_U]]


4 ــ "كنت أجبر نفسي على مشاهدة الأفلام"


"عندما عدت الى نيويورك، كنت قد ادخرتُ بعض المال وقررتُ أن أباشر مشاهدة الأفلام جدياً. كنت بدأتُ اقول للجميع بأنني اريد انجاز الأفلام، ولكن بصراحة لم يكن لي ادنى فكرة كيف تُصنع الأفلام. كنت آمل الا يسألونني ماذا درست لأنني لم أدرس شيئاً. فجأة، بدأتُ اشاهد الكثير من الأفلام! ولكن كنتُ أجبر نفسي. لم أكن استمتع. كنت ابتاع بعض النودلز وأدخل الصالة. مشاهدة افلام أوزو هي التي أقنعتني بأنني قادر على صناعة فيلم. تماهيتُ فوراً مع وجهة نظره الكاميرائية. بعدها، شاهدتُ أفلام هاو سياو ــ سيين، ومذذاك راحت محاولاتي الكتابية تمشي على خطاه. النسخة الاولى من "سجل اختفاء" كانت شبيهة جداً بـ"غبار في الريح". قلدتُ سيين قليلاً مع احساسي بأن هناك شيئاً في السينما اليابانية والصينية متوغلة في أجواء مشابهة بالمكان الذي جئت منه. الزوجان اللذان يراقبان القطار وهو يعبر امامهما يذكّرانني بأهلي وهما يواجهان الظروف السياسية الطارئة. في كلا الفيلمين، يتشارك الناس حقيقة انهم مضطرون للعيش تحت الاحتلال. اهلي مثلاً لم يفهما لسنوات ان هناك لغة عبرية مفروضة عليهما. كانا في حالة نكران لهذا الوضع كنوع من محاولة للاقامة في الأمل. لا أزال اذكر طريقة والدي في النظر الى الارض عندما كان يعبر في مركز للشرطة. من أجل السماح له بالسباحة في البحيرة، كان يذهب كل يوم احد الى مركز للشرطة لطلب اذن لمغادرة الناصرة. حتى عندما كان يحصل على الاذن، كان يعود الى المنزل وفي نظرته انكسار ما".



"سجل اختفاء" (1996).


5 ــ "ان ينجز الفلسطيني فيلماً، كان هذا شيئاً مشبوهاً"


"بدايتي الحقيقية كانت في مهرجان روتردام السينمائي يوم عُرض "مقدمة لنهاية جدل". بدلاً من ثلاثة عروض، حظي الفيلم بسبعة منها. بعد مشاهدة الفيلم، طلب اليَّ المنتج التونسي احمد بهاء الدين عطية ان اشارك في انجاز فيلم جماعي عن حرب الخليج. "سجل اختفاء" لا احد اراد تمويله. النحو الذي تصرف به المنتجون الفرنسيون عندما حملتُ اليهم مشروع "سجل اختفاء" كان فظيعاً. حتى ان بعضهم شتمني. اتذكر ان احدهم اتهمني بأنني مجرد مخرج متأمرك، معتبراً ان النص الذي كتبته ليس لديه اي علاقة بفلسطين. كان هذا المنطق السائد آنذاك. فهم يعرفون أكثر مني كيف هي فلسطين. يعرفون أكثر من خلال تفويضهم مخرجين فرنسيين لانجاز افلام عن فلسطين. ان ينجز الفلسطيني فيلماً، كان هذا شيئاً مشبوهاً، وكأننا نعاني من اعاقة في خيالنا. كانوا يعانون من عقلية ما بعد كولونيالية. هم يريدون مساعدتنا فعلاً، لكن بشرط أن نكون الموضوع وليس الصانع. لا أحد من المنتجين الفرنسيين كان ايجابياً حيال المشروع، وانا اعتقد انه يجب عليّ ان اشكرهم لأنني اتممتُ الفيلم من مالي الخاص. لو تولى انتاجه هذا النوع من المنتجين لكان أصبح فيلماً آخر، فيلم اكثر انفتاحاً على الحالة الجماهيرية. كنت حراً في كل قراراتي. كان هذا شيئاً نادراً.
أفلامي أوتوبيوغرافية جزئياً. وكي انجزها عليَّ بكل بساطة ان اعيش. أحلام اليقظة هي أشبه بعملية بحث وتأليف. لذلك، يجب أن أجلس في زاوية وان اشاهد مرور الحياة لعله يحصل شيء ما فيها. هذا شيء اكتسبته من الناصرة عندما كنت اطرح تساؤلات بلا هدف... لا ازال على اقتناع بأنني لستُ مخرجاً. لديّ اصدقاء وهم فعلاً سينمائيون وناشطون في الوسط السينمائي ولديهم علاقات بالمنتجين. طبعي الذي يمنع عني القيام بالمبادرات يحرمني من هذا النوع من التواصل".


6 ــ "... كنت أخشى ان تتصهين فلسطين من خلال اوسلو"


"عندما حققتُ "سجل اختفاء"، كنت في حالة خيبة جراء اتفاق اوسلو ومستاء من تخاذل الدول العربية وتخليها عنا. كان الفيلم انعكاساً نابعاً من القلب عن حالتي. في احد مشاهد الفيلم، انتقدتُ الفلسطينيين ايضاً من خلال نقد حسهم الوطني المتصاعد. كان بعضهم يريد فرض حب فلسطين فرضاً. كنت أخشى ان تتصهين فلسطين من خلال اوسلو، فيجري جرهم الى اعتبار القضية الفلسطينية حكراً على الذين في داخلهم دمّ فلسطيني. بالنسبة لي، ان تكون فلسطينياً لا يعني ان تقفل حدودك في وجه الآخرين. كنت بدأت اشعر بانتهاك لكرامة الآخرين. كنا نحذو حذو الايديولوجيا الصهيونية ونطرح انفسنا أبطالاً. كانت لي نظرة منتقدة لهذه الظاهرة.


في تلك المرحلة، كنت اعلّم في جامعة بيرزيت، وكان هناك حصة دراسية عن البروباغندا الصهيونية والسوفياتية في السينما الصامتة، وكان هدفي منها تعليم الفلسطينيين ما يجب تجنبه، كأن يكون لنا الكثير من الحب للأرض مثلاً. الهوية الفلسطينية لم تكن يوماً بالنسبة لي شيئاً يرتبط بالدم والارض. لا معنى للهوية الفلسطينية اذا كانت تمنع أن نضم الينا كل الذين يقفون مع القضية الحقة من خارج حدود فلسطين. في بداية تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في الاردن ــ في البداية فقط ــ كان يمكنك الحصول على بطاقة هوية من المنظمة حتى لو كنتَ دانماركياً. كانت حركة ثورية أكثر صدقاً من الهراء التي تحولت اليها لاحقاً ــ لا أقصد جميع اعضائها طبعاً، ولكن بعضهم لا علاقة له بالثورة".



"يدٌ الهية" (2002).


7 ــ "عشتُ حياتي قلقاً مرعوباً من فكرة ان يحلّ بي ما لا اريده"


"أنا رجل جبان. أخاف من كل شيء. أخاف من الناس ومن ركوب الطائرة. عشتُ حياتي قلقاً مرعوباً من فكرة أن يحلّ بي ما لا أريده. لم يكن سهلاً أن أطلب الى والدي أن يقبلا الظهور في "سجل اختفاء". لم أخف أن يرفضا فحسب بل أن يقبلا (!). كانا بدأا يطعنان في السنّ وغير قادرين على فهم معنى أن تخترق خصوصيتهما بفريق تقني ومعدات تصوير. ذات يوم، كنا نشرب القهوة على شرفة منزلنا في الناصرة عندما فاتحتهما بالموضوع، فرأيتُ وجه والدي يشع نوراً. كانت هذه فرصته أن يشارك في فيلم. كان والدي شاهد الكثير من الأفلام الهوليوودية في الخمسينات أيام شبابه، وعندما اقترحتُ عليه الدور وجد نفسه يرتقي الى مصاف همفري بوغارت. رأيته في منتهى الحماسة خلال التصوير الى درجة انه وقف مراراً خلف الكاميرا وأعطاني تعليمات. في هذه المرحلة، لم تكن هناك سينما فلسطينية. كان هناك ميشال خليفي وأفلام قصيرة لرشيد المشهراوي. لم يكن الناس يفهمون ماذا يعني أن تقفل طريقاً للتصوير. كان الممثل بالنسبة للفلسطينيين ذاك الذي يعتلي خشبة المسرح ويتكلم بصوت عال. عدم التمثيل كان تمثيلاً. بعد ذلك، قاطعني الممثلون في فلسطين لأنني اخترت ممثلين غير محترفين".


[[video source=youtube id=ICkLnlDnOIk]]


 8 ــ "رؤية فلسطينيين يضحكون، هذا أغاظ كثيرين!"


"بعد عرض "سجل اختفاء"، كتبت الصحف الاسرائيلية انه يجب استبعادي. اتذكر مقالاً يقول فيه الكاتب ان هذا المشهد هو أسوأ هجوم حصل على اسرائيل اطلاقاً، مستطرداً انه "حتى الجيش الاسرائيلي لن يرجع الينا حقنا". النقاد العرب لم يروا ان مشهد النشيد الاسرائيلي الذي يختم الفيلم يصور والديّ وهما نائمان أمام العلم الاسرائيلي في نوع من تأكيد لعدم اكتراثهما بالامر. الاسرائيليون فهموا هذا، ولكن جماعة السينما في العالم العربي رفضت فهمه. في مصر، صدرت فتوى في حقي تبيح دمي. بيد انني سعدتُ أن أكون على اللائحة نفسها مع ادوارد سعيد، وعندما رأيته قلت له أننا فجأة تعادلنا... في الموت. بعد عرضه في تونس، عادت النسخة وفيها طعنات. بعد هذا الفيلم، تم استبعادي من اماكن كثيرة، هُددت واصبحت محرّماً. المقالات التي نُشرت في صحف مرموقة كـ"الحياة" مثلاً قالت بأن هذا الفيلم لن ينال جائزة في البندقية، لأن قصته من نسج خيالي. أحد النقاد كتب ان هذا تجميع مشاهد وليس فيلماً. اعتقد ان مشكلة الفيلم في كونه يطرح "هيومر" لا يحق للفلسطينيين عادة امتلاكه. رؤية فلسطينيين يضحكون، هذا أغاظ كثيرين. للمناسبة، هذه مشكلة يهودية عانى منها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. كل محاولات ادخال الطرافة الى ابجديات المقاومة جبهت بالرفض والتنديد من جانب يهود آخرين. كان مرفوضاً التعامل مع مأساتهم بهذه الطريقة. بيد ان الغريب في الأمر أنني عندما أنجزتُ "يد الهية"، تحولتُ فجأة من عميل صهيوني الى بطل قومي، ومن جانب الأشخاص ذاتهم. في تلك اللحظة، بدأتُ أشك فيهم أكثر. كيف كان من الممكن ان أتحول من هذا الى ذاك بفيلم واحد؟ هناك حتى جريدة مصرية اعتبرتني تبت"...


[[video source=youtube id=zjkFx4pMO78]] 


9 ـــ "بعض المخرجين العرب كانوا يبصقون أرضاً عندما يرونني امرّ"


"بعد فوزي بجائزة البندقية، كنت اشعر بالفخر، واول شعور راودني هو ان أذهب الى بلد عربي. كنت متحمساً للقاء ناس يتكلمون مثلي والذهاب الى أوطان غنية بالثقافات. "قرطاج" اول مهرجان شاركتُ فيه بعد البندقية، كنت سعيداً وفخوراً. ثم، فجأةً، وقعت الصدمة. لم أكن اتوقع رد فعل كهذا. لم اعلم ان العلم الاسرائيلي سيفعل كل هذا. امام الفندق حيث نزلت، عناصر مسلحة من منظمة التحرير كانوا يؤمنون حراستي مع رشاشات أم 16. بعض المخرجين العرب كانوا يبصقون أرضاً عندما يرونني امرّ. حتى قبل مشاهدة الفيلم كان بعضهم بدأ بإطلاق صيحات الاستهجان ضده، اذ ان احدهم كان نشر اشاعة انني متصهين. كنت ساخراً ولكن لم اكن لئيماً قبل هذا الفيلم. ولكن كيف لا تكون لئيماً عندما ترى تحول بعض من هاجمني، ما ان فاز "يد الهية" في كانّ. هذا ترك في فمي طعماً مراً. مهما حاولنا ان نفهم منطق العالم العربي قبل "ربيعه" - من انظمة فاسدة وتواطؤ النقاد والكتاب الزائفين معها؛ ومهما حاولت أن تحلل ميكانيزم الديكتاتوريات - الا انك ستصاب بصدمة عندما ترى أمامك رجلاً كان يفعل شيئاً والآن يفعل عكسه".


 10 ـــ "في اللحظة التي بدأوا يبنون فيها دولة وجيشاً، فقدوا يهوديتهم"


"كان والدي في المقاومة، وسمعتُ منه هذه القصص مرات عدة. تم القبض عليه وتعذيبه. رموه من احد المرتفعات وألقوا عليه صخرة ولكنه نجا بأعجوبة. بقي في الغيبوبة لأيام عدة قبل ان يعود الى الحياة. أمي أخبرتني كل هذه القصص. كان رجلاً قوياً، ولكنه شاخ وأصيب بالمرض. كان يروي لي حكايات كثيرة طوال الوقت، كنا مقربين جداً. عندما بدأ يمرض، طلبتُ اليه ان يجلس صباحاً ويكتب ما كان يرويه لي. طلبتُ اليه أيضاً ان يزودني بعض المعلومات البصرية. كتب ما عاشه، فاحتفظتُ بذلك الدفتر الذي دوّن فيه لسنوات طويلة، وكنت في كل مرة اعود اليه أدرك مجدداً انني لستُ جاهزاً بعد. تربّى والدي في الحيّ الذي ولدتُ وتربيتُ فيه، وكل الحوادث التي رواها في مذكراته حصلت في بيت جدي الذي يقع بالقرب من بيتنا. اذا كان كتب عن رجل مصاب مثلاً، كان يقول لي: "اذهب وتأكد من الرصاصة اذا كانت لا تزال عالقة في الشباك". فكنتُ اذهب الى المنزل المعني واجد الرصاصة. لذلك، الكثير من اللقطات صورتها في المكان الذي جرت فيه الحوادث الحقيقية. حاولتُ أن ادنو قدر المستطاع من شيء لم اعشه. هكذا وُلد "الزمن الباقي".



سينما الأم والأب... وفلسطين.


الفيلم جعل الكنيست الاسرائيلية تعتبرني عدو الدولة (فتوى اسرائيلية). اثار الفيلم نقاشاً حامياً، الأمر الذي منعني من العودة الى منزلي طوال ثلاث سنوات ونصف السنة، ولكن هدأ هذا كله بعدما بدأ بعض المثقفين الاسرائيليين اليساريين بنشر مقالات تهاجم الكنيست. في الحقيقة، هؤلاء الناس لا يمكن تسميتهم اسرائيليين، بل اعتبرهم يهوداً. معظم اليهود في اسرائيل لم يعودوا يهوداً لأنهم ينتمون الى هذا الاحتلال العنصري البغيض، انهم ايديولوجياً أقصى اليمين. البقية هم الذين يحافظون على الأخلاقيات والتقاليد اليهودية المنتشرة في كل مكان. في اللحظة التي بدأوا يبنون فيها دولة وجيشاً، فقدوا يهوديتهم. منتجي المنفذ هو من هؤلاء الذين بقوا على القيم اليهودية، حتى انه يذهب بعيداً أحياناً في تصريحاته ومواقفه كدعمه لـ"حزب الله" مثلاً. في حرب لبنان الاخيرة، خسر كل عائلته واصحابه لأنه قال ان نصرالله على حقّ".



ايليا سليمان كما صورته مجلة "تيليراما" الفرنسية.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم