الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"تسالونيك 15" شعاره خروفٌ مغمض العينين يكتشف العالم

المصدر: "النهار"
A+ A-

هذا العام، يرفع مهرجان تسالونيك للفيلم الوثائقي (15 ــ 24 الجاري) صورة لخروف مغمض العينين في اعلى ملصقه الترويجي. الخروف، هذا الحيوان المرتبط في الثقافة الشعبية بفكرة الطاعة والتبعية، نراه في الدعاية الممهدة للعروض، وهو يتخلص من تلك القماشة التي تمنعه عن الرؤية، فيصبح متحرراً وواعياً، لينضم الى قافلة الكائنات الحيّة التي تعرف ما يدور حولها في العالم من مآسٍ وحروب وظلم وأزمات متلاطمة في واقعها. أياً يكن، ما الشيء الذي تضعه في ضميرنا تظاهرة مماثلة مخصصة لسينما الواقع سوى تلك الصور المتتالية التي تكشف، بسلبية مزعجة حيناً ومقلقة حيناً آخر، ان العالم لم يعد المكان المثالي للعيش.


200 فيلم في ذمة هذه الطبعة التي تحمل الرقم 15. اختار المنظمون للافتتاح "المرتبة الاولى" للمخرج الأميركي بس كارغمان، وهو فيلم من انتاج عام 2011 يأخذنا في جولة الى عالم رقص الباليه، حيث نتعرف الى ست شخصيات من هذا الوسط، كل واحدة منها تنتمي الى بيئة اجتماعية معينة. وسنتابع ايضاً كيفية استعداد الراقصين الملتزمين بفنهم أعلى درجات الالتزام، لمسابقة دولية في الباليه، لنكتشف حجم الألم الجسدي الذي عليهم تحمله للوصول الى الكمال.
و"تسالونيك" هو واحد من أبرز المواعيد المخصصة للأفلام الوثائقية في العالم، شأنه شأن مهرجان امستردام الذي يجري في تشرين الثاني. في تشكيلة 2013، هناك خمسة عروض عالمية اولى، تسعة دولية، أربعة أوروبية و76 يونانية. بيد انه، في مقابلة سابقة لنا مع مدير المهرجان ديمتري ايبيديس، كان الرجل صريحاً حول اهداف المهرجان و"اطماعه"، انطلاقاً من قناعة راسخة لديه أن هذه مساحة للمشاهد اليوناني. مَن ينتظر برستيج المهرجانات الأخرى، سيخيب ظنه. الترف ليس من الهواجس التي تؤرق المهرجان الذي تصنعه أيادي حفنة من السينيفيليين الشغوفين، هؤلاء الحريصين على اصدار أفضل المطبوعات عن السينما، شكلاً ومضموناً، برغم التضييق المالي المفروض من قبل الحكومة والأزمة الاقتصادية التي اكلت البشر والحجر. اذاً، ليس ثمة ادعاء فارغاً والكلّ يعرف ان تسالونيك ليس كانّ أو برلين.
من الأفلام التي تعتمد عليها الدورة الحالية: "الصيف الهندي" لسيمون بروك (فرنسا)، حكاية أمرأة تصارع مرض سرطان الثدي فتلجأ الى الطب الهندي للشفاء؛ "الفخّ الأوروبي" لآنا غيرالت غريس (اسبانيا) وهو بورتريه للاجئة أفغانية تبحث عن ابنها الوحيد؛ "رماد" لهربرت سفاينبيورنسون (ايسلاندا) الذي يعالج اثار البركان الايسلاندي الذي غضب في السنوات الأخيرة، مراراً، في حياة ثلاث عائلات تعمل في الزراعة. هناك ايضاً "طريق فالانتاين" لمارتا كانينغهام (الولايات المتحدة)، شريط صادم عن مقتل مثليّ، ولا يقل عنه قوة واصراراً على كشف الحقائق، فيلم "ماما كوكا" لسوزان سكرتشي (كولومبيا)، الذي يمضي بنا الى تجارة الكوكايين وما مكانة هذه التجارة في المجتمع الكولومبي. وفي نمط اقل قسوة، نجد احد المواضيع العزيزة على وجدان السينما التسجيلية، أيّ العائلة، اذ يروي لنا المخرج المكسيكي ريكاردو غوتييريز فصول من حكايات أفراد "عشيرته" في "أجزاء من عائلة".
هذه دورة تلقي ايضاً التحية على عمل المخرج التشيلياني الكبير باتريتسيو غوزمان (1941)، الذي شاهدنا له عام 2010 "نوستالجيا للضوء"، من خلال عرض مجموعة اعماله، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقلبات السياسية والاجتماعية التي حصلت في بلاده على مرّ التاريخ. وفي مناسبة تكريمه، نُظمت طاولة مستديرة للاطلاع على ما يمكن ان تتعلمه اوروبا عموماً، واليونان خصوصاً، من التجربة التشيليانية. للأسف، وخلافاً لما كان متوقعاً، لم يستطع غوزمان حضور المهرجان، بسبب تعرضه لكسر في الساق.
ويأتي "تسالونيك" بنسخة من فيلم "فعل القتل" لجوشوا اوبنهايمر، ظاهرة مهرجان برلين حيث نال جائزة الجمهور، وانتجه كلّ من الأميركي ارول موريس (مخرج "ضباب الحرب") والألماني فيرنير هيرتزوغ، الأشهر من ان يعرّف. ذهب الأميركي اوبنهايمر (المقيم في لندن) الى اندونيسيا لينجز فيها وثائقياً عن المجزرة التي حصلت عام 1965 وقضى فيها أكثر من مليون معارض سياسي. طبعاً، لا احد من الناجين اراد ان ينطق بكلمة واحدة حول المجزرة، خوفاً على حياتهم. ولما التقى المخرج الجلادين الذين قاموا بالمجازر وظلت أفعالهم بلا أيّ عقاب، عرض هؤلاء عليه تمثيل جرائمهم. فوجد المخرج نفسه ماضياً نحو نمط سينمائي يفرض عليه تصوير مجموعة قتلة سرعان ما سيتحولون الى مخرجين وممثلين، وسيظهرون بكل فخر واعتزاز قبالة الكاميرا، في محاولة منهم لتقليد ابطال بعض الأفلام الأميركية التي يعشقونها. الصحافي براين د. قال عن الفيلم: "تخيلوا لو ان هتلر وشركائه نجوا من الحرب، وثم التقى بعضهم بالبعض الآخر وراحوا يجسدون المشاهد التي يفضلونها في المحارق قبالة كاميرا".
بعد هذا الرعب البصري كله الذي يقترحه المهرجان علينا، حرصاً منه على رؤية اكثر وضوحاً للعالم، لا يبقى الا ان نهرع الى أقرب بار لاحستاء كأس بيرة: فكرة جيدة، لأن البيرة "بيلزنر" من رعاة هذا المهرجان الذي يبدو انه يريد من "الخروف" الذي فينا ان يصحو ومن ثم يسكر مجدداً!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم