الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

فلتتحاور الأديان مع ذاتها أولاً

خالد غزال
A+ A-

لا يمر عام من دون مبادرات لمؤسسات دينية او مدنية تدعو فيها الى حوار الأديان او الى اللقاء في ما بينها، وتعقد في هذه المناسبات مؤتمرات واجتماعات محلية وعالمية لتقديم أوراق العمل اللازمة، ويتصدر هذه المؤتمرات رجال دين أو مندوبون مدنيون، يقدّمون أنفسهم في وصفهم ممثلي هذه الأديان. تستدعي هذه المؤتمرات واللقاءات تستدعي ملاحظات نقدية لتصحيح بعض التوجهات في أدائها، وتعيّن الحقيقي في دعوات الحوار وتبتعد عن الشكلي الغالب عليها راهناً.
ملاحظة أولى، ان الذيم يقدّمون أنفسهم باعتبارهم ممثلي الأديان، سواء أكانوا من رجال الدين أم من المدنيين الذين يدورون في فلك المؤسسات الدينية، إنما هم مسلمون ومسيحيون ينتمون الى هاتين الديانتين، وليسوا ممثليهما. كل رجل دين، عندما يتكلم ويعظ، يختزل الدين في شخصه، معتبراً كلامه كأنه كلام الله الذي نطق به الأنبياء وسجّلته الكتب المقدسة. نحن أمام بشر، بالكاد يعبّر الواحد منهم عن حيز بسيط مما يقول به مذهبه أو طائفته. لذا يبدو الطعن مشروعا في عملية ادعاء التمثيل الجارية في هذه اللقاءات أو المؤتمرات.
ملاحظة ثانية تتصل بالجوهري في ما يسمّى حوارات الأديان أو اللقاءات في ما بينها. الأديان واحدة، ولا تتطلب مؤتمرات لإقامة الحوار في ما بينها. المعضلة الأساسية التي يتجاهلها أرباب الحوارات واللقاءات، هي تغييب العمل الحقيقي المطلوب الذي يوصل الى جوهر الدين. هذه المعضلة تتجلى في كل دين، إسلامياً أكان أم مسيحياً، من حيث الانقسامات داخله، واللاهوت الذي يصدر عنه، والترجمة العملية للعلاقة بين أبناء هذه الدين. تحوّل الدين نفسه الى طوائف ومذاهب تبني الكراهية وتزرع الحقد بين أبنائه، وتتجاهل الجوهر الذي اتى به الأنبياء. تختزل الطوائف والمذاهب اليوم الأديان التوحيدية، وهي محصلة الصراعات الاجتماعية والسياسية التي اندلعت بين القوى المنتسبة الى المسيحية والإسلام، وانخرط فيها رجال الدين سعياً الى الهيمنة على السلطة، أو عبر استيلاء السلطة السياسية على المؤسسات الدينية وتوظيفها في تبرير مشروعيتها.
على امتداد التاريخ الديني للمسيحية والإسلام، أُنتِج فقهٌ قدّمه رجال الدين على انه كلام الله، فيما هو كلام البشر في زمن تاريخي محدد، وفي إطار جغرافي معيّن. عمّق هذا الفقه الانقسامات بين أبناء الطوائف والمذاهب، وهو المسؤول عن العنف الذي تجلببت به الديانتان المسيحية والإسلامية في تاريخهما السابق والحالي. يثير هذا الواقع القضية الجوهرية للحوار، بما هو أولاً حوار أبناء الدين الواحد مع أنفسهم، وهو لا يقوم على اللقاءات الفولكلورية لهذه المؤسسة أو تلك أو لهذا الرهط الكهنوتي وملاحقه. الحوار الحقيقي ينصبّ على كيفية تنقية الفقه واللاهوت اللذين يقودان الطوائف والمذاهب، ويعطيان المشروعية للعنف المندلع بين هذه الطوائف والمذاهب نفسها، ويعطيان مشروعية لممارسة العنف ضد أبناء الدين الآخر، عبر الاتهامات بالخروج عن الدين او بالهرطقة والكفر والإلحاد.
ثمة ورشة حقيقية للإصلاح الديني وتجديد الفكر التابع، هي المطلوبة، بما ينزع عن الفقه كل الوجوه المتصلة بالكراهية ونبذ الآخر سواء أكان من الدين نفسه أم من الدين الآخر. اذا كانت بعض الخطوات الإصلاحية قد جرت في الدين المسيحي، الا ان آثارها ونتائجها ظلت بعيدة عن مجتمعاتنا، بحيث تتشابه الطوائف والمذاهب في كلا الدينين في الإيديولوجيا المستخدمة والخطاب الديني البعيد عن جوهر الرسالة ومضامينها.
عندما تنخرط المؤسسات الدينية والقوى المدنية في حوار داخلي، وتستعيد جوهر الدعوة، يتحقق لقاء بين الأديان بشكل تلقائي، بحيث لا يحتاج الى مؤتمرات ولقاءات. ان الوصول الى هذا الهدف تقف في وجهه عقبة غير بسيطة، كون هذا الإصلاح سيحرم المؤسسات الدينية ورجالها وسائل السيطرة على المنتسبين الى الدين، وكون هؤلاء يعتاشون ويتغذون من التعبئة الطائفية والمذهبية ونشر الكراهية ضد الاخر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم