أوقف مهزلة تعيين جلسات لانتخاب الرئيس

محاميان زميلان تدرجا في مكتب العلماني عبدالله لحود: عبدالله زخيا ونبيه بري. الاول مارس مهنته بترفع، زاهداً بالمناصب، وفاضحا تعديات السياسيين على الأملاك البحرية. الثاني يتربع مديداً على عرش رئاسة المجلس، يدير امبراطوريته من قصر عين التينة، الذي توسع واجتاح المختبر الوطني. أوصله الى المركز حكم الوصاية، وسطوة السلاح أمنت استمراريته. تنافس سابقا على رئاسة المجلس كامل الاسعد وصبري حماده، واحيانا عادل عسيران، مع بري ممنوع التنافس. تعامل النظام السوري مع اللبنانيين الحلفاء كأتباع والآخرين كأعداء، يعاقب من يخرج على طاعته. أقصي كامل الاسعد لإصراره على انعقاد جلسة انتخاب بشير الجميل ومنع الفراغ، كما فعل لايصال الياس سركيس عام 1976، ونعلم الطريقة المهينة التي استحضر بها بعض النواب. أبعد الرئيس حسين الحسيني لاستكمال الانقلاب على الطائف، ونذكر بأنه قاطع جلسة انتخاب سركيس، ما دفع العميد ريمون اده للقول له: "بدنا نشيل اعمدة بعلبك ونعمل لك تمثال". بدأت مسيرة الرئيس بري بعد تغييب الامام موسى الصدر، فحمل قضيته، واقتصر الامر على مهرجان سنوي تذكاري. مسيرة مثقلة فيها الايجابي والسلبي، من ابرز محطاتها: انخراطه في حرب المخيمات بناء على رغبة النظام السوري في استئصال الزمر العرفاتية؛، الحرب القذرة مع جنبلاط في شوارع بيروت، وما رافقها من نهب وتشبيح، يغزون في النهار ويعودون الى مضاربهم ليلا محملين بالغنائم، ما دفع قيادات بيروت السنية الى الهرولة طالبة عودة جيش حافظ الاسد الى العاصمة. (هذه الزعامات التقليدية لقّبها كمال جنبلاط بالزحافات البشرية، وهي التي لم تتجرأ على المشاركة في مأتم ريمون اده). في حربه الضارية مع "حزب الله" في اقليم التفاح يسجل له الموقف الجريء: "لن ندع اللغة الفارسية تصل الى الجنوب اللبناني". بعد وساطة سورية – ايرانية، وزعت الادوار، "حزب الله" في المجال العسكري، ونبيه بري في المجال السياسي، فتحت له ابواب المنافع، فتوالت الاشكاليات والفضائح: من مجلس الجنوب، الى شرطة المجلس، الى شركة طيران الشرق الاوسط، الى وزارة الزراعة، الى مياومي شركة كهرباء لبنان، الى كازينو لبنان، الى كلية الحقوق... طريقة ادارته جلسات المجلس قبل عام 2005؛ صدّق، صدّق على عجلة منعا لاطالة النقاش والتطرق الى تجاوزات حكم الاجهزة. السيطرة على الاتحاد العمالي وجعله اداة طيعة. من آخر انجازاته المظفرة، التواطؤ مع التيار العوني مدعي التغيير والاصلاح لاقصاء النقابي حنا غريب العصي، رغم اعتراضنا على طريقة ادارته التحرك وافراطه في التصلب والشعبوية، فوصل الى طريق مسدود امام تعنت السياسيين. حاول الرجل القيام بمبادرة تجاه البطريرك صفير فأثار غضب الرئيس اميل لحود. بعد عام 2005 خف وهج الرئيس بري، لان من أمن بقاءه التحالف الرباعي: رئيس على مجلس لا يملك اكثريته، كذلك في اللجان وهيئة المجلس. تحالف دفع ثمنه التيار الشيعي الديموقراطي، اذ كان في الامكان خوض معركة فعلية في دائرة مرجعيون – حاصبيا، اجهضت بسبب تواطؤ بري – جنبلاط. تاجر بمحاربة الاقطاع السياسي، فجعل الناس تترحم على الايام الخوالي، يومها كان حبيب صادق ينافس كامل الاسعد في عقر داره. تفسيره المزاجي للدستور واعتماده نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية ونستغرب كيف جارته قوى 14 آذار، علما ان لا مادة تتكلم على النصاب، بل بانتخاب الرئيس باكثرية الثلثين في الدورة الاولى. فيا دولة الرئيس بري، حرصا على الموقع الرئاسي: أوقف مهزلة تعيين جلسات لانتخاب رئيس، دعوات تتسم بالرتابة وبهدلة للموقع. أطلقت في 7 شباط 2005 من عين التينة تجمع القوى المؤيدة للنظام السوري، ليصبح من ضمن محور سوري – ايراني، يمسك البلد رهينة ويعطل الانتخابات الرئاسية، واضعا العماد عون في الواجهة، ورامياً الكرة في الملعب المسيحي، مع علمنا الأكيد أنك لن تصوت له، كذلك وليد جنبلاط الا... اذا كنتم كمكون شيعي تريدون البقاء ضمن الكيانية اللبنانية، كما أوصاكم الامام الراحل شمس الدين: لا يكفي ان يحضر نوابك الى المجلس، بل اقناع حلفائك بتأمين النصاب، قبل فوات الاوان، ودفع مكوّنات البلد الى الافتراق. هذا يندرج ضمن مخطط ممنهج لتفتيت المنطقة وتهجير الاقليات التي اغنت الشرق بثقافتها وتنورها، بدل الرهان يوما على س – س وغيرها، كأنك تتخلى عن دورك وتستجلب التدخل الخارجي الذي يسعى لتأمين مصالحه، وغالباً ما تكون التسويات على حساب الوطن.