السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"ماموت وشعتقات": هذيانُ العالَم

ألفراد الخوري
"ماموت وشعتقات": هذيانُ العالَم
"ماموت وشعتقات": هذيانُ العالَم
A+ A-

في "الرأس المقطوع"، مجموعة أنسي الحاج الشعريّة الثانية، يجتاح الهذيانُ العالَمَ بأسره. فالمراهق الذي خرج في نهاية "لن" من قبْوه الدهنيّ، وضع على رأسه "تاجَ الشعوب الخفيّة" وراح يحلم، كما رامبو، "بجمهوريّاتٍ لا تاريخ لها، بحروب دياناتٍ مخنوقة، بانزياح الأعراق والقارّات". هذا الهذيان الرامْبَويّ يبلغ ذروته في "ماموت وشعتقات"، أطول قصائد المجموعة، وبها تُختتَم.


نُشرت قصيدة "ماموت وشعتقات" للمرّة الأولى كافتتاحيّةٍ للعدد السادس والعشرين من مجلّة "شعر"، الصادر في ربيع العام 1963، قبل أن تُضَمَّ إلى مجموعة "الرأس المقطوع" التي صدرت عن دار مجلّة "شعر" في صيفِ العام نفسه، في طبعةٍ ممتازة، يمكن الحصول عليها لقاءَ أربع ليرات لبنانيّة!
مع بداية الخريف، استأنف خميسُ مجلّة "شعر" ندواتِه الأسبوعيّة وافتتح أولى هذه الندوات بمناقشة مجموعة "الرأس المقطوع". من بين الأسماء المشارِكة في تلك الندوة: يوسف الخال، شوقي أبي شقرا، يوسف حبشي الأشقر، ليلى بعلبكي، رياض نجيب الريّس، لور غريّب، وآخرون. تعدّدت الآراء وانقسمت بشكل حادّ كالعادة، وتوقّف المنتدون عند قصيدة "ماموت وشعتقات"، فرأى يوسف حبشي الأشقر أنّ القصيدة "تصوِّر التأرجح بين الوجود والعدم وتنتهي بالإيجابيّة والخلاص والصراخ: "خلقتُ خلقت خلقت كلّ شيء"." لكنّ شوقي أبي شقرا اعترض قائلاً: "هذا الخلاصُ مجرّد حيلة"!
هذه الخاتمة المحيِّرة ليست سوى قُطبةٍ من قُطَبِ "ماموت وشعتقات" التي سنحاول أن نحلَّ بعضها في هذه المقالة. بهدف القيام بذلك، لن نركن إلى علم النفس الفرويديّ، وهو المتَّكأ النظريّ الأثير في أغلب الدراسات التي تناولت شعر الحاج (والتي لم تخلُ من التسخيف والإساءة أحياناً كثيرة!)، إنّما سنستلهم بعض المفاهيم التي اجترحها الفيلسوف الفرنسيّ جيل دولوز كالهذيان والصيرورة (le devenir) والأدب الأقلّويّ (la littérature mineure). فقد عمل دولوز، على امتداد مسيرته، وحيداً في البداية، ثمّ مع صديقه فيليكس غاتاري لاحقاً، على تحرير الهذيان من مثلّث الأب- الأمّ- الطفل حيث احتجزه فرويد: "الإنسان لا يهذي على أمّه وأبيه،" يقول في حواراته مع كلير بارنِيه، "الإنسان يهذي على العالم بأسره، يهذي على التاريخ والجغرافيا والقبائل والصحارى والشعوب والأعراق والمناخات، هذا ما يهذي الإنسانُ عليه. أين هي قبائلي؟ كيف عليَّ أن أسوسها، كي لا أهلك في الصحراء؟ الهذيان ذو طابع جيو- سياسيّ".
بالنسبة إلى دولوز، الأدب هذيانٌ، لا لكونه جنوناً وهذراً وخروجاً على العقل، بل لأنّه يبعثر النصوص والسلطات والمؤسّسات. الشاعر الذي يخلق العالم، يخلقه، أوّلاً، بالهذيان، ويخلقه، ثانياً، عالَماً هاذياً، زائغاً، مقلوباً رأساً على عقب. من هنا، الأدب، باعتبار دولوز، مشروعُ صحّةٍ وفَرَح لا مشروعَ مَرَضٍ وخيبة، ذلك أنّه مسارُ صيرورةٍ ورغبةٍ وإمكانُ حياة. فأن تكتب، ذلك يعني أن تصير شيئاً آخَرَ غير كونك كاتباً: أن تصير زنجيّاً، في حالة أرتور رامبو؛ صرصاراً، في حالة فرانتز كافكا؛ وجسداً طاقويّاً مصفًّى، في حالة أنطونان أرتو. أن تكتب، ذلك يعني أن تعبر إلى حياةٍ تتخطّى المعيشَ وتفوقُه حِدّةً وتوهّجاً؛ أن تراوغ السلطةَ وتنفذ من أُطُرها؛ أن تقوم برحلةٍ داخليّة، طاقويّة، عنيفة؛ أن تخترع شعباً مفقوداً، لكنّه شعبٌ غير مدعوٍّ إلى السيطرة على العالم؛ شعبٌ أقلويّ، ويظلُّ أقلويّاً إلى الأبد، في مسارٍ مستمرّ من الصيرورة الثوريّة. إذاً، علامَ يهذي أنسي الحاج في "ماموت وشعتقات"؟


وخلقَ إيل شعتقات
تتألّف قصيدة "ماموت وشعتقات" من ثلاثة عشر مقطعاً مرقَّماً، ولها مقدّمة وخاتمة. المتكلّم في المقدّمة والخاتمة هو الراوي، بينما في المقاطع الأخرى المتكلّم هو ماموت. يبدأ الهذيان منذ العنوان المؤلَّف من عَلَمَين معطوفَين أحدهما على الآخر، كلاهما غامضٌ وغريب للوهلة الأولى. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه منذ البداية هو الآتي: هل يُمكن ربطُ أيٍّ من هذَين العَلَمَين بأيّ مرجعيّة تاريخيّة أو أدبيّة معروفة، أم إنّهما من اختراع الشاعر ومجرّدُ لعبٍ وتشويش للحروف، كما ذهب أحد النقّاد؟
"في ربيع سنة 1928"، كما يروي لنا أنيس فريحة في "قبل أن أنسى" (1979)، "علِقَ محراث فلاّح سوريّ ببلاطة قبرٍ في رأس الشَّمرا، شماليّ اللاذقيّة، فظنّ أنّه عثر على كنز من الذهب". لم يكن الكنزُ ذهباً، بل ألواحٌ خزفيّة عليها أساطيرُ بالخطّ المسماريّ تعود إلى العصر البرونزيّ (3300-1200 قـ. مـ. في الشرق الأدنى). هذه الأساطير ستُعرف لاحقاً بـ"الأساطير الأوغاريتيّة" وسيترجمها فريحة في كتاب ضخمٍ صدر العام 1966 عن منشورات الجامعة الأميركيّة في بيروت لمناسبة العيد المئويّ لتأسيسها بعنوان "ملاحم وأساطير من أوغاريت". من بين هذه الأساطير، "أسطورةُ الملك كِرِت" التي تسرد سيرة ملكٍ يُدعى كرت، مملكتُه تُدعى "خُبُر"، تقع في مكانٍ ما على الساحل السوريّ. في هذه الأسطورة تطالعنا شخصيّةٌ تُدعى "شعتقات"!
تظهر شعتقات في اللوحة الثالثة من الأسطورة، في العمودَين الخامس والسادس تحديداً، وهي ساحرةٌ يخلقها الإله إيل خصّيصاً ويرسلها إلى الملك كرت لكي تشفيه من مرضه. تطير شعتقات فوق القرى والدساكر، وتصل إلى الملك فتمسح العَرَق عن جبهته وتفتح شهيّته للخبز. يجسّد اسم شعتقات معاني الشفاء والإعتاق ("شعتقات" من جذر "عتق"، على وزن شَفْعَلَ، أي أعتَقَ وحرَّر)، وهي، في الأسطورة، تنتصر على إله الموت الذي يُدعى، بالأوغاريتيّة، "مُوت": "مُوتْ، من جهةٍ أولى، يظلّ منكسراً/ شعتقات، من جهةٍ ثانية، تظلُّ منتصرةً". ("أسطورة الملكة كرت"، اللوحة الثالثة، العمود السادس).
مَن هو ماموتُ أنسي الحاج إذاً؟ هل هو نفيٌ لإله الموت الأوغاريتيّ (ما-مُوت)؟ وهل شعتقاتُ الحاج هي هذه الساحرة الشافية والمحرِّرة في آنٍ واحد؟
تنفتح القصيدة بالمقطع الآتي على لسان الراوي:
ذلك العهد يَدُ ماموت لم تكن ظهَرَتْ.
قام جدّه ونقل الخَشَب وغشّ العبيد ورَفَع أعمدةً ليضحك، وماموتُ عليها. نسي ماموتُ حكاياته. هجم يذبح جدّه في حديقته، من الوَرْد إلى الوَرْد.
ماموت عن جدّه: "غايةُ أولادي. حين أهبط يودّعني بالقصص وشَعري يشيب. هواء. لم تكن له يد. كانت شفتاه والحديقة".


هناك إذاً في القصيدة زمنان: زمن الماضي الذي يمثّل سيطرة الجدّ، عندما لم تكن يدُ ماموت قد ظهرت بعد؛ وزمنٌ جديد دشّنه ماموت بذبح جدّه في حديقته ونسيانِ حكاياته. فالجدّ كان يرى في ماموت "غايةَ أولاده"، وينوي، على الأرجح، أن يسلّمه مملكته/حديقته من بعده. لكنّ ماموت يتمرّد عليه. بظهور شعتقات، تأخذ القصّة منحًى آخر: تصير قصّة حبّ. وكما في أسطورة الملك كرت، تقوم شعتقات بإعتاق ماموت من ماضيه القاتم، تحرّرُه من حكاياتِه وتأخذه إليها.


الويلُ إن جلستِ! الويلُ إن جلستَ!
هنا يظهر هذيانُ الشاعر حكايةً ساميّة أخرى هي "نشيد الأناشيد". ففي العام 1967، أصدر الحاج نسخةً من "نشيد الأناشيد" بعدما أعاد توزيعه وتشطيره بشكل جديد، مستعيناً بالترجمتَين اليسوعيّة والأميركيّة ومازجاً بينهما. استلهامُ الحاج هذا النشيد المُلحَق بالتوراة، حاضرٌ على مدى تجربته، منذ مقدّمة "لن" (1960)، حيث اتّخذه نموذجاً للنثر الشعريّ، حتّى قصيدة "الرسولة بشعرها الطويل حتّى الينابيع" (1975)، مروراً بعددٍ من قصائد مجموعته الشعريّة الرابعة "ماذا صنعتَ بالذهب، ماذا فعلت بالوردة؟" (1970).
لكنّ حضور "نشيد الأناشيد" في "ماموت وشعتقات" لا يقلّ وهجاً عن حضوره في "الرسولة"، لا سيّما أنّ القصيدة-الحكاية تتحوّل قصّة هربٍ لانهائيّ، حيث يصير الحبّ انعتاقاً من كلّ شيء، والمرأة تصير رمزَ هذا الانعتاق. يظهر هذا الاستلهام أيضاً في الغزل الشهوانيّ الذي يتبادله الحبيبان والذي يشبه إلى حدّ بعيد تغزّلَ الحبيبَين واحدهما بالآخر في "نشيد الأناشيد": هو: "عيناكِ كحمامتَين من وراء نقابكِ/ شعرُكِ كقطيع معزٍ يبدو من جبال جلعاد/ أسنانُكِ كقطيعٍ مجزوز قد طلع من الاغتسال"؛ هي: "حبيبي أحمر ونضِر/ علَمٌ بين ربوة/ رأسُه ذهبٌ إبريز/ وغدائره كسُعَف النخل". هكذا تتماهى صورةُ الحبيبين في "ماموت شعتقات" بصورة الأرض حدَّ التطابُق أو حدَّ ما يسميّه دولوز "الصيرورة الحَيَوانيّة" (un devenir-animal)، فيُكبَّر المشبَّه به ليصبح حيواناً برّيّاً أو مظهراً من مظاهر الطبيعة الأدغاليّة: "ماموت أحبَّ شَعْتَقَات. كحيّةٍ اسمُها. ثمَّ أحبّ شعتقات، قال لها:
"رَمَتني شامةٌ. لوَّحني كوكبٌ. أسدٌ وحَّدَني اشتهاؤه". قالت له شعتقات: "جسمكَ ذئبٌ تركض رعشاته. جسمكَ شامةٌ تكسوني". قال لها ماموت: "الدوارُ والنار والحنين!" قالت له شعتقات: "سنقتل الحارس ونُطلق الحصان". قال لها ماموت: "جسمكِ الحرب. سأحفظ جسمك طريدة. سأضرب الأودية. الويلُ إن جلسْتِ!" قالت له شعتقات: "الويل إن جلستَ! تمتلئ الدفاتر، تنكسر شوكتي. جسمَكَ أستطعم. رماحَك البعيدة أستطْعم. وهجَكَ أُحرِّك". قال لها ماموت: "أُحبُّكِ".
بعدها، يتوالى أحد عشر مقطعاً من الحبّ والرقّة والعذوبة، حيث يتغزّل ماموت بشعتقات ويسرد هربهما المستمرّ، واصفاً التحوّل الذي طرأ عليه بفضل حبّها له. مع المقطع الثاني عشر، تبدأ الأمور بالتغيّر: "شعتقات، ألفُظُ اسمكِ! ستائرك تنفتح... ألمحُ خجَلَ الهدايا ورونقَ الموت. حِلفُنا يحترق". في المقطع الثالث عشر، يخترب كلّ شيء، إذ تنزاح ثيابُ شعتقات عن أغصان ماموت؛ ردفاها "النقيّان" يصبحان "شاحبَين"؛ ويعود ماموت إلى ماضي جدّه القاتم، وتعود يدا الجدّ إلى الظهور: "سمعْتُ فيكِ انهياري/ ومتّ./ كلُّ سحابةٍ ماتَتْ/ آه!/ ما أكذبَ العبد الهارب!/ .../ لو الوردةُ تُبطئ على الجسد! كوكبُ العسل يبكي. يداه... اذهبْ!/ يداه.../ الهاويةُ ملأى./ عَرَقُ السماء يضيءُ الذباب. الرقّاص ينظر إلى الكلمة ويكويها./ العشاء انتهى!"


في رحاب الجيو-سياسة
على الرغم من إخفاق شعتقات في انتشال ماموت من لعنة إرثه، تنتهي القصيدة "بالإيجابيّة والخلاص". في خاتمتها، يعود الكلام إلى الراوي: "هذا ما رواه ماموت صدَّقْتُه وحزنت". ثمّ يلتبس الأمر، فيتداخل صوته بصوت ماموت: "بدا أنّني غايةُ الوَرْد. غايةُ الوَرْدِ حقّاً. يداي معي، هَرَمان وراء الزجاج". يبلغ الالتباس ذروته في الجملة-الصرخة الأخيرة من القصيدة، حيث يهتف الشاعر منتصراً، مازجاً صوته بصوت الراوي بصوت ماموت: "الأرضُ نظيفةٌ، تحفُّ الأحلامُ بالنساء./ بنتٌ مشتعلةٌ تنسكب./ خَلَقْتُ/ خلقتُ/ خلقتُ كلَّ شيء".
مع هذه الخاتمة-الصرخة، تكتمل دائرةُ الهذيان والخلق. وهي لا بدَّ من أن تُقرأ كخاتمةٍ لمجموعة "الرأس المقطوع" التي كان الشاعر قد افتتحها بقصيدة "الفَيْض" ذاتِ الجُمَلِ/ الحركاتِ الثلاث: "ذهبَ غرابٌ/ يحوّم فوق المِسْك الممضوغ والأجناس المطفَأة./ أشعل الغلامُ المطلّ لفافة الاستمناء الكبيرة". فإذا كان الطوفان قد أطاحَ الخلق القديم، كما نستدلّ في هذه القصيدة، فإنَّ رجلَ الرأسِ المقطوع عاد فخلقَ، بأدوارِ هذيانه، أجناسَه الجديدة؛ خلق شعباً أقلّويّاً وشرَّعَ إمكان حياة جديداً. وفي ذلك يكمن انتصارُه وفرحُه! الآن في إمكانه أن يزعق ويرقص!
هكذا يلتقي موقفا يوسف حبشي الأشقر وشوقي أبي شقرا المتعارضان أصلاً، إذ لا يعود الخلاصُ مجرّدَ حيلةٍ، إنّما تصبح الحيلة نفسُها خلاصاً! لقد سحر الشاعر ذاكرته إذ وصلها بِخَطِّ صيرورةٍ ثوريّة. فشَلُ ماموت ليس فشلاً نهائيّاً إذاً، وليس فشلاً حتّى، إنّما هو، حسب المفهوم الدولوزيّ، نوعٌ من انفصالٍ جديد عن الأرض (déterritorialisation)، نوعٌ من تَرحالٍ وانخراط في صيرورة مستمرّة.
عوضَ أن يذهب أنسي الحاج إلى تجذير الأسطورة وتجريدها ورَوْحَنتها، كما فعل أغلبُ التمّوزيّين، اختار تشظِيَتها وبعثَرةَ رموزها وتشريعَها على الحسّيّ والشهوانيّ وتفكيكها دوائرَ تقوّض مرجعيّاتها إلى ما لا نهاية. لم يستخدمها كمُعطًى تاريخيّ أو ثقافيّ يوفّر له خلاصاً جاهزاً، بل كأداةٍ يجتاحُ بها التاريخ والمجتمع والعالم. لذا، أوهى الإيمانِ (وأسخفُه!) أن نحدَّ هذيانَ "الرأس المقطوع" بعُقَد الطفولة والنزعات الأوديبيّة وأن نقول، كلّما اعترضنا حاجزٌ، إنّ الشاعر لا يفعل شيئاً سوى أنّه يقتل أباه ويتزوّج أمّه! فالغلامُ المطلُّ على العالم السديميّ يقضّ بهذيانه مضجعَ التاريخ، يزوّغ الجغرافيا ويزيح القارّات من مكانها، عيناه "مضرّجتان بالبشر" وأسطورتُه "ترنُّ على بلاط الليل". منذ عنوان المجموعة، نحن في رحاب الجيو-سياسة! إذ، كيف لنا أن نفصل "ماموت وشعتقات" عن تاريخ الساحل السوريّ (أو الفينيقيّ، بوّابةِ الشرق!) منذ ما قبل الميلاد حتّى أيّامنا هذه، من دون أن نغفل الكولونياليّة والبوست-كولونياليّة طبعاً؟! كيف يُمكن المرور على "الرأس المقطوع" من دون التوقّف عند هذيان الأسطورة والشعوب، عند باروديا القصص الشعبيّ، عند تاريخ الساميّين مذ وُجدوا ومذ وُجدت نصوصهم المؤسِّسة وأناشيدهم ومزاميرهم؟ كيف لنا ألاّ نلمحَ خيبةَ جلجامش وغضبَ يهوه وطوفانَ نوح ونكبة البرامكة وألفَ ليلة وليلة وحملة نابوليون على مصر والإبادات والاستشراق والحربين العالميّتين واكتشاف النفط والغاز والبدو والأعراق والشعوب، الشعوب التي تنغُلُ في المجموعة من الدفّة إلى الدفّة: "من المسيحيّين إلى العباقرة إلى الفاشيست إلى الماركسيست إلى الإغريق إلى البراهمة إلى الصارليّين إلى الهوهويّين إلى الأيريّين إلى المعتزلة إلى الفرينولوجيّين إلى اللاّمنتمين إلى المكسيكيّين إلى الأكروماتوبسيّين إلى الجَوْهَريّين إلى البسيكو-فيزيو-بسودو-نيو-سكولا-بارا-شيزو-مايو-مايا-نومي-جودا-مالا-أكزي-بيرونيّين وأكلة لحوم البشر وغيرهم؟"؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم