الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"سيريزا" اليوناني يعادي ألمانيا ويُراهن على روسيا!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

فوز حزب "سيريزا" اليوناني في الانتخابات النيابية قبل أسبوعين كان متوقعاً. فالأزمة الاقتصادية التي تسبّبت بها الحكومات السابقة جرّاء تجاهلها مشكلات عدة، أبرزها الفساد المستشري في الادارات الرسمية والتهرُّب من دفع الضرائب، كما جرّاء تعمُّدها غشّ الاتحاد الأوروبي من طريق تقديم موازنات غير صحيحة له كي يسهِّل أمورها، هذه الأزمة كادت أن توقع اليونان في الافلاس. فهبّت أوروبا الواحدة للمساعدة بمليارات من عملتها الموحّدة، ولكن في مقابل تقشُّف وخفض رواتب وتقليص التوظيف العام وخصخصة بعض المرافق. أثار ذلك قسماً كبيراً من الشعب فنزل الى الشارع احتجاجاً مطالباً بالتصحيح وباعادة جدولة الديون (المساعدات) أو بشطب بعضها. استغلّ ذلك الحزب المذكور أعلاه بكفاءة وشعبوية في المعركة الانتخابية. لكن فوزه لم يكن ساحقاً اذ أن الفرق بين نسبة أصواته ونسبة أصوات الحزب المنافس له (الديموقراطية الجديدة) لم تكن كبيرة، بل كافية مع حليف له أو أكثر من الأحزاب الصغيرة لحصوله على غالبية برلمانية مكّنته من تأليف حكومته في سرعة قياسية. هذا الواقع كان الاتحاد الأوروبي يتابعه ويستعدّ له لأنه كان يعرف أن مرحلة من المفاوضات الصعبة بينه وبين حكومة "سيريزا" ستبدأ قريباً، وأن مطالب رئيسها أليكسي تسيبراس كثيرة وصعبة التلبية، وأن مضاعفات قبولها ستشكِّل لاعضائه المقتدرين مالياً واقتصادياً خسائر مهمة. كما أن مضاعفات رفضها قد تدفع الحكومة اليسارية الى الخروج من عملة الأورو والعودة الى العملة اليونانية القديمة الدراخما. وربما يلي ذلك خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، علماً أن لا أحد يعرف أو بالأحرى يجزم اذا كان التخلّي عن العملة الموحّدة يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ما هي خطة حزب "سيريزا" ورئيس حكومته تسيبراس لمواجهة الواقع المشروح أعلاه؟
لا شك، يجيب باحثون أميركيون، في أنه أعدّ نفسه تقنياً باقتراحات عدة للمواجهة التفاوضية المرتقبة. لكنهم يلفتون الى أنه أعدّ نفسه لها سياسياً أيضاً أو لمواجهة فشلها. اذ، في أول أسبوع حكم لها، واجهت الحكومة ألمانيا، وأظهرت علاقاتها الجيدة مع روسيا. وبدا أن ذلك جزء من استراتيجيا وضعتها لادراكها صعوبة المفاوضات المرتقبة، ورفض معظم الحكومات في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته أي تسوية تنطوي على شطب للديون، أو على عودة تامة عن الاتفاقات الموقّعة بما تتضمنه من اصلاحات. وتقضي الاستراتيجيا المشار اليها بتجميع ما يمكن من "أوراق" للمساومة والمقايضة. أبرزها المحافظة على العلاقة الجيدة بروسيا تحوُّطاً لاحتمال دفعها الى الخروج من الاتحاد.
وفي أول أسبوع لها في الحكم، استعملت الحكومة "الرمزية" في أثناء الحديث عن استراتيجيتها. فأعلنت أكثر من مرة أنها ستحترم "تعهداتها الانتخابية"، وستباشر تنفيذها مثل زيادة الحدّ الأدنى للأجور، وتجميد عمليات الخصخصة، واعادة التوظيف في القطاع العام، وتقليص نفقات الاستشفاء في المستشفيات الحكومية. وعلى الصعيد السياسي قامت حكومة "سيريزا" بخطوة أغضبت ألمانيا، اذ وضع رئيسها تسيبراس في أول يوم له رئيساً لها، وهو 26 كانون الثاني الماضي، اكليلاً من الزهر على نصب تذكاري أقيم تكريماً لضحايا الاحتلال النازي الألماني لليونان، واستقبل سفير روسيا في أثينا قبل الالتقاء بأي مسؤول أجنبي. كما عيّن زعيم "اليونانيين المستقلين"، وهو حزب قومي يطالب بتنمية علاقات وثيقة مع روسيا، وزيراً للدفاع.
وبدا لكل المتابعين القلقين أن ذلك كله كان جزءاً من استراتيجيا أوسع، ولا سيما عندما سمعوا أعضاء عديدين من حزب "سيريزا" يطالبون ألمانيا بدفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقها باليونان احتلال "النازيين" لها في الحرب العالمية الثانية. وأظهر ذلك أنه يحيي الذاكرة السلبية لـ"النازية" في أثناء انتقاد ادارة ألمانيا الحالية للاتحاد الأوروبي. وطبعاً لم "تنبسط" برلين بذلك. صحيح، يقول الباحثون أنفسهم، أن الخطاب السياسي للحزب اليساري الحاكم حديثاً في اليونان معادٍ للتقشّف، لكنه ينطوي، في الوقت نفسه، على عوامل تكشف مشاعر معادية لألمانيا أو غير محبة لها. وهي موجودة أيضاً في دول عدة جنوب أوروبا. علماً أن هناك أيضاً درجة من الشعور المعادي لليونان في ألمانيا. ومَن يطّلع على الصحف الألمانية يلاحظ الكمّ الكبير من الانتقاد لأثينا.
ماذا عن العلاقة المقبلة بين يونان تسيبراس وروسيا بوتين؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم