الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

انتهاء أعمال الترميم في قلعة الشقيف واحتفال بافتتاحها غداً التنقيبات الأثرية تكشف تاريخ استخدامها موقعاً عسكرياً عبر العصور

مي عبود أبي عقل
انتهاء أعمال الترميم في قلعة الشقيف واحتفال بافتتاحها غداً التنقيبات الأثرية تكشف تاريخ استخدامها موقعاً عسكرياً عبر العصور
انتهاء أعمال الترميم في قلعة الشقيف واحتفال بافتتاحها غداً التنقيبات الأثرية تكشف تاريخ استخدامها موقعاً عسكرياً عبر العصور
A+ A-

على رأس نتوء صخري وأعلى قمة في بلدة أرنون الجنوبية على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر تربض قلعة الشقيف، في موقع استراتيجي تشرف منه على فلسطين المحتلة والسهل الساحلي ونهر الليطاني والجولان في آن واحد، وتطل من الجهات الأربع على قرى في أقضية النبطية ومرجعيون وبنت جبيل وجزين، وتعتبر واحدة من أطول المواقع في العالم استخداماً كموقع عسكري، منذ بنائها عام 1139 وحتى عام 2000 تاريخ الانسحاب الاسرائيلي منها.


ومن أجل حمايتها والمحافظة عليها كرمز للنصر والتحرير، وكمعلم تاريخي ووطني، قررت الدولة اللبنانية ترميمها وتحويلها موقعاً سياحياً واثرياً، يؤمها السياح والزوار، ويتنشقون في ارجائها رائحة العزة والحرية. ولهذه الغاية وقع في 7/ 11/ 2007 اتفاق بين مجلس الانماء والاعمار والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، من أجل تأهيل قلعة الشقيف، بكلفة بلغت 3,5 ملايين دولار، ساهم لبنان بمليون دولار منها. ووضع حجر الأساس عام 2010، وبدأ مشروع الترميم في 2011 واستغرق نحو أربع سنوات.
وفي لقاء مع "النهار" يشرح المسؤول عن المواقع الأثرية في الجنوب في المديرية العامة للآثار علي بدوي مراحل المشروع الذي قسم ثلاثة اجزاء:
1 – اجراء حفريات اثرية في القلعة، وكان الأمر ضرورياً لسببين: الأول لاكتشلاف المزيد عن تاريخ القلعة من خلال اللقى الاثرية التي يعثر عليها، ولضرورات الترميم ثانياً لأنه لا يمكن القيام به من دون استكمال أعمال التنقيب.
2 – ترميم القلعة: على مدى سنوات تعرضت لدمار وتخريب خلال الحرب منذ عام 1978، ونالت نصيبها من القصف والاعتداءات الاسرائيلية، فدمرت سقوفها وواجهاتها، واستخدمها الاسرائيليون منذ عام 1982 وحتى انسحابهم عام 2000 كمركز لدورياتهم ولشن هجماتهم، ما هدم اجزاء منها بشكل كبير، فكانت بحاجة الى مشروع ترميم على مستوى ضخم.
3 – تأهيل القلعة سياحياً لاستقبال الزوار والسياح.


الحفريات
استمرت اعمال التنقيب مدة سنتين على فترات متقطعة، وقام بها فريق من خبراء الآثار اللبنانيين برئاسة بدوي، وشملت معظم طوابقها. مكتشفات كثيرة ونتائج علمية عدة توصل اليها الأثريون خلال هذه الحفريات يوجز بدوي أبرزها قائلاً: "كشفنا مستويات في القلعة لم تكن ظاهرة سابقاً، خصوصاً في الطبقات السفلى، تعود الى فترة التأسيس الاولى لا سيما القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وعثرنا على عدد كبير من القطع الأثرية تبين الحياة اليومية لسكان القلعة من أوانٍ فخارية وزجاجية وقطع نقد، وكذلك على الكثير من قذائف المنجنيق والقنابل الحديد، والصواريخ الحديثة التي استخدمها الاسرائيليون لقصف القلعة اثناء الاجتياح عام 1982، اضافة الى الكثير من رؤوس الاسهم المعدنية التي تعود الى الفترات ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر. كل هذه اللقى لها دلالاتها وتظهر الوجهة العسكرية التي من أجلها بنيت هذه القلعة، فمثلاً وجدت معظم قذائف المنجنيق في الجهة الغربية من القلعة وداخل مبنى الاسوار نفسه، وهذا يدل على انها كانت الجهة الأكثر استهدافاً خلال فترات الحصار والأكثر سهولة لدخول الغزاة الى قلب القلعة. ووجدنا أيضاً عدداً كبيراً من قطع الغليون تعود الى أيام الاقطاع في فترة القرن السابع عشر وما بعد، وعلى برج حاكم القلعة من عائلة "الصعبيين" في الجهة الشرقية من القلعة، ما يدل على انهم عاشوا في هذا الجزء منها. وعثرنا كذلك على مجموعة من المقابر نعتقد انها لاشخاص دفنوا خلال فترة حصار العثمانيين للأمير فخر الدين في القرن السابع عشر.
أمر مهم آخر اكتشفناه وهو نظام تخزين المياه في القلعة، فهي بحكم موقعها المرتفع عن الليطاني، من الصعب وصول المياه اليها، لذلك أقام البناؤون نظاماً متطوراً لتجميع المياه، وخصوصاً مياه الأمطار، عبر القنوات وجرّها الى خزانات للمياه داخل القلعة نفسها، لاستخدامها في الحياة اليومية وخلال فترات الحصار. وعثرنا كذلك على نظام صرف صحي لاخراج المياه المبتذلة خارج القلعة. وفهمنا من خلال هذه الحفريات تطور بناء القلعة عبر الزمان. كل هذه الاكتشافات جعلتنا نضع مشروعاً لاقامة متحف في احدى القاعات يضم هذه اللقى والاكتشافات".
واستدرك بدوي: "لم نقم بالحفريات في كل القلعة، بل تركنا جزءاً منها للأجيال القادمة لتكتشفها عبر تقنيات أحدث ربما. وتركنا بعض الصواريخ الاسرائيلية في مكانها، لاعطاء فكرة عن التاريخ الحديث للقلعة، كذلك تركنا الدشم التي اقامها الجيش الاسرائيلي على طرف موقع القلعة لتبقى ذاكرة الاحتلال".


الترميم
بالموازاة مع أعمال التنقيب كانت تسير أعمال الترميم. الدمار اللاحق بالقلعة كان ناجماً عن الاعمال العسكرية طوال فترة الاحتلال، واستخدام الدبابات والقيام بتحركات عسكرية في محيطها أثر على بنيتها الانشائية. وكان الاسرائيليون قد ردموا خندقاً حول القلعة، وبنوا ثكنة عسكرية محصنة لقواتهم، وفجروها يوم انسحابهم، ما اثر بشكل كبير على سلامة بعض المنشآت داخل القلعة.
ويؤكد بدوي ان "الهدف الاساس من ترميم القلعة كان الحفاظ على ما تبقى منها، واعادة بناء بعض ما تهدم ودمر لاستكمال الشكل العام للقلعة الذي اصابه تشوه نتيجة الدمار الذي لحق بها. حاولنا الحفاظ على مبدأ الاصالة في العمل، فاستخدمنا حجاراً من مقالع تشبه حجارتها الحجار المستخدمة في بنائها، كذلك استخدامنا المونة الكلسية والاسمنتية ذاتها التي كانت مستخدمة تاريخياً في بناء القلعة. وبشكل عام، استكملت معظم أعمال الترميم، مثل تقوية أسوار القلعة، واعادة بناء الأقبية التي دمرت، وتم عزل السطوح لتفادي خطر تسرب المياه. لكن للأسف لم يكتمل تنظيف خندق القلعة من بقايا الموقع الاسرائيلي لعدم توافر تمويل كاف، فتم تأجيله الى مرحلة لاحقة".


التأهيل السياحي
واستكمالاً لتأهيل القلعة وتحويلها موقعاً سياحياً، كان لا بد من انشاء "مركز استقبال" للزوار والسياح يقدم مواد اعلامية من شريط وثائقي عن القلعة وتاريخها، ومنشورات وكتب وهدايا وتذكارات. كذلك أقيمت مسارات سياحية تسهل التنقل داخل القلعة من ادراج حجرية ومعدنية، وأضيف درابزون حماية على كل الموقع، واغلقت الاماكن التي تشكل خطراً على سلامة الزائرين، وانتشرت في انحائه لوحات تفسيرية تشرح، باللغات الثلاث، تاريخ القلعة وتقنيات البناء المستخدمة والتعريف بكل جزء منها.
وللاحتفال بانتهاء أعمال الترميم، يقام الأحد المقبل مهرجان رسمي وشعبي، يعلن افتتاح القلعة موقعاً جديد يضاف الى لائحة المواقع الأثرية والتاريخية في لبنان والعالم.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم