الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

شاهدة من قلب الحدث تروي: "رأيت كل شيء"

المصدر: "الموند"
شاهدة من قلب الحدث تروي: "رأيت كل شيء"
شاهدة من قلب الحدث تروي: "رأيت كل شيء"
A+ A-

تدخّن مارتين* سيجارة وهي تتكئ على النافذة. تحتها بطابقين اثنين، يخرج أزيز من الأجهزة اللاسلكية. تخترق صفارات سيارات الإسعاف والإطفاء أثير الهواء البارد. ويُعلَن عن وصول وزير الداخلية، ورئيس الجمهورية... وبين نفخة وأخرى في السيجارة، تحدّق مارتين في حمّالات الإسعاف التي تروح وتجيء بلا انقطاع وفي تنقلات عناصر الشرطة والإسعاف. يقع محترف التصميم الذي تملكه في مبنى Impasse des Primevères على مقربة من شارع نيكولا-أبير. لقد قُتِل للتو اثنا عشر شخصاً في الرقم 10، بينهم صحافيون من أسبوعية "شارلي إيبدو" وشرطيان.


شهدت مارتين وزملاؤها، من المكان المرتفع الذي كانوا يقفون فيه، على نهاية الحادثة المأسوية التي تركتهم تحت وقع الصدمة. بعدما سمعوا صوت طلقات نارية وصراخاً وشاهدوا وصول فرق الإسعاف الأولى، صوّروا سيارة "سيتروان" السوداء التي أقلّت القتلة والتي توقّفت لبضع ثوانٍ في شارع ضيق بعدما اعترضتها سيارة للشرطة. تروي مارتين التي تعمل خيّاطة: "خرج منها رجلان يحمل كل منهما رشاش كلاشينكوف. أطلقا النار على عناصر الشرطة، فأرغماهم على التراجع. ثم انطلقا نحو جادة ريشار-لونوار". استمر صدى الطلقات النارية في التردد عبر الأثير لبعض الوقت. ثم لا شيء. سادت حالة من الذهول الشديد.


في أروقة مبنىImpasse des Primevères ، اختبأ الشهود خلف جدران الباطون البارد. تلقّى موظفو شركة "لوناس" التي تطل نوافذها على مدخل المبنى الذي يضم مكاتب "شارلي إيبدو"، تعليمات بالتزام الصمت. وعلى بعد بضعة أمتار، انتظرت هيئة تحرير مجلة "بوكس" الساخرة أخباراً لمعرفة مصير إحدى الزميلات. بعد إطلاق النار، دخلت تلك الزميلة مقر مجلة "بوكس" مسرعةً، وكتبت في رسالة نصية: "رأيت كل شيء". الجثث الهامدة على الأرض، آثار الدماء على الدرج. الشابة التي أرادت إغاثة المصابين احتاجت بدورها إلى العناية من فرق الإسعاف. تروي ساندرين تولوتي، رئيسة تحرير مجلة "بوكس" الشهرية: "اعتقدنا أننا نسمع أصوات مفرقعات نارية، لكنها كانت أصوات طلقات نارية".
استُقبِلت عائلات الضحايا في الطابق الأرضي من المبنى. أُلصِقت لافتات على وجه السرعة. وامتلأ المكان بالطواقم الطبية والأطباء النفسيين. توافد أقرباء الضحايا متّكئين على عناصر الصليب الأحمر. بعضهم بالكاد يستطيع الوقوف على قدمَيه، وجوههم شاحبة ومغرورقة بالدموع.


"المهم ألا تخرج الأمور عن طورها"
في الخارج، نصبت "الحماية المدنية" في باريس خيماً برتقالية لاستقبال الناجين والشهود الذين اجتمعوا أمام مسرح Comédie Bastille. ومن بينهم رينالد لوزييه المعروف بـ"لوز" الذي أمسك سيجارته بيد مرتجفة وراح يدخن بعصبية. وصل متأخراً إلى مقر الأسبوعية، فكُتِبت له النجاة. كانت كارولين فورست التي كانت تعمل سابقاً لدى "شارلي إيبدو" موجودة أيضاً، وقد علقت: "قضي على جيل كامل من رسّامي الكاريكاتور".
وكانت اللحظات المرعبة تُسترجَع بصورة متقطعة وغير منتظمة. سُمِع أحدهم يقول: "يبدو أنهم شهروا السلاح بوجه فتاة وقالوا لها، 'إذا تلوت القرآن، ندعك وشأنك'"، وآخر يروي: "هناك أشخاص اختبأوا تحت الجثث"، "أحدهم صعد الدرج من جديد راكضاً عندما سمعهم يصرخون 'أين تقع شارلي إيبدو؟'"...
نُقِل الناجون في مجموعات من خمسة أو عشرة إلى مستشفى "أوتيل ديو". وقد استمعت شرطة باريس القضائية لاحقاً إلى شهادات بعضهم. وبعد وقت قصير، لم يبقَ أمام المسرح سوى قوى الأمن، وفرق الإسعاف، ورجلان يتصفحان بتوتر شديد العدد الأخير من أسبوعية "شارلي إيبدو". وفي طرف الشارع، حيث تجمّع الفضوليون والصحافيون، أعرب جان-لوك ميلانشون ودانييل سيمونيه من حزب اليسار، وإيمانويل كوس من حزب "أوروبا البيئة-الخضر"، ورازي حمادي من الحزب الاشتراكي، عن صدمتهم أمام عدسات الكاميرات. قدّمت امرأة جاءت للتسوق في باريس باقة ورود حمراء لعناصر الإطفاء. ووزّع رجل يعتمر قلنسوة القهوة على المتفرجين المتجمدين من البرد.
غرق الحي في ظلام الليل. بدأ التحضير للتجمّع دعماً لـ"شارلي إيبدو" في ساحة الجمهورية. "المهم ألا تخرج الأمور عن طورها"، كما قال أحد التجار.


* جرى تغيير الاسم بناءً على رغبتها 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم