السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

خيارات الأردن حيال أسر الكساسبة: أحلاها مرّ

المصدر: عمان-"النهار"
عمر عساف
خيارات الأردن حيال أسر الكساسبة: أحلاها مرّ
خيارات الأردن حيال أسر الكساسبة: أحلاها مرّ
A+ A-

مع إشراقة كل شمس، وعلى رغم الغيوم الملبدة التي تحجبها، يسترجع ذوو الطيار الأسير معاذ الكساسبة أنفاسهم أن مضى يوم آخر وابنهم ما يزال حيّأ، وهم يترقبون سحابة النهار كل ما قد يأتيهم بنبأ عنه.


ومع أهل "الضيف" لدى داعش كما ترى والدته، أو "الرهينة" كما يطيب للحكومة الأردنية أن تصفه، يصطف الأرادنة جميعا يعتصرهم الألم ويحدوهم الأمل بعودته "سالما" على رغم اختلافاتهم السياسية حيال مسألة البقاء في التحالف الدولي للإرهاب أو الانسحاب منه.


سلامة معاذ أولاً


هذا هو العنوان الذي يجتمع عليه الجميع، إذ "فجأة أحس الأردنيون أن لهم ابنا اسمه معاذ" الذي سقط خبر وقوعه أسيرا بين يدي تنظيم داعش قبل 11 يوما "كما الصاعقة" وفق المحلل السياسي عريب الرنتاوي.


أسر الطيار الكساسبة "ذكّرنا أننا في حرب، وأننا لم ندع لنزهة قصيرة، نقضيها مع عائلاتنا وأحبابنا"، يقول الرنتاوي لـ"النهار"، ويتابع: "ولأننا بشر كسائر خلق الله، نعتقد دائماً أن "الأسوأ" قد يصيب الآخرين، وعندما نصاب بمكروه، نتصرف كما لو أن الأمر قد حصل من دون استئذان، ربما لهول المفاجأة".


المشكلة أن "ابننا هو عند أناس لا ترحم (..) ونعرف أن "داعش" عودنا على الرسائل الوحشية، والمطالب غير الواقعية ورأينا شروطاً تعجيزية يتقدم بها التنظيم كمطالبته بمنطقة عازلة في "جرود عرسال"، وكما في مناسبات مختلفة ومع أطراف أخرى، انتهت جميعها بكوارث".


والحكومة أعلنت أنها لن تدخر جهدا في عودة معاذ سالما إلى أهله. ويجزم الرنتاوي انها جادة في إجراء أي مقايضة، "حتى لو اضطررنا إلى تجرع السم ليعود سالما". لكن "أن تضع شروطا غير منطقية ومذلة للدولة الأردنية، فهذا ما لا يمكن أن يقبله أي أردني بمن فيهم أهل معاذ".


"سري ومكتوم"
منذ اللحظة الأولى بدأ الأردن الرسمي اتصالاته، وبدا واضحا من التكتم الإعلامي الرسمي أن ملف التفاوض تسلمته الأجهزة الأمنية وتحديدا المخابرات العامة والاستخبارات "الأمن العسكري" وليس الحكومة، وأن التنسيق السياسي هو فقط مع القصر، والملك تحديدا.
ومع أن المعلومات الراشحة من القنوات الرسمية شحيحة جدا، إلا أن ما تأكد هو أن المفاوضين طرقوا كلّ الأبواب الممكنة: (تركيا وقطر وجبهة النصرة ورموز التيار السلفي الأردنيين وزعماء العشائر السنية غربي العراق).


غير ذلك، لم يصدر إلا تسريبات غير مؤكدة تفيد أن داعش يفرض شروطا تعجيزية على رأسها انسحاب الأردن من التحالف الدولي المناهض لها ووقف جميع التسهيلات المقدمة لقوات التحالف وخصوصا استخدام أراضيه وقواعده الجوية.
ولوحظ أن المفاوضين الأردنيين يفرضون تكتما شديدا على أي معلومة متعلقة بمسارات التفاوض مع داعش ومآلاته، وأن الوسطاء ملتزمون بهذه السرية المعروفة في الأردن بـ"سري ومكتوم". وحتى داعش لم يدل بأي تصريحات ذات قيمة، سوى المقابلة التي نشرها بالانجليزية مع الطيار الأسير، وهي كانت بمثابة رسالة، الهدف منها إثبات أنهم هم من أسقط الطائرة خلافا لما تقوله واشنطن.


خيارات الحكومة


يعتقد مراقبون أن دخول الأردن في حرب برية ضد داعش كانت مسألة وقت، وأن حادثة أسر الطيار الأردني شتتت الأوراق موقتا.
وعلى رغم التأكيدات المتكررة بأن هذا لن يكون. وأن الدور الأردني سيقصر على تدريب وحدات من الجيش العراقي وتشكيلات من أبناء العشائر السنية الموجودة وسط العراق وغربه (خصوصا عشائر الرمادي والأنبار المرتبطين بعلاقات جيدة مع مراكز صنع القرار الأردني). إلا أن ما بين السطور يشي بغير ذلك.


فمقولة العاهل الأردني عبدالله الثاني، أن الحرب على الإرهاب هي "حربنا"، التي تلقفها الإعلام الرسمي في حملة بدت منظمة لتهيء الرأي العام لما هو أكثر من "طلعات جوية مشتركة".
ومخاطبته للقوات المسلحة في خطبة افتتاح الدورة العادية الثانية للبرلمان قبل شهرين بأن "الجيش العربي المصطفوي سيظل، ورفاقه في الأجهزة الأمنية مستعد للتصدي لكل ما يمكن أن يهدد أمننا الوطني، أو أمن أشقائنا في الجوار. فالأمن العربي كل لا يتجزأ".
وكذلك تصريح وزير شئون التنمية السياسية خالد الكلالدة قبل 3 شهور خلال لقائه امناء أحزاب أردنية أن خيار مشاركة الاردن في التدخل البري ضد داعش "وارد".


غير أن "سقوط الطائرة، وأسر الكساسبة، لن يثنيا الدولة الأردنية عن خياراتها الاستراتيجية"، كما يرى الرنتاوي. وهو ما يتفق معه الباحث راكان السعايدة الذي يعتقد أن الأردن "لا يملك خيار البقاء في التحالف الدولي أو أن يغادره، وإن لم يكن البقاء حبا فهو كره".
ويرجع السعايدة ذلك إلى سببين رئيسين، أولهما: أن عمان متحالفة مع واشنطن منذ أحداث 11 أيلول وقدم دعما لوجستيا استخباريا وعسكريا في غير منطقة (افغانستان مثلا). وبالتالي فهذا التحالف وربط المصالح الأردنية بأميركا، ومنذ سنوات طويلة يمنعانه أن يغادر التحالف لتأثيرهما على الدولة ومستقبلها السياسي بمفهومه الشامل، والاقتصادي كذلك".
أما السبب الآخر، فهو أن الصراع الأميركي- الأوروبي مع "تنظيم الدولة الإسلامية" يجري على حدود الأردن، وهذا بتقدير الأخير "يضطره لأن يكون جزءا من ماكنة الصراع والحرب الدائرة، لاعتقاده أن خوض الصراع مع التنظيم على أرض سوريا والعراق أفضل بكثير من إدارته على أرضه (أي الحرب الوقائية)".
هنا يتضح ان النظام الأردني مرتبك، بسبب عدم اتضاح المشهد، وبالنظر إلى الاحتمالات الواسعة المرتبطة بنجاح أو فشل إعادة الكساسبة سالما والثمن الذي سيدفعه مقابل استعادته.
إذ هنالك خشية، حال فشل المفاوضات، وإصدار داعش "فيديو جديدا" دمويا، أن يحمّل الشارع النظام مسؤولية هذا الفشل، فيما يعتقد مراقبون أن فقد الأسير قد يشكّل فرصة لإعادة توحيد الأردنيين جميعا خلف النظام وأي خطوة يتخذها حيال داعش بما فيها الحرب البرية.
وهو ما قد يحمل في طياته "مزيدا من الجثامين والأسرى" في حرب يشدد بعض أطياف الشارع، ومنهم الاسلاميون وحزبيون، وستة نواب أصدروا بيانا عنوانه "ليست حربنا"، فسر بأنه رد على مقولة الملك.


وما يعزز الرأي القائل بأن الأردن سينخرط بصورة أعمق في الحرب على داعش، تأكيد مسؤول أردني سابق في جلسة فكرية مغلقة أخيرا، بأن "المنطقة مقبلة على إعادة تشكيل جيوسياسي، وهو ما يعيه النظام الأردني الذي سيتجه إلى حماية الكيان السياسي من خلال "شرعية الإنجاز للدولة" في الإقليم. بمعنى إثبات حيويته وأنه ضرورة لازمة في أي تغير في الجغرافيا السياسية للمنطقة.


لذا، لا يعتقد السعايدة أن الأردن بوارد الانكفاء وترك الحرب، لكنه "يوازن بين أمرين، يرتبطان عضويا بمآلات ومصير الطيار المأسور. الأمر الأول هو: الإبقاء على مستوى مشاركته ضمن التحالف الدولي في نطاق الدعم اللوجستي الاستخباري والعمليات الجوية، وتوفير أرضية للتنسيق والتحرك.
والآخر: توسيع نطاق التدخل ضمن التحالف ليكون جزءا من العمليات البرية، أكان عبر مشاركة وحدات نخبة (عمليات خاصة) تنفذ عمليات جراحية وتنسحب، أم قوات برية بالمعنى التقليدي (أي بسط السيطرة على الأرض).


أمام هذه الخيارات الصعبة، يذكّر المراقبون بقدرة الأجهزة الأمنية على إدارة ملفات التفاوض، ويستشهدون بحالة استعادة السفير الأردني في ليبيا فواز العيطان في أيار الماضي بمقايضته بسجين ليبي منتم للقاعدة، على رغم ان الحال الراهنة أشد تعقيدا وخطورة.
فهل ينصاع الأردن لشروط داعش؟ وهل تُعقلِن داعش مطالبَها؟ خصوصا أنها حققت الغاية الأهم من أسر الطيار، وهي إثبات قدراتها القتالية وإحراج التحالف، أم تتجه الأمور نحو التأزيم ولعبة كسر الإرادات؟ فأيٌّ من هذين الأمرّين يختار؟".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم