الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ليس ليسوع في بغداد إلاّ شجرة وزينة مهلهلة!

المصدر: "النهار" – بغداد
محمد ثامر يوسف
ليس ليسوع في بغداد إلاّ شجرة وزينة مهلهلة!
ليس ليسوع في بغداد إلاّ شجرة وزينة مهلهلة!
A+ A-

ليسوع الآن في بغداد شجرة، وزينة مهلهلة، أعدّتها البلدية على عجل واضح، ووزّعتها على بعض المنعطفات. كل فعل، مفتعل، يؤديه عراقي غير مسيحي لشريكه السابق في الوطن، هو فعل ناقص في الضرورة. بمعنى، هو فعل غير مكمّل لشروطه استناداً إلى العلاقة المبتورة وغير الأمينة التي فقدنا بسببها هنا ما يربو على مليون ونصف مليون من سكان البلاد الأصليين منذ 2003 حتى الآن، طارت زينتهم معهم، من دون أن نفعل شيئاً لهم سوى الأمنيات الانشائية العامة، أو تبادل التهاني مع أصدقائنا الشخصيين منهم عبر الرسائل النصية، وبالطبع في مقدمة ذلك، الاعلانات السياسية المنافقة التي تنتجها النخبة الحاكمة على المنابر، سياسية أكانت أم دينية.


النتيجة، هي هذه.
لذا، تظل أفعالنا في عين هذا الشريك المبتلى، خطرة فعلاً، أو هي في أقل الأحوال تبدو كأنها رتوش اضطرارية يقتضيها هذا اللوكيشن الضخم الذي اسمه العراق "الجديد"، الذي يتحرك داخله كل هؤلاء الممثلين بلا هدف، مع توضيح مهم يفنّد الكذبة الشائعة من أن الضرر داخله عام ويشمل الجميع.
كلا. مأساة المسيحيين مركزة. ففي حين عوّضنا الوطن بالطائفة أو العشيرة، فصارا أهم، أو احتمينا بهما، وجد المسيحيون الحالمون بوطن، أنفسهم بلا شيء تماماً، إنما يواجهون مصيرهم بطريقتهم.
أفعالنا باختصار، لا تدافع عن المكان العام الذي يشكل هؤلاء المخذولون أصله وفصله، إنما هي تصرفات تدافع عن حالها، بوصفها متفضلة ولا تقصر. مرة أخرى، المراد من هذه الأفعال هو غير الغاية المعلنة، كما أن كل الأمنيات التي لن ترى نتائجها النور، استناداً إلى معطيات الواقع، تشبه تستراً تاماً على آليات جريمة كاملة مفعمة بالإصرار، يمارسها الكل حتى قبل "داعش"، الذي ختم الأمر مع المسيحيين بصراحة ووضوح أكثر، ولو أبلغ قسوة.
أقول، حتى لو تبادلنا التهاني مع لا أحد تقريباً، أو زرنا الكنائس التي تحولت اليوم إلى متاحف خاوية، والتقطنا بعض الصور في هذه المناسبة، ستظل حكاية المسيحي ابتداء من هنا، حكاية للذكرى وصوراً للفرجة وحسب، بمعنى تفاصيل مناسبات يمكن تطعيمها أيضاً بزينة أو بشجرة، كما تفعل بلدية العاصمة على سبيل المثال، حين تقوم هذه الأيام بتثبيت بعض هذه الأشجار في أحياء الأهل القدامى ومناطق سكناهم. هذه الحركة مفتعلة، ليس لأن هذه الأشجار تبدو ساذجة فعلاً وتخلو من ذوق عارف، إنما لأنها في الحقيقة لا تطل على مسيحي واحد تقريباً، منذ أن أفرغت الديار والأحياء من ساكنيها الذين كانوا يشكلون عمادها المطلق قبل حين. أشير إلى هذه الالعاب الاجتماعية/ السياسية الزائدة، لإيضاح مدى النفاق العام الذي ينطوي عليه فعل الاحتفاء في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها مسيحيو العراق بالجملة، في الموصل وبغداد وسواهما.
ليس ليسوع في النهاية إلا هذه الشجرة، هكذا يبدو الأمر، وما لأبنائه بعد ذلك كله الاّ الحلم. هكذا يتحدث جلّهم الآن بصراحة إلى وكالات الصحافة في المهاجر وفي ما بينهم، أو بعبارة أصح منذ أن تقوضت كل الأحلام الممكنة. المسيحي بوضوح، بات يعرف تماماً أنه يفكر في وطن مستحيل. بالأحرى وفي أدنى الحالات، سيظل يتحدث عنه كذكرى وعن التفاصيل الصغيرة واللحظات القديمة بوصفها ماضياً حميماً وكفى، والا كيف نعود، يقول لسان حالهم: كيف نحدق ثانية في عيون جيراننا القدامى مثلا؟
لذلك يضحك كثير من المسيحيون بمرارة حين نحتفل لأجلهم هذه الأيام بعيد الميلاد، أو حين نتحدث عن هذا الوجود من دون وعي كافٍ، او استيعاب جوهري لمأساتهم المعاصرة، ولآلامهم ومستويات نزوحهم المروعة أو هجرتهم مضطرين، ثم استرجاء بقائهم من هذا الجانب واعادة القول إنهم موجودون ولا يريدون مغادرة البلاد. المسيحيون يسخرون حقا من ذلك بلوعة.
مرة أخرى، كل فعل يؤديه أحد، لشركاء المكان، وتلمع فيه فكرة الحماية ببعدها الاستعراضي الممل، يكالب حالا القيمة الذرائعية الكبرى للمسألة أو الأبلغ بالنسبة إلى نظرتنا للغائبين نهائياً عن جغرافيا "وطنية" ما زالت نفسها ترسخ وجود مكوّناتها الاساسية حتى الان، بفعل فكرة الحماية: حماية العشيرة، حماية الطائفة، وحمايات مرادفة أخرى، ميليشيوية أو حزبية بلا خجل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم