الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

2014 سنة الفراغ والاستحقاقات المؤجّلة: دولة بلا رأس تفقد هيبتها

سابين عويس
سابين عويس
2014 سنة الفراغ والاستحقاقات المؤجّلة: دولة بلا رأس تفقد هيبتها
2014 سنة الفراغ والاستحقاقات المؤجّلة: دولة بلا رأس تفقد هيبتها
A+ A-

أن تطوي سنة 2014 آخر صفحاتها، لا يعني حكماً أن لبنان يطوي معها تلك الصفحات السود التي طبعت البلاد على مدى 12 شهراً، في الامن والسياسة كما في الاقتصاد والمال وشؤون الناس وصحتهم وسلامتهم. لم ينقض يوم في 2014 إلا حمل معه تراكم الأزمات المستفحلة في البلاد والتي جعلت السمة الابرز للعام المشارفة نهايته، إنحلالاً في مؤسسات الدولة وتراخياً في إدارة شؤونها نتيجة تعطيل سياسي متعمد بدأ حكوميا واستكمل نيابياً ليتوج رئاسيا بشغور في سدة الرئاسة، يطوي بنهاية السنة شهره الثامن.


منذ اليوم الاول لتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بعد 11 شهراً من المشاورات الشاقة للتأليف، بدا واضحاً حجم المسؤولية الملقاة عليها والدور المعقود لها، وهو ربما ما برر التأخر في التأليف. إذ إنحصرت مهمة الحكومة بعنوانين أساسيين لا ثالث لهما: الحفاظ على الاستقرار الامني ولو في حده الادنى، منعاً لإشتعال الداخل مذهبياً بنار الازمة السورية المتمددة إرهاباً وتفجيراً، وتأمين إستمرارية الحكم وتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية المستحقة بفعل إنتهاء ولاية الرئيس في 25 أيار، بعد 3 أشهر على تاريخ تأليف الحكومة، في ظل توقعات تنحو إلى التأكيد أن أزمة الفراغ الرئاسي حاصلة لا محالة.
فحكومة الرئيس سلام التي ولدت بعد مخاض طويل ومعقد، بدت بتركيبتها عاكسة لكل الحسابات السياسية المسبقة التي تمركزت على توقع الفراغ الرئاسي ولو من دون إقرار علني من أي جانب، وأن هذه الحكومة لن تعمر لمهلة إنتقالية كما كان يجب أن يحصل لو تم إلتزام المهل الدستورية لإنتخاب رئيس. ذلك ان عمر الحكومة ما كان يجب ان يتجاوز الاشهر الثلاثة لو تم إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإنتخب رئيس جديد للجمهورية، ولم يكن ثمة مبرر لأن يستغرق التأليف نحو عام قبل أن يتمخض عن حكومة إئتلافية وصفت بحكومة ربط النزاع، ليس أكثر. وجاءت الولادة الصعبة لحكومة تضم كل الفئات السياسية على قاعدة انها ستتولى صلاحيات الرئاسة بالوكالة لمدة مفتوحة، في إنتظار إنضاج الظروف الداخلية والخارجية المؤاتية لإنتخاب رئيس جديد.
لم تكن الانتخابات النيابية المتوقعة الصيف المنصرم قبيل إنتهاء ولاية المجلس، الممددة مرة أولى في 16 تشرين الثاني الماضي، بعيدة من هذا المناخ. وقد يصح القول ان هذا المناخ عينه، إنسحب لاحقاً على الاستحقاق النيابي، بحيث جاء التمديد الثاني لمجلس النواب ليكمل صورة مفروضة وقسرية برّرت "تمديد الضرورة" حتى منتصف 2017.
وبإنجاز التمديد، إستكمل السيناريو المعدّ للبلاد كل فصوله: فراغ في سدة الرئاسة أحال صلاحيات الرئيس، على معدوديتها، إلى حكومة الـ24 وزيرا مجتمعين، وحكومة إئتلاف قسري سقف إنجازاتها لا يتعدى تسيير الامور الملحة والضرورية لمنع الانهيار. أما الاستثناءات في الانجاز ومن خارج هذه المنظومة، فجاءت نتيجة تفاهمات سياسية ترعاها مصالح مشتركة.
ظل لبنان طيلة عام 2014 رهينة المزاج الاقليمي والدولي. لم تنجح القوى المحلية، على رغم توافر فرص عدة، في إقتناص أي منها لإخراج لبنان من دوامة الانهيار.
قبل 25 أيار، تاريخ إنتهاء الولاية الرئاسية، برزت فرصة ولو ضئيلة، للبننة الاستحقاق، لكن خلافات القوى المسيحية وحساباتها كانت أقوى، وأعجز من أن تقلب طاولة الإصطفافات القائمة لتأتي برئيس. فظلت المعادلة الطائفية التي حكمت إنتخاب الرئيس تسيطر بشدة على المشهد، مطيلة فترة الشغور، ومعطلة الممارسة الديموقراطية للإنتخاب من خلال تعطيل النصاب النيابي المطلوب، وكل ذلك، معززاً بمناخ إقليمي ودولي غير مؤاتٍ.
لم ينجح المسيحيون في إنتخاب رئيس لهم، وفشلوا في حماية الصلاحيات المعقودة لطائفتهم من الفراغ، ولم يتلقفوا تجارب الطوائف الاخرى في حماية صلاحياتها، حين دافع السنة عن كرسي الرئاسة الثالثة ولم يستكينوا حتى شكلوا الحكومة، فيما أمّن الشيعة إستمرارية رئاسة المجلس عبر التمديد. وظل المسيحيون المنقسمون بين 8 و14 آذار في حاجة ملحة، وإما إلى الحليف السني واما الى الحليف الشيعي لتأمين العبور الآمن الى الرئاسة أو العكس. ولم تنفع المبادرات المسيحية من بكركي او من المرشحين البارزين ميشال عون وسمير جعجع في كسر الحلقة الرئاسية المفرغة. علما أن إقتراح عون تعديلاً "محدوداً" للدستور لإنتخاب رئيس من الشعب كان ليغير وجه النظام البرلماني ويهيئ للمؤتمر التأسيسي الذي نادى به مرة "حزب الله".
دخلت البلاد مع تعطل إنتخاب الرئيس مرحلة جديدة من الفراغ لم تملأه الجلسات الماراتونية للحكومة أو "تشريع الضرورة" الذي رمى إلى تفعيل المجلس النيابي عبر جلسات تشريعية يقتصر جدول أعمالها على البنود الملحّة.
لكن أسوأ ما كان في الامر أن القوى السياسية على إختلافها، التي أجمعت على رفض الشغور وإدانته، لم تبذل جهدا حقيقا لإنضاج ظروف داخلية مؤاتية للضغط من اجل إنتخاب رئيس وفرض ذلك على الاجندة الخارجية من منطلق حماية الصيغة اللبنانية "الفريدة". بل كان الهم الاساسي الذي شغل المكون المسلم على ضفتي 8 و14 آذار، هو تلافي الانزلاق إلى فتنة مذهبية داخلية والعمل على إحتواء الاحتقان في صفوف القواعد الشعبية المحمومة على خلفية إنخراط "حزب الله" في الحرب السورية، والامتداد الارهابي لتنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" في إتجاه الداخل اللبناني، وما يستتبعه من عمليات خطف ومواجهات عسكرية دفع ثمنها العسكريون في الجيش وقوى الامن، شهداء ومخطوفين.
كانت الاولوية لدى "المستقبل" و"حزب الله" تركز على هذا الامر، فكان الاتفاق على إطلاق الحوار بينهما، فيما الحوار المسيحي لا يزال عالقا في قمقم التنافس على قصر بعبدا من دون الاخذ في الاعتبار مخاطر استمرار الدولة من دون رأس، والاكلاف الباهظة المترتبة على إستمرارية الحياة السياسية وعمل الدولة والقوات العسكرية من دون رأسها وقائدها الاعلى، علماً أن ما لم يتلمسه السياسيون حتى الآن هو أن الدولة من دون رأس تفقد هيبتها وسلطتها، مهما تعددت السلطات الاخرى والصلاحيات المنوطة بكل منها. وهذا الامر سيتبلور أكثر مع الآتي من الايام. وليس التعامل مع ملف العسكريين الا عينة من تشتت السلطة والتناتش الحاصل حولها.
وحده رئيس الحكومة تمام سلام ظل مصرّاً على أهمية وجود الرئيس، فحرص على إدراج التذكير بهذا الامر في مطلع كل جلسة حكومية، وحمل هذا الملف، إلى الملف الامني وملف اللاجئين السوريين، إلى كل لقاءاته الخارجية في إطار التحرك العربي والدولي الذي قام به على عدد من الدول، إنطلاقا من إقتناعه بأن الدولة من دون رأس لا يمكن أن تسير بشكل طبيعي، وأن المشاكل ستتراكم في كل المجالات إذا بقيت رهينة الخلافات السياسية والتعطيل الذي ينسحب على غالبية أعمال الحكومة والملفات المطروحة أمامها.
إذاً، وفي خلاصة 2014، هي سنة الفراغ والامن المتفلت من أي قيود، وضعت لبنان في عين العاصفة السورية سائرا على حافة الهاوية: لا حرب، ولكن لا إستقرار مستداماً. اما البلاد فسائرة في دوامة البحث عن جواب: هي أزمة إرهاب أو أزمة حكم أو أزمة نظام تحول لبنان في نظر الغرب إلى نموذج للضعف والارتهان.
تنقضي 2014 من دون أسف، لكنها لا تترك في المقابل أي خميرة تحمل خيرا للسنة المقبلة. فدوامة الانتظار لن تكون على الارجح قصيرة، والافراج عن رئيس لا يزال ينتظر من الحركة الدولية إشارات إيجابية لم تتبلور بعد رغم الحركة الكثيفة للموفدين ذهاباً وإياباً.
هي سنة الانتظار إذاً، وربما المفاجآت في 2015، علها تحمل في طياتها ما يعيد الى الدولة رأسها وهيبتها، فيخرج رئيسها من رحم التسويات الاقليمية والدولية، ليبقى للبنان دولة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم