الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

من وحي الدستور اللبناني

شبلي ملاّط
من وحي الدستور اللبناني
من وحي الدستور اللبناني
A+ A-

من الأقوال المأثورة في الفقه المقارن أن الدستور ليس "عقداً للإنتحار" suicide pact. أهمّ ما يُناط به القضاء، والمجالس الدستورية على رأسه، مَنْعُ تفسير السياسيين للدستور بما يعطِّله، جاعلين منه انتحاراً جماعياً يتمثل في إفراغه من السلطات والحقوق المكرَّسة فيه. ظروف صعبة نمرّ بها، ولا بدّ من خروج الوطن من مساره الإنتحاري. أفضل ما أراه أساساً لإحياء العقد الاجتماعي المعطّل، موجود في الحيثيات التي أدرجها المجلس الدستوري في قراره الأخير المتعلق بدستورية التمديد الذاتي لولاية مجلس النواب.


هذه الحيثيات في جلّها صائبة، بعضها أهمّ من بعض، أقدّم مختارات منها إلى القارئ بحرفيَّتها (مع نقاط بين قوسين للنصوص الأقلّ شأناً التي حَذَفْتُها للإختصار). ولأن المجلس ردّ الطعن بحجة أنه ليس مؤهلاً لتقصير مدّة التمديد، أضيفُ مختصراً دستورياً وفقرة عملية، متبعاً المنطق المستوحى من هذه الحيثيات بما أراه جديراً بإخراج البلاد من التعطيل المتمادي للحياة العامّة.
ما يأتي إذاً النص الحرفي لأهمّ ما جاء في قرار المجلس، يليه مختصرٌ فقهي وفقرة حكمية- عملية تماشياً مع صائب حيثياته؛ وَلِئن الإنتحار مستمرٌّ سياسياً، فالحلّ الدستوري لا يزال ضرورياً، وترجمته في الحياة العامة بيدنا نحن اللبنانيين.
أما الآلية الملائمة اليوم لتفعيل المنطق فليست واضحةً بعد في ذهني، قد تنجلي إذا التقى الغيارى على الوطن في الروح المرجِّحة الحياة الدستورية على المسار الإنتحاري.


المجلس الدستوري:
المستدعون: النواب السادة:
القانون المطلوب وقف العمل (...) المتعلق بتمديد ولاية مجلس النواب.
إن المجلس الدستوري الملتئم في مقره بتاريخ 28/11/2014 (...)
وعملاً بالمادة 19 من الدستور،
في الأساس:
...
في مخالفة القانون المطعون فيه المبادئ الواردة في مقدمة الدستور
بما أنَّ مقدمة الدستور جزء لا يتجزأ من الدستور،
وبما أنَّ مقدمة الدستور نصت على التزام لبنان الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومواثيق الامم المتحدة، وعلى تجسيد الدولة المبادئ الواردة فيها في جميع الحقول والمجالات دون استثناء،
وبما أنَّ المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان نصت على أن إرادة الشعب هي مصدر السلطات، يعبَّر عنها بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وحرية التصويت،
وبما أنَّ الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، التي انضم اليها لبنان في العام 1972، نصت على أن لكل مواطن الحق والفرصة في ان ينتخِب ويُنتخَب في انتخابات دورية على أساس من المساواة،
وبما أنَّ مبدأ دورية الانتخابات أكدته قرارات المجلس الدستوري وبخاصة القرار رقم 2/97 والقرار رقم 1/2013،
وبما أنَّ مبدأ دورية الانتخاب مبدأ دستوري لارتباطه بمبدأ انبثاق السلطة من الشعب وخضوعها للمحاسبة في الانتخابات،
وبما أنَّ المحاسبة في الانتخابات عنصر اساسي في الانظمة الديموقراطية، وقد نصت مقدمة الدستور على أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل.
وبما أنَّ الانتخابات النيابية هي الوسيلة الاساسية لتحقيق الديموقراطية البرلمانية،
وبما أنَّ الانتخابات تفسح في المجال امام المواطنين للتعبير عن ارادتهم في اختيار من يمثلهم،
وبما أنَّ مقدمة الدستور نصت على أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية،
وبما أنَّ المجلس الدستوري أكد، في قراره رقم 1/2013، أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي الوسيلة الوحيدة لانبثاق السلطة من الشعب وهي أساس الديموقراطية البرلمانية.
وبما أنَّ مبدأ التنافس في الانتخابات هو الأساس والقاعدة في الأنظمة الديموقراطية وهو مبدأ له قيمة دستورية،
وبما أنَّ المادتين 22 و24 من الدستور نصّتا على أن مجلس النواب مؤلف من نواب منتخبين،
وبما أنَّ مجلس النواب يمثل الشعب في ممارسة السلطة، ومنه تنبثق السلطة الاجرائية، وهو ينتخب رئيس الجمهورية،
وبما أنَّ شرعية مجلس النواب هي أساس شرعية السلطات في الدولة،
وبما أنَّ اساس شرعية مجلس النواب هو الانتخابات الحرة والنزيهة التي تجري في مواعيدها، ويعبّر الشعب من خلالها عن إرادته ويحاسب من مثله في مجلس النواب، ويحدد خياراته ما يتطلب الالتزام الصارم بدورية الانتخاب والتقيّد بمدة الوكالة النيابية،
وبما أنَّ مقدمة الدستور نصت على أن الالتزام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها،
وبما أنَّ الالتزام بهذا المبدأ يقتضي تقيّد كل من السلطات بالمدة الزمنية التي تمارس وظائفها في إطارها، أي تقيّد مجلس النواب بمدة الوكالة النيابية، وتقيّد الحكومة بالثقة الممنوحة لها من مجلس النواب وتقديم استقالتها عند حجب الثقة عنها،
وبما أنَّ تمديد مدة الوكالة النيابية بقرار من مجلس النواب، في حين أن مدة ولاية الحكومة رهن بقرار منه أيضاً، يؤدي الى الإخلال بالتوازن بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية لصالح الاولى،
وبما أنَّ الإخلال بالتوازن بين السلطات، على الشكل المبيّن أعلاه، يتعارض مع الدستور، ويؤدي الى الطعن في شرعية مجلس النواب في الفترة الممددة واستطراداً الطعن في شرعية كل ما يصدر عنه،
لذلك يتعارض تمديد ولاية مجلس النواب سنتين وسبعة أشهر، بعد أن مددت سابقاً سنة وخمسة أشهر، مع الدستور من حيث المبدأ (...)
وبما أنَّ تمديد ولاية مجلس النواب بقرار منه يؤدي الى إخلال بالتوازن الذي قامت عليه الوكالة النيابية، ويتعارض بالتالي مع مفهوم الوكالة النيابية الذي نصت عليه المادة 27 من الدستور،
وبما أنَّ المجلس الدستوري سبق وأبطل في قراره رقم 4/96 النص الذي جعل ولاية مجلس النواب أربع سنوات وثمانية أشهر لأنه أخلّ بالقاعدة والعرف البرلماني المعمول به في لبنان (...)
وبما أنَّ المادة 44 من الدستور نصّت على إمكان نزع الثقة من رئيس مجلس النواب ونائبه بعد عامين من انتخابهما عند بدء ولاية المجلس، ما قد يؤشر الى أن ولاية المجلس، وفق الدستور، محددة بأربع سنوات (...)
لذلك تعارض تمديد ولاية المجلس مع الدستور من حيث المبدأ.
(...)
6- في الظروف الاستثنائية.
بما أنَّ القانون المطعون في دستوريته نص في مادة وحيدة على ما يأتي: "تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي بتاريخ 20 حزيران 2017"، ولم يأت على ذكر ظروف استثنائية، انما وردت الظروف الاستثنائية في الاسباب الموجبة،
وبما أنَّ الظروف الاستثنائية هي ظروف شاذة خارقة تهدد السلامة العامة والأمن والنظام العام في البلاد، ومن شأنها ربما أن تعرض كيان الأمة للزوال،
وبما أنَّ الظروف الاستثنائية تقتضي اتخاذ اجراءات استثنائية بغية الحفاظ على الانتظام العام الذي له قيمة دستورية،
وبما أنَّه تنشأ بفعل الظروف الاستثنائية شرعية استثنائية غير منصوص عليها تحلّ محل الشرعية العادية، ما دامت هناك ظروف استثنائية،
وبما أنَّه في الظروف الاستثنائية، الناجمة عن حوادث خطيرة جداً وغير متوقعة، يجوز للمشترع، ضمن حدود معينة، أن يخرج عن أحكام الدستور والمبادئ الدستورية أو القواعد ذات القيمة الدستورية، وذلك حفاظاً على الانتظام العام واستمرارية المرافق العامة، وصوناً لمصالح البلاد العليا، وهذا ما أكدته قرارات المجلس الدستوري،
وبما أنَّ تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية يتطلب أسباباً موضوعية حقيقية وظاهرة، تحول دون تأمين الانتظام العام من خلال تطبيق القوانين العادية،
وبما أنَّ الظروف الاستثنائية تتحدد في المكان والزمان،
وبما أنَّه ينبغي أن تكون حالة الضرورة مقيدة في حدود المدة الزمنية التي ترتبط بتلك الحالة،
وبما أنَّه إذا كان يعود للمشترع أن يقدّر وجود ظروف استثنائية تستدعي منه سنّ قوانين لا تتوافق وأحكام الدستور، في حدود المدّة التي تستوجبها هذه الظروف، فإن ممارسته لهذا الحق تبقى خاضعة لرقابة المجلس الدستوري،
وبما أنَّه إذا توافرت الظروف الاستثنائية حالياً في بعض المناطق اللبنانية، وفق تصريحات وزير الداخلية، فلا يمكن التكهّن باستمرارها لفترة زمنية طويلة تمتد سنتين وسبعة أشهر،
وبما أنَّ الظروف الاستثنائية قد تبرر تأجيل إجراء الانتخابات في موعدها وقبل انتهاء ولاية المجلس، في 20/11/2014، وهي ولاية ممدّدة سابقاً، غير أنها لا تبرر تمديد ولاية المجلس مجدداً سنتين وسبعة اشهر،
وبما أنَّ تمديد ولاية المجلس غير متناسية مع مقتضياته، وبما أن المدة الطويلة لا يمكن تبريرها بمعطيات آنية وراهنة، كما أنَّ تبريرها باعتبارات مستقبلية أو افتراضية لا يستقيم لا واقعاً ولا قانوناً،
وبما أنَّ الاجراءات الاستثنائية تكون محدودة في الزمان من أجل الحفاظ على الانتظام العام (...)
وبما أنَّ اجراء الانتخابات النيابية دورياً هو من أركان الانتظام العام، ولا يجوز بالتالي التفريط بها بحجة الظروف الاستثنائية (....)
8- في تعطيل المؤسسات الدستورية:
بما أنَّ انتظام أداء المؤسسات الدستورية هو أساس الانتظام العام في الدولة،
وبما أنَّ انتظام أداء المؤسسات الدستورية يقتضي قيام كل مؤسسة دستورية، ودون إبطاء، بالمهام المناطة بها، ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وفي إطار القواعد والمبادئ التي نص عليها الدستور،
وبما أنَّ الظروف الاستثنائية تقتضي قيام المؤسسات الدستورية بواجبها ومضاعفة نشاطها لمواجهة الظروف الاستثنائية والحفاظ على كيان الدولة ومصالحها العليا،
وبما أنَّ الشغور في مؤسسة من المؤسسات الدستورية، وبخاصة رئاسة الجمهورية، يؤدّي الى خلل في انتظام المؤسسات الدستورية جميعها، وبالتالي الى خلل في الانتظام العام،
وبما أنَّ تمديد ولاية مجلس النواب لا يجوز أن يُبرَّر بالشغور في سدة رئاسة الجمهورية، وبخاصة أن المسؤول عن هذا الشغور هو مجلس النواب نفسه،
وبما أنَّ شغور سدة رئاسة الجمهورية وإناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء ترك انعكاسات سلبية وبالغة الخطورة على أداء السلطة الاجرائية، وبالتالي على مؤسسات الدولة كافة، (...)
وبما أنَّ تردّي الأوضاع السياسية والأمنية وشغور سدة رئاسة الجمهورية، قد يؤدي الى فراغ في السلطة الاشتراعية (...)
وبما أنَّ الفراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض والغاية التي وجد من أجلها الدستور، ويهدد النظام بالسقوط ويضع البلاد في المجهول (...)
وبما أنَّ إبطال قانون التمديد المخالف للدستور، في الوضع الراهن، قد يؤدي الى فراغ في السلطة الاشتراعية، يضاف الى الشغور في رئاسة الجمهورية، ما يتعارض جذرياً والدستور،
لذلك ومنعاً لحدوث فراغ في مجلس النواب وقطع الطريق بالتالي على انتخاب رئيس للجمهورية (...)
وبعد المداولة،
يؤكد المجلس الدستوري الأمور الآتية:
إنَّ دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز المس به مطلقاً (...)
5- إنَّ تعطيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، انتهاك فاضح للدستور.
[إنتهت هنا المقتطفات الواردة حرفياً في متن القرار ويتبع مختصري الفقهي لبعض الحيثيات الإضافية، والفقرة الحكمية- العملية:]
6- إنَّ مبدأ فصل السلطات ثابت في الدستور اللبناني، ورئاسة الجمهورية كما مجلس النواب سلطتان أساسيتان لا يقوم مبدأ الفصل بينهما أصلاً ما دامت إحداهما غائبةً، وغياب أيٍّ منهما يتعارض دستورياً مع حقّ المواطن المطلق في اختيارٍ حرٍّ لممثليه، في السلطة التشريعية مباشرة، وفي السلطة التنفيذية من طريق نوابه المنتخبين دورياً.
7- إنَّ تعطيل النظام الجمهوري بالتمديد الذاتي للنواب مخالف للدستور، من شأنه تعطيل شرعية المجلس المتأصِّلة في خيار المواطن لممثليه، كما أنَّه يخالف الدستور تعطيلُ النظام الجمهوري بالتمديد للرئيس بتعديل دستوري أو بتلكؤ النواب عن حضور الجلسات لأداء واجب انتخاب "رمز وحدة الوطن" في توصيف الرئيس في المادة 49 من الدستور.
"إنَّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئةً انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر" (مادة 75).
كما أنَّ المجلس الدستوري حريصٌ على شرعيته المنبثقة من اختيار السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مكتملتين ليتمتع أعضاؤه بالشرعية الدستورية الكاملة، وعلى حقّه المكرّس في حلّ النزاعات الناشئة عن الإنتخابات النيابية والرئاسية المنصوص عليه في المادة 19 من الدستور.
وبناءً عموماً على حرص المجلس الدستوري حماية الجمهورية غيرَ معطَّلة بالفراغ والتمديد.
يقرر:
قبول المراجعة شكلاً.
قبول الطعن المقدم للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في السلطة الإشتراعية مقتَرَناً بالتعطيل المؤدي إلى الفراغ المتمادي في السدّة الرئاسية.
إكمال العملية الدستورية في السلطتين التشريعية والتنفيذية بمبدأ درء مفاسد التعطيل الدستوري بالأولى، وهو انتخاب رئيس الجمهورية تتبعه انتخابات نيابية فور انتخاب الرئيس.
اعتبار المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئةً انتخابية لا هيئة اشتراعية يترتب عليها الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر.
اعتبار أعمال مجلس النواب الأخرى مخالفة للدستور منذ نفاذ القرار الحالي.
اعتبار عملنا كمجلس مستمراً وقائماً حتى إتمام العمليتين الانتخابيتين لبتّ أي نزاع ناشئ عنهما.
ينفذ هذا القرار في اليوم التالي لصدوره أو نشره في الجريدة الرسمية بأقرب التاريخين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم