الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل أسرق وأدخل السجن كي أعالج ابني جوزف؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
هل أسرق وأدخل السجن كي أعالج ابني جوزف؟
هل أسرق وأدخل السجن كي أعالج ابني جوزف؟
A+ A-

تصادق جوزف وكرسيه المتحرِّك بعدما غدا رفيقه الوحيد منذ عام ونصف العام عندما فتك به المرض بشكل حاد. هو ابن الثالثة عشرة عاماً، الذي ولد مصاباً بمرض ضمور العضلات- دوشين أو ما يعرف بـ duchenne muscular dystrophy منذ سن الثلاث سنوات، وهو مرض جيني، لا علاج له ولا دواء. اضطر جوزف إلى ترك المدرسة بعدما أصبح غير قادرٍ على المشي أو صعود السلالم. رفض جوزف في الأسبوعين الأولين الجلوس على الكرسي المدولب، وبرزت لديه نوبات غضب وعصبية، كما أنَّه رفض التكلم مع أهله، إذ يقول: "تضايقت لأنني لم أكن معتاداً على ذلك، ظننت أنَّ هذا الأمر ليس جيداً، لكن حالياً أصبح الأمر عادياً بالنسبة إلي". شعوره طبيعي فأيُّ إنسانٍ كان يمشي ويركض ويلعب من الصعب عليه أن يصبح أسير كرسيّ!


 


أطلب الشفاء من يسوع


يمضي جوزف معظم أيامه داخل جدران المنزل، من الصعب عليه الخروج، إذ إنَّ عائلته لا تمتلك سيارة، وليس من السهل في كل مرَّة أن يتم حمله وإدخاله إلى السيارة. يدرس في المنزل، طموحه متغيّر فهو يحب أن يصبح في المستقبل "سائق باص، أو مغني راب، أو لاعب كرة قدم". جوزف الذي لا يشعر بأوجاع إذ إنَّ المرض يتغلغل في داخل جسمه، منذراً العائلة بخطره وصعوبته، وجاعلاً إياها خائفةً من فقدان وحيدها. وهذا ما دفع بأحد أصدقاء العائلة غلى التواصل مع جمعية "تمنى" التي حقَّقت أمنية جوزف البسيطة وهي حصوله على لعبة EX BOX، لكنها لم تقدِّم الهدية في جو عادي، بل قامت بأخذ جوزف وصديقه الذي يعاني من المرض نفسه إلى السينما إذ إنَّ الخروج من المنزل ليس متوافراً دوماً لهما. يخبر بفرحٍ عن ذاك اليوم قائلاً: "تناولنا الغداء في مطعم داخل أحد المجمعات التجارية، ثم البوظة، ودخلنا إلى السينما لحضور فيلم، وفرحت عندما كتبوا لي على شاشة السينما جملة " Happy Birthday " قبل بداية الفيلم وبعدها قدموا لي الهدايا وقمنا بقطع قالب الحلوى"، ثمَّ عاد إلى حياته اليومية الروتينية، ليتحضَّر لعيد الميلاد المجيد، حيث ستُزيِّن الشجرة والمغارة المنزل الصغير المتواضع الذي يقطن فيه. وتبدو أمنية جوزف في هذا العيد قريبةً إلى الرجاء من الماديات. عندما سألته عن الهدية التي يرغب في الحصول عليها هذا العام، أجابني: "أطلب من يسوع المسيح أن أتمكَّن من المشي مجدداً". وعندما سألته عن الهدية المادية التي يرغب في الحصول عليها من بابا نويل قال: "ممكن أن أطلب Ipad. لكنني أعرف أنَّ بابا نويل غير موجود وغير حقيقي، فالأهم هو الـ spirit (أي روح العيد)، ومنه مساعدة الغير.


يبدو جوزف هادئاً ورقيقاً، يحمل في قلبه الصدق والبراءة والتسامح، وكذلك الانفتاح، فصديقه المفضَّل هو محمد زميله في المدرسة، يقول: "نحن أصدقاء لكننا لم نلتقِ هذه السنة لأنني في المنزل، لكن نتواصل عبر فايسبوك".


 


هل أسرق لأعالج ابني؟


عائلة جوزف تبدو متصالحة مع وضعه إلاَّ أنها لا تخفي غصة وعجزاً في ظل ما يتطلبه العلاج من تكاليف مادية باهظة، وغياب القدرة الاقتصادية لديها. يقول والد جوزف "كيف يكون وضع عائلة كانت تعيش حياةً طبيعية مع طفلها قبل أن تدرك لاحقاً أنَّه مريض، وأنَّه كلما عاش تدهورت حياته إلى الأسوأ، في بلد لا يقف أحد فيه إلى جانب المواطن، لا معارف لدينا ولا وساطات، لو لم أعرف جاري أبو وفيق الذي يعاني ابنه من المرض نفسه، لما تمكَّنت من إجراء عملية لابني، ولا استطعت التعرف إلى جمعية "تمنى" كي يحقق حلمه". ويضيف: "كلفة العلاج الفيزيائي لجوزف تبلغ نحو ألف دولار أميركي، في وقتٍ راتبي بأكمله هو ألف دولار، وهذا يجعلني عاجزاً عن جعله يخضع للعلاج بشكل دائم، إذ لديَّ إيجار منزل، كما أنني أشتري له الأدوية، والكتب المدرسية لشقيقته، ولا أجد من يقف إلى جانبي، نحن لا نتكلم عن مرض ينتهي بعد سنة أو اثنتين، بل عن مرضٍ يستمر سنوات. ماذا أفعل... أأسرق وأدخل السجن؟ ولكن الحمدلله، أحياناً يقولون لي "منيح اللي بعد فيك تضحك"، صحيح أن هناك تعباً مادياً ونفسياً لكنَّ جوزف يبقى سبب فرحنا".


أما والدة جوزف الهادئة التي تمضي معظم الأيام برفقته ولا تخرج من المنزل إلاَّ في حالات الضرورة، تصفه "بالملاك"، قائلةً: "هو ملاكٌ في المنزل، عندما يحين موعد فحوصاته الطبية، أو زيارة الطبيب تزداد عصبيتنا إذا ليس في مقدورنا تأمين المال للذهاب، فجأةً في اليوم التالي نشعر بأنَّ كل شيء تيسَّر، ربنا عم يطَّلع فينا".


 


"دبرنا المبلغ شحادة"


إنَّ المرض الذي يعاني منه جوزف يصيب الكروموزوم Y، أي الذكور لا الإناث، ويكون عرضةً له ذكر واحد من بين كل 150 ألف ذكر، ممكن أن ينتقل بالوراثة، وتكون المرأة هي الناقل له. في العام 2006، جال أهل جوزف على كل المستشفيات، إلى أن وجدوا طبيبة متخصصة قالت لهم إنَّ "هذا المرض بحاجة إلى إيمان". وبمرور السنوات، بدأ جوزف بزيارة عيادات كل من طبيب العظم، والجهاز التنفسي، وطبيب القلب، والمعالج الفيزيائي، كما أنَّه يخضع لجلسات علاج نفسي. يقول الوالد: "الأطباء بسايرونا بالسعر، ولكنَّ المبالغ المدفوعة لهم عندما تتراكم بتكسر الضهر". ويحتاج جوزف كل مدَّة إلى الخضوع إلى تخطيط للقلب، والظهر، والمعدة، والعين، وكل عضو فيه عضل لمعرفة ما إذا كانت تراجع قوتها بمرور الوقت.


خضع جوزف منذ فترةٍ إلى عملية في ظهره بلغت كلفتها 30 ألف دولار، ساعدتهم وزارة الشؤون الاجتماعية بمبلغ 3.000 دولار، في حين كان على العائلة تأمين ثمن الأدوات البالغة قيمتها 19.170 دولاراً أميركياً. يقول والد جوزف "دبرنا المبلغ شحادة، دفعت 6 آلاف وبقية المبلغ كانت تبرعات"، ساعدتنا جمعية اسمها "Kapor"، وتواصلَت مع أحد السياسيين الذي تبرَّع بمبلغ 10 آلاف دولار، فأُجريت العملية وتمَّ وضع سيخ حديد في ظهره مثبَّت بمجموعة من البراغي، إذ كان يعاني من scoliosis أي انحراف في العمود الفقري". والصعب حالياً هو كلفة الدواء البالغة 4 آلاف يورو في الشهر. وتتحضر العائلة نفسياً باحثةً لشراء ventilator وهي آلة سيحتاجها جوزف لاحقاً كي يتمكن من التنفس كلفتها 8 آلاف يورو أي ما يعادل 12 ألف دولار، ويختم الوالد قائلاً: "سأحاول البحث عن مساعدٍ أو متبرعٍ، وأتمنى أن نستطيع شراء الآلة له بعد العيد".


 


بين الغيرة والمحبة


جوزف الوحيد لدى عائلته لديه شقيقة تصغره بعام، أثَّر مرض جوزف بها نفسياً في أولى سنوات عمرها حيث كانت تشعر أنَّ كل الاهتمام كان من نصيب جوزف، فكانت تقول لوالديها "أنتم لا تحبونني، بل تحبون جوزف أكثر مني، مهما شرحنا لها لم تكن لتدرك أن شقيقها يحتاج إلى عناية خاصة. أما في العام الماضي فقد شعرت بصدمة كبرى عندما رأت أنَّ شقيقها بدأ يجلس على كرسيّ مدولب، ما أثَّر في دراستها، إلاَّ أنها عادت وتأقلمت أكثر مع فكرة أنَّ "جوزف على الكرسي المتحرك". هي الآن تهتم به وتعرف متى يجب أن يأخذ أدويته الأربعة، وهي تحضنه وترعاه، وهو يحبها أيضاً ولا يفضل الخروج أو اللعب من دونها.


 


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم