الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الخال والصديق يروي محطات \r\nمنفاه الباريسي زاده عزماً واصراراً

ل. كيوان
الخال والصديق يروي محطات \r\nمنفاه الباريسي زاده عزماً واصراراً
الخال والصديق يروي محطات \r\nمنفاه الباريسي زاده عزماً واصراراً
A+ A-

"ربي، امنحني القوة لأقبل الأمور التي لا يمكنني تغييرها"... صلاة للقديس فرنسيس الاسيزي رددها جبران تويني المؤمن مراراً في منفاه دونما استسلام او خضوع، مصحوبة من دون شك بعزم شديد على استخلاص العبر من مر الكأس التي أجبرته الظروف مرات عدة على تجرعها. ولم يكن من الصعب على صحافي كجبران تويني، صاحب المعايير الوطنية والانسانية والفكرية التي تتخطى حدود المألوف، ان يحول الصعوبات والنكبات الى حوافز نحو مزيد من النجاح والاستمرارية، بالسهولة نفسها التي كان يلتقط بها الفرص الذهبية بعين ثاقبة لتحقيق الابداع.
ما يقارب العامين.. كانت المدة التي قضاها في المنفى القسري.. كيف عاش جبران تويني التجربة؟ وما الجديد الذي عاد به الى "النهار" ولبنان؟
يعتبر علي حماده، الصحافي والاعلامي، الخال الذي رافق جبران في معظم أسفاره وكان صديقه ومقرباً منه، ان ذلك المغامر الشاب الطموح الذي تعاطى الشأن الصحافي في سن مبكرة، والسياسة في زمن الانقسامات اللبنانية والاحتلالات على انواعها، صبّ جهوده، في الوقت الذي أمضاه مبعداً عن تراب عشقه الاول والاخير لبنان، على اعادة بناء نفسه واستجماع كامل القوى الجسدية والفكرية والنفسية، ملتمساً الدعم الالهي على الدوام، ليعود الى وطنه الذي كان في أمسّ الحاجة الى النهوض، في ظل حروب جرت على ساحاته، ويدعمه بطاقاته وقدرته على ايصال الصوت كخطوة باتجاه التغيير عبر منبر "النهار" ومن خلال "نهار الشباب" الذي جعل منه جبران تويني منصة مفتوحة لكل شاب وطني حر مؤمن بقضية لبنان الذي أراده منارة للحرية والعزة والرفعة.
كيف يعيد الانسان بناء نفسه بعد تجربة مرة؟ ينطبق هذا السؤال على تجربة جبران تويني في منتصف عمره الذي لم يدم أكثر من 48 عاماً على ما يقول حماده. وكما هو معلوم ان جبران انخرط في الحياة السياسية اللبنانية خلال الثمانينات، وصولاًَ الى مرحلة حرب التحرير التي أطلقها العماد ميشال عون، ثم حرب الالغاء بين عون و"القوات اللبنانية" في عامي 1989 و1990، انتهاء بعملية 13 تشرين الاول 1989 يوم أُخرج ميشال عون من قصر بعبدا ليبدأ مرحلة المنفى لمدة 15 عاماً. وكان جبران تويني منخرطاً الى جانب ميشال عون في الجانب السياسي من المعركة، وبخروج عون من قصر بعبدا فان الخيار السياسي الذي كان جبران قد عمل لأجله قد هُزم بدخول الجيش السوري الى قصر الرئاسة.
وفي 21 تشرين الاول اغتيل داني شمعون وعائلته، وفي تلك المرحلة اصبحت حياة جبران تويني ايضاً مهددة الى أقصى الحدود، وتم نفيه الى فرنسا من اواخر 1990 الى بداية عام 1993، وعندما وصل الى باريس لينضم الى عائلته التي كانت قد سبقته الى هناك، كان يشعر بشيء من الاحباط بسبب الخسارة، وكان في الوقت عينه يستنفر نفسه بنفسه من اجل التحضر الى وثبة مقبلة.
ويروي حماده انه خلال المنفى، وعى جبران بقوة اهمية الحضور والتموضع على المستوى الدولي بالنسبة الى "النهار" وبالنسبة اليه شخصياً. والتموضع الخارجي يعني الانفتاح والاطلاع والتعلم من تجارب الغير والتفاعل مع الآخرين. لذلك وبدل ان يجلس وحيداً في منفاه وفي زاوية منزله، ويمضي الوقت في التحسر على ما مضى او في انتظار ما قد يأتي دون ان يحرك ساكناً، انطلق بكل بساطة في مرحلة جديدة لاعادة بناء نفسه.
ويؤكد حماده ان جبران اعتبر انه "ليس في اجازة، انما هو في مرحلة انتقالية، وهذا ما دفعه الى طلب العلم مجدداً، وبعد اكثر من 10 سنوات على انهائه الدراسة الجامعية الباريسية، قرر ان يعود الى مقاعد الدراسة ويتعلم من جديد، واضعاًَ نصب أعينه دراسة ذات اهداف. فحاول تقوية معارفه وخبرته لكي يعود الى قيادة "النهار" منطلقاً من أسس أكاديمية صلبة، وانضم الى جامعة INSEAD في مدينة فونتين بلو التي تقع على مقربة من باريس، وهي احدى كبريات جامعات ادارة الاعمال في العالم وتتعاون مع معهد ادارة الاعمال في جامعة هارفرد. وتسجل في مجموعة حلقات دراسية على مدى نحو عام، وكان عنوان دراسته "القيادة في المؤسسات". واندمج في الدراسة كلياً، حتى انه نقل اقامته الى المعهد وتفاعل بشكل كامل مع الطلاب الذين كانوا بمعظمهم من الكوادر المتوسطة او العالية في كبريات المؤسسات المتعددة الجنسية في اوروبا وخارجها.
كان ينظر الى يوم يتسلم فيه قيادة "النهار"، المؤسسة المتعددة الاختصاص فضلاً عن الجريدة، وكان يحاول ان يسقط كل ما يتعلمه ويتلقنه على الصحيفة. وفهم جبران ان لديه متسعاً من الوقت لكي يثبّت أقدامه اكاديمياً، ولم يتوان عن التقاط كل ما يساهم في تطوير "النهار" من بعد. ويشهد علي على قرارين كبيرين: بدايةً، وبفعل وجود جالية لبنانية في باريس، يناهز عدد افرادها 300 ألف لبناني لجأوا الى فرنسا هرباً من الحوادث، ونظراً الى صعوبة وصول الصحف اللبنانية في اليوم نفسه الى باريس لا بل استحالتها، اطلق جبران مشروعاً من لا شيء ومن دون تمويل، وهو طباعة "النهار" في باريس وتوزيعها في اليوم ذاته التي تصدر فيه في بيروت. فصار يذهب الى مكتب الصحيفة الباريسي يومياً ويتلقى نسخاً من صفحات الجريدة من مكتب بيروت عبر الفاكس، ويعيد تبويبها وتركيبها على شكل ورقة بقياس A4، ويرسلها الى مطبعة صغيرة كان يتعامل معها، وكانت تطبع آلاف النسخ الباريسية المتواضعة من "النهار" لتلبية الحاجات الملحة للبنانيين المبعدين والمنفيين في فرنسا. ونجح المشروع في تحقيق ايرادات كبيرة وتمكن من تمويل نفسه واستمر اكثر من عامين، ولم يتوقف الا عندما عادت "النهار" الى أكشاك توزيع الصحف الباريسية عندما عاد التواصل عبر الطيران. وهذا خير دليل على ان جبران لم يكن ينتظر تحقق الامنيات، بل كان يقتحم المصاعب ولو بأقل القدرات والامكانات المتاحة.
اما الانجاز الآخر والذي لا يزال أثره مستمراً الى اليوم، فهو انضمامه الى الاتحاد العالمي للصحف او اختراقه "جدران الاتحاد. وأذكر انه ذات يوم وصلنا الى المكتب وكان هناك بريداً على مكتبه ومن جملة الرسائل واحدة من الاتحاد تدعو فيها مجلة "النهار العربي والدولي" التي كانت متوقفة حينها، الى المشاركة في حضور ندوة بعنوان "استراتيجيات النشر للشباب والطلاب"، واصر جبران على الحضور، وعندما سالته عن سبب اهتمامه قال "سترى، يمكننا تحقيق الكثير". وخلال الندوة اطلع جبران على تجارب الصحف الاجنبية، لا سيما الاوروبية منها، في النشر الموجه الى الطلاب والشباب، وفهم الاهمية التي تعطى للشباب كونهم قراء المستقبل. ومن على طاولة الندوة اخترع جبران ما عرف ب "نهار الشباب". وبعدها أطلق علاقة دامت سنوات مع الاتحاد، وكان يفكر في استدراج الاتحاد لاقامة ندوات في لبنان، لتتوطد العلاقة بينهما في وقت لاحق مما وضع "النهار" على خارطة الصحف العالمية.
شيء واحد يمكن استنتاجه من ذلك يقول حماده، وهو ان المصاعب والضربات الموجعة التي يتلقاها الانسان، قد تهدمه وتحيله حالة من الانتظار والتلقي، او تكون حافزاً له كي يعيد بناء نفسه والتحضير للانطلاق وبناء حياة جديدة. وجبران كان من الفئة الثانية، وكان من الممكن ان تضرب مرحلة المنفى معنوياته وتوقفه عن التقدم، لكنها دفعت به الى البحث عن كل جديد وعن العلم والتخطيط لعودته التي استبقها بوضع أفكار عن "نهار الشباب" و"نائب ليوم واحد" و"حكومة الظل" وغيرها من المشاريع التي طبقها فور رجوعه، وأخرى كثيرة حالت دون تنفيذها أيادي الغدر التي اختطفته باكراً وهو في عزّ قدرته على العطاء.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم