الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بعنفوانه... مضى

سلوى بعلبكي
سلوى بعلبكي
بعنفوانه... مضى
بعنفوانه... مضى
A+ A-

لم اكن ادري ان الاستاذ قدريّ الى هذا الحدّ.
فمنذ التقيته للمرة الاولى في مركز التدريب في "النهار"، أوحت لي شخصيته ما دلّ عليه مستقبله.
هو من أصرّ عليّ تقديم طلب عمل، حين فوجئ بوجودي بعد ساعات التدريب أزور احدى صديقاتي من صحافيات "النهار". ولما اغفلت ذلك في يومين اعتقادا مني بانها محاولة "مسايرة" ليس اكثر، عاود الاتصال عبر احدى الزميلات. "اين الـCV؟"، سألتني الصديقة. "الا تعلمين انه يطلبها؟ وحين يلح، لا يستكين الا متى نال مطلبه".
أرسلت سيرتي المهنية مرفقة بأمل ضعيف في الحصول على وظيفة "صحافية في النهار"، وذلك على قاعدة الاستخدام اللبنانية "منشوف، رح نتصل فيكن قريبا". لكنني فوجئت باتصال من مديرة مكتبه في اليوم التالي حددت لي موعدا للقاء الاستاذ... بحسم سريع جعلني من اهل البيت، هكذا كما كان يحلو له، وكما اعتاد ان يجعل من "النهار" اسرة وليس مؤسسة فحسب.
منذ اليوم الاول، أحسست به ملاكا حارسا. ففي جولاته اليومية، كان يمرّ بي ويسألني عن احوالي وعن عملي، وما اذا كان ثمة ما يزعجني، حتى انني أحسست بتحوّلي طفلة مدللة تثير غيرة اخواتها.
فوجئت في احدى المرات بشبه استنفار من الزملاء. "سأل عنك الاستاذ جبران، يريدك ضروري؟". توجهت الى مكتبه، وكان السؤال، وكالعادة، عن أحوالي. "شو تعودتي علينا أو بعد؟"، مقترحا بعض افكار لمواضيع حياتية... وفي خلال اللقاء، تلقى اتصالا من احدى المحطات الاذاعية للوقوف على رأيه في مسألة المقابر الجماعية التي كانت قد اكتشفت في وزارة الدفاع في حينه. فانفعل، واستشاط غضبا، وادلى برأي صريح لا بدّ ان يكون قد ازعج اصحاب الشأن. قلت "استاذ، انتبه لنفسك. شوي شوي". وردّ بعفويته المعتادة "لن يمسني سوء ان لم يكن قدري كتب عليّ ذلك... الموت واجب علينا. لذا، أفضل ان أموت شجاعا على ان أحيا جبانا".
بهذا العنفوان رحل من دون وداع. لكنه اودعنا امانة امينة على العهد تكمل المشوار الذي ما كاد يبدأ، وكدنا نستحقه.
أسفي انني لم اعمل معه اكثر من عام. فهو المدرسة في النبل والاخلاق والتربية والمشاعر. وكلما نهلتَ منه، زاد شوقك اليه اكثر.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم