الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جبران تويني: لتتنازل سوريا عن حلم ضمّها لبنان سياسياً وجغرافياً

هيام القصيفي
جبران تويني: لتتنازل سوريا عن حلم ضمّها لبنان سياسياً وجغرافياً
جبران تويني: لتتنازل سوريا عن حلم ضمّها لبنان سياسياً وجغرافياً
A+ A-

لا احد منا يعرف ماذا كان جبران تويني ليقول او ليكتب حين اعلنت العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسوريا.


ولا احد يمكنه ان يكتب عن جبران افتتاحية يوم الثلثاء الذي اعقب اعلان وزيري خارجية لبنان وسوريا فوزي صلوخ ووليد المعلم ان لبنان وسوريا سينشئان سفارتين في كل من بيروت ودمشق.
وطبعا، من الصعب ان نتخيل رد فعل جبران تويني، لدى مشاهدته بدء مسار التطبيع اللبناني من جهة واحدة مع سوريا، في ضوء الخطوات الوزارية المتعاقبة التي يقوم بها وزراء لبنانيون، قبل ان يقوم أي وزير سوري بزيارة لبنان.
واذا كان من الصعب علينا ان نتكهن بما كان جبران ليقوله، فان ثمة مسلّمة اساسية واثقون ان جبران كان يلتزمها، ودفع حياته ثمنا لها، وهي رؤية "قوى 14 آذار" لهذه العلاقات التي كان تويني، احد اشد المطالبين بها، على اساس الاحترام المتبادل وسيادة لبنان واستقلاله، وفقا لما كان يكتبه في افتتاحياته.
فـ "قوى 14 آذار" تعاملت مع اعلان العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وبيروت، على قاعدة انه تحقيق لمكاسب "ثورة الارز"، وكرس المطلب التاريخي للبنانيين. وعلى هذا الاساس، اشادت بالخطوة، محددة ضرورة ان يتعامل لبنان معها من الند الى الند.
من هنا جاءت خطوة زيارة وزير الداخلية زياد بارود وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والاعلان عن زيارة قريبة لوزير الدفاع الياس المر الى دمشق والزيارة التي سبقتها للعماد ميشال عون على رأس وفد، لتطرح كمية من الاسئلة، بقيت خارج اطار التداول الى ان طرحت علنا في مجلس الوزراء الذي دام سبع ساعات على خلفية زيارة بارود وما اعقبها من سجالات.
فأسئلة الاكثرية اختصرت قلقا عبرت عنه رموزها، حين اشترطت عودة كل ملف يبحث في سوريا الى طاولة مجلس الوزراء، وسألت عن مغزى زيارات الوزراء اللبنانيين الى سوريا، في حين ان أي وزير سوري لم يزر لبنان بعد، ولماذا تعقد اللقاءات في دمشق بدلا من بيروت، مطالبة ان يرجأ البحث في كل الملفات الى ما بعد اتمام العلاقات الديبلوماسية وانشاء السفارتين.
في المقابل ارتفعت وتيرة دفاع المعارضة عن الزيارات والاقتراحات المتداولة حول التنسيق الامني بين البلدين، في ضوء الاشادات المتكررة من جانب "حزب الله" على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم وقيادات الحزب والوزير السابق سليمان فرنجيه وقيادات "التيار الوطني الحر" بزيارة بارود الى دمشق، والاتصالات التي يجريها الجيشان اللبناني والسوري بهدف التنسيق في ملفات الارهاب والامن. ومجرد الانقسام الحاد بين المعارضة والاكثرية حول هذه الزيارات والاتصالات، يعني ان خلف الاكمة ما خلفها، وان ثمة ما لا يزال ملتبسا حول هذه العلاقات التي يفترض ان تأتي تتمة لاعلان استقلال لبنان مجددا عام 2005، لا ان تصبح بعد سقوط من سقط من شهداء سياسيين ومدنيين، ورقة للمساومة لا اكثر.
والواقع ان جبران احد رموز "ثورة الارز"، وابرز الطالعين من رحم "لقاء قرنة شهوان" والمدافعين عنه بشدة، يوم وقف في وجه الوجود السوري وحده تحت عباءة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، لم يكتب منذ عام 2000 حتى استشهاده في 12 كانون الاول عام 2005 الا من وحي رؤية "القرنة" ولاحقا "قوى 14 آذار" لمسار العلاقات التي يفترض ان تكون للبنان مع سوريا، وهو الذي كان قبل 13 تشرين الاول عام 1990، احد ابرز من وقف في وجه سوريا ومن يدافع عنها.
رسالتان كتبهما جبران تويني الى الرئيس السوري بشار الاسد، الاولى في 23 آذار عام 2000 والثانية في 3 شباط عام 2005، تختصران رؤيته لهذه العلاقة، من خلال ايمانه بأن اللبنانيين سيكونون خلفه في هذه المطالب.
في عز الحرب اللبنانية قال المفكر شارل مالك "ان ننسَ لن ننسى"، ومقولته تصح في كل زمان ومكان، حيث يريد البعض للذاكرة ان تنسى، وان تبني المستقبل على "زغل". لكن صادف ان لجبران تويني ارشيفا وللبعض ذاكرة، يجعل من الصعب على الذين كانوا من ضمن "ثورة الارز" ان ينسوا او يتناسوا ما كتبه جبران.
اختصر جبران رؤيته لهذه العلاقات بثلاث مسلمات هي السيادة والحرية والاستقلال. لكن هذه المسلمات حملت عناوين عدة كان جبران حريصا على ان يرددها عند كل مفصل او حدث ذي صلة بدمشق، التي كان يعرف انها تقف في وجهها: وهي التمسك باتفاق الطائف، والدفاع عن بكركي كموقع مسيحي وقف في وجه السوريين اثر النداء الاول للمطارنة الموارنة، والمحكمة الدولية التي اغتيل جبران يوم مرورها في مجلس الوزراء.
في رسالته الاولى الى الاسد عام 2000، أي بعد التغيير في القيادة السورية اثر تسلم الاسد الابن الحكم خلفا لوالده الراحل حافظ الاسد، كتب جبران نظرته الى السياسيين اللبنانيين الذين يؤمون سوريا ويتعاملون معها قائلا "يجب ان نطمئن الى ان سوريا قررت ان تنتقل من ذهنية التعامل مع فئة من السياسيين استسلمت الى الارتهان الى فئة من السياسيين الاحرار الذين يمثلون حقا شعبهم وتاريخهم"، مطالبا الاسد بتغيير اداء سوريا في لبنان لانه "من الضروري ان يطمئن جيلنا اللبناني الى استقلال وطنه والى اعتراف سوريا بهذا الاستقلال".


من يعرقل تنفيذ الطائف؟
كان جبران يصر على تناول اتفاق الطائف في كتاباته، كأحد المرتكزات الاساسية لبناء استقلال لبنان والجمهورية الثانية وكمنطلق لعلاقة ندية مع سوريا التي كانت تعرقل تنفيذ هذا الاتفاق. وهو الاتفاق الذي تعود حالياً "قوى 14 آذار" الى التمسك به والتشديد على تنفيذه واعتباره مرجعا اخيرا للنظام اللبناني، في وجه بعض المشاريع التي لاحت اخيرا في الافق كمشروع المثالثة لاعادة توزيع الحصص الطائفية.
في 16 تشرين الثاني عام 2000 كتب تويني "من المؤامرة لاجل الطائف الى المؤامرة عليه". واهمية ما كتبه انه جاء من رجل كان عارض الطائف، من الموقع الذي كان فيه. لكن موقفه تدرج الى المطالبة بتنفيذه وهو الذي التزم وثيقة "قرنة شهوان" التي وضعت الطائف سقفا لعملها وخطابها السياسي. ويقول "يحق لنا ان نسأل كيف اصبح اتفاق الطائف، وبسحر ساحر، مرفوضا تنفيذه، بل ممنوعا التكلم عليه اليوم؟ هل نسينا كم كان مكلفا فرض اتفاق الطائف؟ هل نسينا المعارك الدامية والاجتياحات والقصف والقتل والسجن والنفي والابعاد التي مورست كلها باسم الطائف وفرض الطائف... ولماذا اصبحت اليوم المطالبة بتنفيذ اتفاق "اجمع عليه اللبنانيون" ورعاه العرب، كل العرب، وشارك فيه المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، لماذا اصبحت المطالبة بتنفيذه فعل خيانة؟".
كان جبران يدرك اهمية الطائف التي تعارض سوريا تنفيذه والذي بدأ البعض حاليا يرسمون اسئلة استفهامية حوله وهو الذي لم ينفذ بعد كاملا. ويقول جبران "اما التغيير الحاصل اليوم والذي جعلنا كلنا – حتى الذين عارضوا الطائف يومها - نطالب بتنفيذ الاتفاق، فهو تغيير ايجابي"، سائلا "لماذا لا يطبق الطائف، ومن يقف وراء تعطيل تطبيقه؟".


بكركي منطلق المصالحات
يقول مقربون من بكركي ان ثمة محاولة جدية لابعادها عن الواجهة السياسية، وان ثمة محاولة لتطويقها وهي التي اعلنت منذ عام 2000، ومن دون كلل مواجهتها للنظام السوري وادائه في لبنان. في عز المواجهة مع سوريا عام 2000، كتب جبران تويني في 28 آذار مقالة ردا على كلام استهدفت به سوريا وحلفاؤها في لبنان، بكركي واثر توافد الحشود الى الصرح البطريركي دفاعا عنه. و قال "لقد استفاق الشعب وكسر جدار الخوف وتبنى كلام سيد بكركي وفوضه وايده واعتبره الناطق الرسمي الشعبي، لا بل حامل الاوجاع والمعاناة".
وأكد "البطريرك صفير تكلم باسم كل لبنان، ومن جاء الى بكركي جاء ليؤيد هذا الكلام الوطني بهدف تكريس الوحدة والسيادة والاستقلال".


العلاقة الديبلوماسية مع سوريا
لم يكن الرئيس رفيق الحريري قد اغتيل، ولم تكن "انتفاضة الاستقلال" قد اندلعت. لكن كان التمديد للرئيس اميل لحود قد حصل، وجرت محاولة اغتيال النائب مروان حماده، وبدا ان ثمة ضبابية قاتمة تلف الوضع اللبناني.
كتب تويني رسالته الثانية الى الاسد عن ضرورة اقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان شرط احترام سلم اولويات في مقدمها، اعتراف سوريا بلبنان. ويقول: "لا يمكن ان تحل مشكلة العلاقة مع سوريا الا بقرار نهائي للنظام القائم في دمشق، ويقضي بأن تتنازل سوريا عن حلمها بضم لبنان اليها سواء جغرافيا او سياسيا... لان لبنان في نظرها لا يستحق ان يكون وطنا ينعم فيه ابناؤه بالسيادة والاستقلال". يستعرض جبران في رسالته الاخيرة، ما قامت به سوريا في لبنان، ليخلص الى المطالبة بما يمكن اعتباره سلما تدريجيا لتصفية العلاقات بين البلدين عبر "اتفاق تاريخي لبناني – سوري ينطلق من وعد وتعهد رئاسي سوري باحترام سيادة لبنان واستقلاله والتنازل عن ضمه الى سوريا، وتكريس هذا الوعد برسم قانوني ونهائي للحدود بين لبنان وسوريا، بما فيها مزارع شبعا... ورفع الوصاية السياسية والامنية ووضع حد للتدخلات السورية في الشؤون الداخلية... والعمل الفوري لاقامة علاقات ديبلوماسية رفيعة المستوى والاتفاق على آلية تنفيذ القرار 1559".


المحكمة الدولية
بعد خمسة اعوام على رسالته الاولى واغتيال الحريري واندلاع "ثورة الارز" وتظاهرة "14 آذار" وبدء مسلسل الاغتيالات، رد تويني على خطاب القاه الاسد عن الوضع اللبناني، واعتبر اشد الخطابات عنفا تجاه الاكثرية النيابية التي كانت تشكلت اثر الانتخابات. وجاء رد تويني عنيفا ايضا ويختصر مسار رؤيته للدور السوري في لبنان وتصوره لعلاقة يفترض ان تربط بين السياسيين اللبنانيين وسوريا.
في مقاله يتهم جبران الاسد بانه "حلل دم كل هؤلاء (أي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري وآل الحريري والسلطة التشريعية والاكثرية النيابية وكل من اشترك في حركة "14 آذار" من اجل تحقيق حلم السيادة) وكلامه يندرج في خانة التهديد المباشر لمجموعات كبيرة من المواطنين والسياسيين والاعلاميين".
وركز تويني على المحكمة الدولية كأساس لتصفية العلاقة مع سوريا، مذكرا الاسد باهمية ما خلص اليه تحقيق القاضي ديتليف ميليس، وضرورة التعاون مع المجتمع الدولي والامم المتحدة، وسأل "اذا كان النظام السوري بريئا من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري فما مبرر ما جاء في خطاب الاسد من انفعال وخوف من التعاون مع لجنة التحقيق... وما جدوى اعلان الحرب على لبنان واللبنانيين؟"، مؤكدا "اننا مستمرون في المطالبة بالحقيقة حول من اغتال الحريري ورفاقه (الذين اصبح جبران واحدا منهم)".
في ختام مقالته يستعيد جبران اهمية "انتفاضة الاستقلال" التي "دخلت التاريخ"، الا انه ينهي مقالته بكلمة تختصر فحوى علاقته مع سوريا ورؤيته لدورها في لبنان. نستعيد عبارات جبران الاخيرة، في ذكرى اغتياله، نائبا وناشطا في "قوى 14 آذار" وأحد شهدائها، في سبيل علاقات ندية مع سوريا ولبنان المستقل: "لسنا في حالة حرب او عداء مع الشعب السوري، واننا لمستمرون خصوصا بمطالبتنا بفتح صفحة جديدة مع سوريا، من اجل قيام افضل العلاقات معها. على كل حال مشكور الرئيس الاسد على خطابه، فلقد اوضح لنا بكل صراحة وربما للمرة الاولى مدى انزعاجه من لبنان المستقل وعدائه للبنانيين الاحرار عشاق الحرية والديموقراطية والكرامة ومدى اصرار نظامه على فرض الوصاية على وطننا بهدف تذويبه. لكننا اصحاب حق وبحقنا سننتصر".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم